-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تتسلل إلى أكبر مركز لعلاج كورونا بوهران:

طواقم طبية تعمل كالنحل والخطأ ممنوع

سيد أحمد فلاحي
  • 1583
  • 2
طواقم طبية تعمل كالنحل والخطأ ممنوع
أرشيف

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر ليلا عندما وصلنا لأحد أكبر مراكز معالجة مرضى كوفيد 19 بوهران، الكائن بمنطقة النجمة شطيبو سابقا، المستشفى الذي كان يعول عليه لاستقبال المرضى من سكان المنطقة المعزولة، لتفادي مشقة التنقل إلى المؤسسات الاستشفائية البعيدة، لكن بعد اكتساح كورونا العالم والجزائر خاصة، تحول إلى مشفى متخصص في علاج الكوفيد.

لم نجد أدنى صعوبة في الوصول إلى قاعة الاستقبال، من هناك بدأت نبضات القلب تتصاعد والخوف هو السيد، لأننا في بؤرة عدوى كثيرا ما قضت على أرواح بريئة، وتشجعنا من أجل مواصلة الزيارة الميدانية التي قادتنا للمؤسسة الصحية من أجل الوقوف على واقع وأحوال المرضى الذين يتجاوز عددهم ال160 مريضا، الذين ينعزلون عن العالم الخارجي بمجرد دخولهم غرف العزل.

البداية كانت مع بعض المواطنين الذين صادفناهم بالقرب من البوابة الرئيسية، حيث أنهك بعضهم التعب والإرهاق، في حين واصل الكثير منهم بنفس العزيمة وراح يبحث يمينا ويسارا عن زاوية من أجل إجراء مكالمات ماراطونية مع الأهل والأصدقاء من أجل سرد ما حصل معهم طيلة يوم كامل وإطلاعهم على حال مريضهم، غير بعيد عن بوابة قاعة الاستقبال تتواجد حظيرة السيارات، التي تحولت إلى مراقد يستعملها أهل المرضى من أجل أخد قسط من الراحة، وفي نفس الوقت تعرف حركة نشيطة كلما وصلت سيارة خاصة حاملة قارورة أكسجين التي تعد أبرز أداة علاج في المستشفى بأسره، هناك يلتف بعض الشباب حول السيارة من أجل تفريغها من القارورة التي وصلت بطريقة أو بأخرى، المهم أن أهل المريض يتنفسون الصعداء في حضور القارورة، ويستبشرون خيرا.

انتقلنا بعدها للطابق الأرضي، هناك وجدنا عاملات نظافة منهمكات في مهمة تنظيف الأروقة وهن يرتدين ألبسة واقية، طلبنا من إحداهن أن تدلنا على غرف مرضى الكوفيد، ورغم الضغط والإرهاق الكبير إلا أن أغلبهن لازلن يحتفظن بالطيبة والمودة وقد ساعدانا على بلوغ الطابق الأول، من هنا كانت درجة الخطورة أقرب، بالنظر لتواجد الكثير من المصابين يعالجون داخل غرف عزل، الغرف مظلمة تنبعث منها أصوات أجهزة التنفس، تحركنا ببطء خشية إحداث جلبة أو فوضى قد تؤثر على المرضى، لكن كانت المفاجأة كبيرة حيث إن كل الغرف تقريبا مملوءة عن آخرها بالمرضى وبأهاليهم، حيث ينام مرافقوهم أرضا في غياب أسرة، ولا تسمع سوى أصوات أجهزة التنفس الموصولة بجسد المريض، زيادة على صوت مميز لمراوح هوائية موجهة لمكان تواجد المصاب لتلطيف الجو بسبب الحرارة المرتفعة.

وما يمكن الخروج به خلال هاته الزيارة أن الطواقم الطبية تعمل مثل خلايا النحل في تنسيق مستمر، وحركة دؤوبة لا تتوقف، ما هي سوى لحظات حتى وجدنا أنفسنا في لحظة مؤثرة عندما كانت إحدى عاملات النظافة تنظف إحدى غرف العزل بعد وفاة المريض الذي كان فيها، اقتربنا منها وبنظرات وجلة طرحنا عليها سؤالا بريئا، هل هاته الأغراض تخص المرحوم، فأجابت بكل عفوية نعم رحمة الله عليه، وأنا قمت بتنظيف الغرفة بمواد مطهرة ومعقمة.

أعدنا طرح سؤال آخر عليها في محاولة منا لرصد معلومات جديدة، أين يتم توجيه تلك الأغراض الموبوءة، فقالت العاملة مباشرة للحرق للتخلص منها وتفادي انتشار العدوى، وهنا كان سؤالنا مباشرا عندما قلنا لها “ألا تخشين العدوى وأنت تقومين باقتحام غرفة عزل من أجل تنظيفها” كان الرد قويا ويحمل الكثير من القيم الإنسانية “أولا هاته مشيئة الخالق، كوني لم أكن أتصور يوما وأنا المعروفة بكبريائي وتدللي وسط أسرتي أن أقبل بوظيفة مماثلة، يوميا مع الأموات واليوم صرنا نتعامل مع مصابين بوباء عالمي قاتل، لكن مكتوب ربي هو من ساقني إلى هاته الوظيفة وأنا راضية بها” .

تركنا عاملة النظافة لنجد إحدى الطبيبات التي كانت تشبه لحد بعيد رائدة فضاء بالنظر للهندام الخاص الذي أخفى كل تفاصيل وجهها، حيث كانت ترتدي لباسا واقيا مصنوعا من مادة الألمنيوم، زيادة على القناع العازل الشفاف والقفازات وحتى جوارب خاصة زرقاء اللون، سألناها عن الوضع الراهن وهل هم متفائلون بأخبار توفير الأكسجين على مستوى عدة مناطق صناعية، فكانت إجابتها مدوية ولها ألف معنى “شغلنا الشاغل هو وضع حد لتضاعف عدد الحالات، ولا يمكننا أن نرتاح إلا بعد انخفاض أعداد المرضى، ولكن إذا بقي التهور واللامبالاة سائدين فلن يكفينا أكسجين القارة كلها “….

خلال صعودنا للطابق الثاني، وجدنا بعض أهالي المرضى يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم، الكل يسأل عن وضعية الجار المقابل لهم في الغرفة، بعد تحيتهم سألناهم عن ظروف العلاج، وأبرز النقائص، فكان الإجماع أن الطواقم الطبية تقدم ما عليها وأكثر.

لكن في جهة معاكسة وخلال دردشة خفيفة مع ممرض، أكد على بعض السلوكيات السلبية التي شهد عليها شخصيا، عندما يقدم بعض مرافقي المرضى على سرقة قارورات أكسجين من المخزن، وعوض الحصول على قارورة واحدة يأخذ أكثر، في خطوة منهم لتوفير ما قد يحتاجه مريضهم في الساعات المقبلة، غير مبالين بآثار هذا التصرف الذي تسبب في إحداث أزمة تموين حادة، وهي كلها تصرفات تندرج ضمن الفوضى التي عشَشت وبرزت طيلة عمر هاته الأزمة الصحية الخطيرة .

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • nahed nahed

    تسلل

  • Dr ............

    ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههه ياو المنكر لي دايرونو و الظلم غي ربي داري بيه ... لي عندو العرف المعرفة ما يقدرش يفهمني و ما يديهاش في كلامي و كذلك لي عندو الشكارة ... شفنا بعينينا و عشنا ..... غي دعاوي الشر لي داوهم تخرج فيهم إن شآء الله دنيا و آخرة ...