الجزائر
بلدية بيضاء برج تحصي 24 حالة

ظاهرة انتحار الأطفال تجتاح مناطق الظل بسطيف

سمير مخربش
  • 1338
  • 10
ح.م

شهدت بلدية بيضاء برج بولاية سطيف منذ يومين حالة انتحار جديدة لطفلة لم تتجاوز سن الرابعة عشرة، وقبلها بحوالي شهر أقدمت طفلة في نفس السن على ذات الفعل بنفس البلدية التي اشتهرت بالانتحار بالحبل والخمار في ظاهرة حصدت منذ بداية السنة 24 حالة انتحار وسط الصغار بالخصوص والكبار.

الطفلة المنتحرة من عائلة فقيرة بمنطقة اولاد زيد ببيضاء برج التي حاصرها البؤس والشقاء من كل جانب، وهي نفس الظروف التي أحاطت بالبنت التي انتحرت منذ حوالي شهر. والملاحظ أن الانتحار في السابق كان يقتصر على الكبار في السن من أرباب العائلات والمُعيلين الذين لا يجدون ما يطعمون به أبناءهم فينتابهم الاكتئاب الذي يُعبد لهم طريق الانسحاب من الحياة، لأنهم يرون في نسيانهم راحة وفي اختفائهم حد لتبعات لم يقدروا عليها. واليوم بوصلة الانتحار تتجه نحو الأطفال في ظاهرة تحتاج الى تمعن الى هذه الفئة التي ركبت موجة اليأس قبل الأوان وحملت نفسها ما لا تطيق وأنهت المشوار في بدايته.

يحدث هذا في بلدية تصنف من أفقر البلديات بولاية سطيف توجد بها أكثر 40 ألف نسمة، وهي من أكبر البلديات مساحة بها العديد من المشاتي والمجمعات السكانية منها مجمع زراية الذي يعادل لوحده بلدية مستقلة بذاتها. أغلبية السكان هنا يعانون من القهر الاجتماعي ومنهم من نزل تحت الخط الأحمر من الفقر ومنهم من لم يعد له خط يحده، ولا يعرف من هذه الدنيا سوى الحجر والشجر والشمس التي تغطي السكنات المبنية بصخر البؤس وصفائح الشقاء. والطفل هنا لا يجد ما يلهيه سوى الانزواء وتعاطي الملل بجرعات متتالية كتلك التي يتعاطاها أصحاب الأمراض المزمنة فلا تعرف لها نهاية ولا أجل، وأيامهم قاحلة متشابهة لا فرق بين أمسهم ويومهم وأم الغد في نظرهم فهو أسوء بكثير.

ولذلك فإن الطفل يرى في الحبل محددا للأجل ومسكِّنا للألم، والبنت تفضل الخمار لخنق عنق اليأس قبل أن يكبر ورمه ويجتاح أنحاء أخرى من الجسم. والمؤكد في بيضاء برج أن البيئة لها ضلع لأن المنتحرين يتقاسمون ذات المكان ونفس الظروف التي نُسجت بخيط البؤس الذي ينمو ليتحول الى حبل مشنقة أو ستار ينزل معلنا نهاية العرض.

وحسب السيد عبد العزيز بن قصير المختص في علم النفس التربوي بجامعة سطيف فإن الحصيلة ثقيلة وهي مرتبطة بضغوطات نفسية ناجمة عن مشاكل عائلية بالدرجة الأولى، وهي نتيجة للتفكك الأسري وإهمال الوالدين لدورهم اتجاه أبنائهم وعدم مراقبتهم في المنزل والشارع، كما تعود الظاهرة الى غياب المدرسة التي تخلت عن دورها التربوي والمتابعة النفسية للطفل، من جهة أخرى الموقع الجغرافي له دور في انتشار الانتحار في بيضاء برج فهذه البلدية الفقيرة تقع بمنطقة نائية لا تتوفر على العديد من المرافق، وهي معروفة بالعزلة وانتشار البطالة وسط الشباب لذلك يحاول البعض الهروب من الواقع المر بالإقدام على الانتحار.

وحسب بعض السكان من الذين تحدثنا إليهم، فإن الفراغ هو المتهم الرئيسي في عملية القتل المنظم للمراهقين والأطفال الذين لا يجدون ما يلهيهم ويشغل بالهم خاصة في المشاتي المترامية الأطراف، والتي نشأت خصيصا لصناعة اليأس وتطوير مستخلص القنوط لاستغلالهما في نسيج الكفن الذي يوشك أن يوزع على كل بيت. ولهؤلاء نظامهم مع الانتحار فالحبل للذكور والخمار للإناث وعلى كل فئة أن تلتزم بالأداة حتى وإن كان المصير واحد، فلا تسألهم عن الأسباب واسأل لمن الدور الآن لأن في كل بيت حبل جاهز لأداء المهمة وكذلك الخمار.

مقالات ذات صلة