-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المفكر وأستاذ الدراسات اليهودية فوزي البدوي لـ"الشروق":

طوفان الأقصى كشف نقاط ضعف الاحتلال وهو جرح لن يندمل في ذاكرة الصهاينة

طوفان الأقصى كشف نقاط ضعف الاحتلال وهو جرح لن يندمل في ذاكرة الصهاينة
أرشيف
الدكتور فوزي البدوي

يفسر الدكتور فوزي البدوي، أستاذ الدراسات اليهودية ومقارنة الأديان بكلّية الآداب والفنون والإنسانيات في تونس، وعضو المجمع التونسي للآداب والعلوم والفنون (بيت الحكمة)، ومدير مجلة معهد الآداب العربية، وعضو مجلة حوليات الجامعة التونسية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، لديه عدد من الكتب والدراسات والأبحاث في علم الأديان والفنون والإنسانيات، من بينها كتابه المهم: «الجدل الإسلامي اليهودي»، وبحثه المعنون: «نبي الإسلام في مرآة اليهودية»، كما ترجم دراسة المستشرق البريطاني روبرت سيرجنت «العهود مع يهود يثرب وتحريم جوفها»، يفسر بنيوية الكيان الصهيوني والإجرام المهول الذي أظهره في حق المدنيين بقطاع غزة للشهر الرابع على التوالي.
ويقدم الأستاذ البدوي في هذا الحوار مع “الشروق”، قراءة موسعة في فكر وهيكلة الكيان الصهيوني، ويحذر من مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وتهديم المجسد الأقصى.

أربعة أشهر ونحن نتابع مشاهد قاسية ومجازر دموية يقوم بها جيش الكيان الصهيوني، لماذا يتسم هذا الجيش والكيان الصهيوني بصفة عامة بهذه الدموية؟
ما أشرت إليه في سؤالك عن الوحشية ليس وليد اليوم وهو مرتبط بأسس المشروع الصهيوني نفسه القاضي بإفراغ فلسطين من سكانها العرب لتحقيق المشروع الاستيطاني الإحلالي.
وهذه الوحشية هي السمة لعصابات الهاغانا وشتيرن والارغون وغيرها قبل تشكيل ما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي بعيد النكبة وقيام دولة الاحتلال، واستمرت مع مجازر قرية والطنطورة ودير ياسين التي قادها شارون من خدمته في الفرقة 101 وهذه الوحشية تجد جذورها أيضا في عقيدة الجدار الحديدي الذي صاغه فلاديمير جابوتنسكي والقاضي باستعمال أقصى درجات العنف الذي منع الفلسطيني من مجرد التفكير في مقاومة الاحتلال وهذا العنف الذي يمر إلى مرحلة الإبادة يزداد اليوم بفعل انضمام منتسبي الجماعات الدينية الأصولية المعروفة بـ”الحردلية” إلى الجيش بعد أن كانت رافضة للخدمة وهؤلاء يتميزون بشراسة كبيرة بفعل الشحن الديني والاعتقاد بضرورة تأسيس أرض إسرائيل الكاملة بما فيها الضفة والقطاع، وهم الآن يسيطرون على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
فالعنف والعنف وحده هو ما يميز هذا المشروع الصهيوني خصوصا بعد تحول الضحية النازي إلى جلاد، متأكدا من إعدام المحاسبة في ظل في حماية الولايات المتحدة والغرب، وما لم تتحقق مشاريع هذا اليمين القومي المنحدر من فكر جابوتنسكي واليمين الديني المنحدر من فكر افراهام كوك، فإن العنف في أشد صوره سيظل ملازما لكل أفعال الكيان الصهيوني فقد ارتكب 2000 مجزرة في 100 يوم وقتل نحو 25000 فلسطيني وهجر قرابة المليونين ولا يزال ولن يتوقف إلا من خلال الفعل المقاوم إلى حين إدراكه أن ثمن الاحتلال مكلف جدا وأن جوهر المشروع الصهيوني لن يتحقق.

رغم هذه الهمجية نرى أن الكيان الصهيوني يلبس لباس الضحية، ما جعل السردية تتغلب عقب عملية طوفان الأقصى وكانت الرواية الصهيونية الغالبة في الغرب ولدى صانع القرار السياسي؟
حتى وهو يمثل أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي متهما فإنه لا يزال يناور متدثرا بثوب الضحية وما اختيار رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا السابق لتمثيل إسرائيل لدى المحكمة في هذه القضية إلا دليل على مواصلة نفس سياسة الابتزاز التي اعتمدتها إسرائيل طويلا والتي تحاول الضغط علي أوروبا من خلال الخاصرة الرخوة لها وهي المحرقة النازية ولقد قدمت أوروبا عموما وألمانيا على وجه الخصوص والفاتيكان منذ المجمع الفاتيكاني الثاني المتهم بالتغاضي عن النازية إبان البابا بيوس الثاني عشر.
أما عن غلبة الرؤية الصهيونية لدى صانع القرار الأوروبي فهو أمر متوقع وسيستمر طويلا فأغلب القيادات السياسية الأوروبية الحالية لم تصل إلى سدة الحكم إلا بعد أن تم استصفاؤها من خلال مراكز القوى اليهودية والصهيونية في أوروبا من خلال الإعلام والمال الانتخابي، إضافة إلى أن أوروبا وهي تميل نحو اليمين الفاشي تريد استبدال معاداتها للسامية في المعنى معاداة اليهود إلى معاداة العرب والمسلمين للخروج من مأزقها التاريخي، وفي هذا السياق يتم التنظير لـ”المسيهودية الجديدة” التي تعتبر أن العرب والمسلمين غرباء عن الحضارة “المسيهودية” أي غرباء عن الفضاءين الإغريقي الروماني المتوسطي والفضاء السامي اليهودي المسيحي.

لكن ما هي الصهيونية؟ وكيف بدأت؟ وما علاقتها بالديانة اليهودية؟
يمكن القول باختصار إن الصهيونية من حيث النشأة كانت حركة بعيدة عن اليهودية فهي نتاج فشل حركة الأنوار اليهودية المعروفة بالهاسكالاه ونتاج انتعاش معاداة السامية بأوروبا وحادثة دريفوس الشهيرة التي كتب عنها إميل زولا دفعت تيودور هرتزل إلى البحث عن حل للمسألة اليهودية خارج نطاق أوروبا من خلال تأسيس دولة لليهود وليس دولة يهودية محكومة بالشريعة اليهودية التقليدية كانت مناهضة للمشروع الصهيوني لأسباب دينية تتعلق بفهمها للخلاص وتوقيته وكيفيته وهو الخلاف المعروف فقهيا بنص العهود الثلاثة رغم وجود تيار ماشيحاني لم يمانع المشروع الصهيوني منحدر من أفكار الرابي يهودا القلعي بالأساس ولكنه ظل هامشيا ولن يكون الالتقاء الحقيقي إلا مع فكر الربي أبراهام كوك كبير أحبار اليهود الاشكناز في فلسطين، والذي اعتبر أنه لا تنافي بين اليهودية والصهيونية وأن العلمانية هي اليد التي يستعملها في هذه اللحظة التاريخية تحقيقا لخلاص الشعب اليهودي معتبرا من ناحية دينية وفقهية أن الخلاص قد بدأ وهو ما يعكسه المفهوم المعروف في الأدبيات الدينية اليهودية بـ”اتخالتا دي غيئولا”.
وسيتطور هذا التيار وسينمو خصوصا بعد النكسة وظهور موجة التدين في إسرائيل المعروف باسم “حازارا بتشوفا” أو الصحوة الدينية والتوبة إلى إله إسرائيل، وستصل في النهاية إلى الإمساك بتلابيب القرار السياسي في الكيان المحتل ممثلة في المجرمين بتسليئيل سموتريتش وايتامار بن غفير.

لماذا يتم استعمال ذريعة معاداة السامية لإسكات أي صوت معارض ومنتقد للكيان الصهيوني؟
على إسرائيل أن تفهم أن تهمة معاداة السامية لم تعد تهمة مجدية ترفعها في وجه كل من ينتقد جرائمها النازية، فرط استعمال هذه التهمة أفرغها من كل مصداقية في نظر العالم وحولها إلى ابتزاز مفضوح بعد أن تحولت ممارسات إسرائيل إلى نازية جديدة وهذا وجه آخر من أوجه مأزق الاحتلال.
تعيين أهارون باراك الناجي من المحرقة لتمثيل إسرائيل في “العدل الدولية” ضد دعوى “الإبادة” ابتزاز رخيص للمجتمع الدولي وللمحكمة الدولية.
هناك شي اسمه المحرقة الفلسطينية والهولوكوست الفلسطيني نازي جديد هو الصهيونية ممثلة في دولة الإجرام إسرائيل، وإنه لأمر معيب ومخز أن يدافع ناج من المحرقة عن ارتكاب محرقة ضد الفلسطينيين وأن يتحول الضحية إلى جلاد.
هذه المعادلة تعكس حجم الانحدار الأخلاقي والقيمي للصهيونية ولإسرائيل، وقيام دولة جنوب إفريقيا بالدعوى أفقد إسرائيل أي قدرة على استثمار هذه الذريعة للتباكي وهي التي كانت شريكة نظام الفصل العنصري لعقود طويلة.
وعلى العرب أن يكونوا حذرين فليس لهم أن ينكروا المحرقة النازية والجرائم الهتلرية التي أصابت اليهود وغيرهم من الشعوب لأن الإقرار بالمحرقة النازية هو الأساس في مشروعية المطالبة بتجريم النازية الصهيونية والهولوكوست الفلسطيني الذي حول إبادة الفلسطينيين إلى مجرد مسألة تقنية مفصولة عن كل بعد أخلاقي وهذا هو جوهر النازية في كل مكان وهو ما وضحه الفيلسوف الإسرائيلي يهوشواع ليبوفيتش بصد إدانة إسرائيل دولته.

كيف تتوقعون تأثيرات “طوفان الأقصى” في غضون السنوات القليلة القادمة على العقل الجمعي اليهودي، خاصة في ظل التداعيات الأمنية والاجتماعية والسياسية التي ألقت بظلالها على الداخل الإسرائيلي؟
طوفان الأقصى كشف نقاط ضعف الاحتلال الداخلية والخارجية وهو جرح في ذاكرة الصهاينة لن يندمل مطلقا، فالحرب بينت الهشاشة العسكرية لهذا الكيان الذي قدم نفسه على أنه الملاذ الآمن ليهود العالم، وأنه بمثابة قلعة ماسادا الجديدة التي لن تهزم ولكن تبين أنها أوهن من بيت العنكبوت رغم كل القوة العسكرية كما بينت هشاشة الوضع الداخلي الاقتصادي والنفسي وعدم قدرة هذا الكيان الفاقد للعمق الاستراتيجي والقوة العددية على تحمل الحرب الطويلة وانجراره إلى إطالتها أدخله بحكم المجازر التي ارتكبها للمثول أمام الضمير العالمي ممثلا في محكمة العدل الدولية، وهذه سابقة خطيرة جدا ولن ينفع معها استمراره في التباكي بماضيه مع ألمانيا النازية ومحاولة الظهور بمظهر الضحية بينما هو يقدم إليها باعتباره متهما بجرائم الإبادة التي لم تعرف البشرية مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية.

ما قدرة ما يسمى اللوبي الصهيوني سواء في أمريكا والغرب عامة؟
نظام اللوبيات هو نظام قانوني في الولايات المتحدة ومسموح به ويمكن لأي جماعة ضغط أن تنشئ اللوبي الذي يدافع عن مصالحها وفق القوانين الأمريكية، واللوبي اليهودي هو جزء من هذا النظام ولكنه أقواها لأسباب تاريخية كثيرة ومعقدة، ويخترق المجتمع الأمريكي في الإعلام والسياسة والجامعات والاقتصاد وكل مناحي الحياة، ولا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يتجاهل سطوته، فهو من يمول الحملات الانتخابية.
وهو يضع في مسار أي سياسي أمريكي محطات كثيرة يمكن من خلال قياس درجة التزامه بمصالح إسرائيل وهو أمر صرح به أكثر من رئيس أمريكي بعد خروجه من الحياة السياسية.
وتعتبر منظمة الأيباك أو منظمة المنظمات الصهيونية الأمريكية هي المفتاح للوصول إلى البيت الأبيض وهمزة الوصل بين إسرائيل وأمريكا وقد تحدث ستيفن غرين في كتاب شهير عن العلاقات السرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الصدد فليرجع إليه.

في أي مرحلة باعتقادك نحن الآن من مشروع إقامة ما يسمى بـ”إسرائيل الكبرى”؟
المشروع الصهيوني لم يكتمل وهناك تياران داخل الصهيونية الأول يسمي نفسه بتيار ما بعد الصهيونية وهو يرى أن الصهيونية كان هدفها الأساسي هو تأسيس دولة لليهود ولتحقيق هذا الهدف انتهى المشروع الصهيوني واكتمل ولم تعد إسرائيل تحشى أي تهديد وجود لها وبالتالي يمكن التفكير في إيجاد حل للقضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين في حين هناك تيار ثان يسمي نفسه الصهيونية الجديدة وهو بعكس الأول يرى أن هذا المشروع لم يكتمل إلا بتحقيق الأهداف الأربعة وهي أرض إسرائيل الكاملة والقدس موحدة ويهودية وأبدية وهدم المسجد الأقصى وطرد الفلسطينيين لتكون دولة يهودية خالصة.
وفي اعتقادي فإننا في زمن هذه الصهيونية الجديدة وما يجري في غزة هو استمرار لهذه الصهيونية التي لا تزال تعتقد أن مشروعها لم يكتمل ما دام هناك فلسطيني يقاوم هذا المشروع والحل في مطاردته وإبادته.

هل اكتمال مشروع إقامة “دولة إسرائيل” على الأرض التاريخية مقترن بهدم المسجد الأقصى؟
نعم، كررت ذلك دوما وقلت إن الحركة الصهيونية ستعمل وهي تعمل ليل نهار على هدم المسجد الأقصى وليس هناك من هدف للصهيونية الدينية والحردلية إلا تحقيق ذلك، ويكفي النظر في عدد الحركات التي تعمل على هدمه والتحضير لذلك وانتظار علامات تحققه من الوجهة الدينية حتى نفهم أن الأمر خطير فعلا ويستدعي الوقوف في وجهه بكل قوة فالقدس ليست مسألة فلسطينية بل هي مسألة عربية وإسلامية، ورأيي أن العرب غافلون عن هذا الأمر ويعتبرون هدمه مزحة وهو ليس كذلك وما لم يتحركوا عمليا فسيهدم، فجزء من الشرائع اليهودية والعقائد اليهودية مرتبط به.
هل يمكن التسليم بالقراءات أن دولة الاحتلال إلى زوال، وكيف يمكن حدوث هذا؟
لست منجما ولكن المتابعة المتأنية للشأن الإسرائيلي تدل أن هذا الكيان سيستمر لفترة طويلة فبقاؤه مرتبط في رأيي بعوامل قوته الذاتية، ولكن أيضا بالعوامل الجيوستراتيجية والقوى الدولية التي صنعته وحمته وتمده بأسباب البقاء.
يجب على العرب والفلسطينيين التوحد وبناء عوامل القوة الذاتية وانتظار تغير الموازين الدولية حتى نرى إمكانية زوال هذا الاحتلال أو على الأقل ظهور قيادات فيه تفهم أن جابوتنسكي والربي كوك لن يقدما الحل لليهود وأن حلا على النمط الجنوب إفريقي قد يكون هو الأسلم لهم بمعنى القبول بالعيش في دولة واحدة وديمقراطية وعلمانية يتساوى فيها الجميع وليست دولة يهودية وديموقراطية كما يروجون لأنه لن تكون إلا يهودية مع العرب وديمقراطية مع اليهود، وهذا لن يقبل به الفلسطينيون مطلقا وهو يصنفها ضمن أنظمة الابارتهايد داخليا والاحتلال خارجيا وهذا هو مأزقها الحالي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!