-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عادات الضيافة وإكرام الضيف.. طقوس تدخل ضمن أسباب انقطاع صلة الرحم

نسيبة علال
  • 1340
  • 0
عادات الضيافة وإكرام الضيف.. طقوس تدخل ضمن أسباب انقطاع صلة الرحم

إكرام الضيف، سلوك تمجده الثقافات والأديان، ويعكس طيبة أهل البيت وجودهم وإيثارهم، وينم عن خلق حميد.. غير أن طقوسه تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن بيت إلى آخر، بحسب الأعراف والتقاليد والإمكانيات المادية. هذا الاختلاف، بات يخلق فجوات اجتماعية، بسبب سوء التقدير والحساسيات.

“الضيف ضيف.. ولو قعد شتا وصيف”

مقولة جزائرية، من التراث الشعبي المتوارث، مفادها، أن الضيف يظل ضيفا، يستحق الإكرام والاهتمام، حتى لو استمرت زيارته على مدار السنة. ولكنها، في الواقع، قلما باتت تطبق. فالضيافة، لدى العرب القدامى، كانت ثلاثة أيام، لا تزيد. وإن مكث الزائر أكثر من ذلك، فإنه يأكل من مأكل أهل البيت، ولا تعطل مصالحهم لضيافته. وهو ما أصبح اليوم، يعرف بقانون الضيافة. ويزيد أن الزائر يجب أن يتصل مسبقا، ويعلم مضيفه بقدومه، وبعدد مرافقيه، وموعد وصوله. أما عند بعض العائلات هنا، فيتوقف مدى إكرام الضيف على مقدار ما يحضره من مشتريات.

تقول السيدة حورية، 68 سنة، من مدينة البليدة: “في ما مضى، كانت الحياة بسيطة، والإمكانيات محدودة جدا، لدى الكثير من العائلات.. لكن، يستحيل أن تدخل بيتا ولا تجد في خزانته فراشا ممتازا للضيوف، ومناشف، وفي الثلاجة حق الضيف، الذي قد يأتي على حين غفلة. أما البيت الذي لا يدخله ضيوف، فليس فيه بركة..”.

أما ابنتها، السيدة نرجس، فلها رأي مخالف، رغم أنها تربت في منزل يعج بالزوار: “في زمننا، الكل مشغول بحياته الخاصة، والضيافة أصبحت ثقيلة، وتشوبها الكثير من الحساسيات..”. تضيف بفخر: “أنا شخصيا، أفضل عدم زيارة أحد دون سبب وجيه، فرح أو قرح. وغالبا، لا أذهب دون دعوة أو اتصال مسبق مني، حتى إلى المقربين. فالبعض، لا يعجبه توقيت الزيارة، وآخرون لا تعجبهم الهدايا، والأغلبية لا يرحبون بأطفالي، ويتأففون من حركتهم.. حتى نكون صرحاء: أصبح أكثرنا من هذا النوع”.

سوء الأحوال الاجتماعية يمنعهم من إكرام الضيف وزوار لا يتفهمون..

تقول سيدة إنها تزوجت رجلا من الشرق الجزائري، حيث عادات الضيافة تدخل ضمن المقدسات، وحدث أن زارتهم أخت زوجها مع حماتها وأفراد من عائلتها.. تقول السيدة: “فحضرت سينية من أشهى الحلويات التي حفظتها من العيد، ووضعت بعض المخبوزات الساخنة، التي كنت أعدها حينها. وكان هذا ما توفر في بيتنا. لاحظت الامتعاض على وجوه الزوار، وتلقيت مكالمة من أخت زوجي، بعد مغادرتهم، تلومني على تقصيري، وتوبخني على أنني سوّدت وجهها. فقد كان علي دعوتهم إلى تناول العشاء، مع أنها تعرف أن الأمر مكلف، وأحوالنا المادية سيئة لا تسمح”. يقول الخبير الاجتماعي، الأستاذ لزهر زين الدين: “من أسباب انقطاع صلة الرحم، وتصدع العلاقات الاجتماعية، سوء تقدير إكرام الضيف، الذي يفهم بطريقة خاطئة لدى الجزائريين.. فقد يعتقد أحدهم أن مضيفه لم يقم بواجبه إهانةً له، وتقليلا من شأنه، وليس لعدم قدرته، خاصة في ظل الغلاء الفاحش. فالناس اختلفت طباعها عن السابق، حيث كانت الضيافة للاطمئنان على الغير والفضفضة. أما اليوم، فهي للأكل والاستعراض”.

للضيافة مواقيت وشروط!

بساطة الضيافة التي نشأ عليها المجتمع الجزائري في السابق، خلفت بعض العادات، مثل الزيارات في وقت القيلولة، الزيارة من دون سبب وبلا سابق إخطار، والحضور دون إكرامية، والكثير من العادات الأخرى، التي تم توارثها بنية طيبة، الهدف منها الحفاظ على صلة القرابة والصداقة والجيرة، وتقاسم الهموم والأفراح في وقتها، دون حواجز، ودون خلفيات.. كلها مظاهر تؤول إلى الزوال تدريجيا. فالناس أصبحوا أكثر تحفظا على خصوصياتهم، يهمهم أن يقضوا وقت فراغهم في الراحة، والتفرغ لنشاطات مفيدة. وانتشرت عقلية الماديات أكثر. فلا يحب أحدهم أن يكرم ضيفه دون مقابل، حتى وإن كان هذا ضمن أكثر الأفعال المحببة في الإسلام، إلا نادرا. وكثيرا، ما باتت تصلنا تصرفات هجينة، كأن يرفض الناس استقبال ضيوفهم في وقت القيلولة، أو في مرحلة امتحانات الأطفال، أو في وقت الطعام، متناسين فضل وبركة الضيافة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!