عارٌ يا نوابَ “بني وي وي”
إلى غاية أول أمس، كان هناك بصيصُ أمل في أن تثوب السلطة إلى رشدها وتخفض الزيادات التي قررتها في أسعار الوقود والكهرباء ومختلف الرسوم والضرائب، وتلغي المادتين 66 و71 من مشروع قانون المالية، أو أن يُقدِم نواب الأغلبية المصطَنعة على ذلك، من باب الانحياز إلى الشعب ولو مرة واحدة في عهدتهم، لكن الطرفين فوّتا على البلد فرصة تجنّب توترات اجتماعية تبدو قادمة في عام 2016.
والمحيّر أن السلطة تدرك أن الزيادات التي يحملها قانون المالية الجديد، ستجرّ بدورها زياداتٍ أخرى في أسعار النقل ومختلف المواد الفلاحية والاستهلاكية، وسيثقل ذلك كاهل ملايين المواطنين، وقد يؤلّب عليها الجبهة الاجتماعية المحتقنة أصلاً، ومع ذلك فرضت هذه الزيادات ببرود، رغم أنها كانت قادرة على تخفيضها واتّباع سياسة التدرّج في رفعها مستقبلاً.
الأمر نفسه ينطبق على المادة 66 التي تفتح المجال واسعا لذوي المال المشبوه لشراء الشركات العمومية دون تحديدٍ أو خطوط حمراء، ما يعني إمكانية فتح رأسمال شركات كبيرة للخواص، وفي هذا تراجعٌ عن التأميم وقاعدة 51 بالمائة، وعودة إلى فترة ما قبل 1971، والتراجع عن “الدولة الاجتماعية” التي جاء بها بيانُ أول نوفمبر وحافظت عليها السلطة طيلة 53 سنة. اليوم تغيّر الوضع وأصبحت المؤسسات التي توصف بـ”مفخرة البلاد” عرضة للبيع لأصحاب المال، وأضحت الجزائر تسير نحو الرأسمالية المتوحِّشة دون أي اكتراث بعواقب ذلك على الجبهة الاجتماعية، تُرى ما الذي أصاب الحكومة حتى أصبحت مجرد أداة في أيدي رجال المال الذين تغوّلوا بشكل غير مسبوق في بضع سنوات؟ وما الذي أصاب نواب جبهة التحرير، أو أغلبهم، حتى يوافقوا على بيع مؤسسات البلاد لذوي المال وعلى إفقار الجزائريين؟ ألا يزعم هؤلاء أنهم منتخبون شعبيا ولا صحّة لما يقال عن تزوير الانتخابات لصالحهم؟
لقد تظاهر الكثيرُ منهم بوقوفهم مع الشعب خلال عرض مشروع قانون المالية للنقاش، خلافاً لنواب “الأرندي” الذين كانوا صريحين منذ البداية، ولكن بمجرّد عرضه للتصويت، وافق عليه أغلبُهم، حتى المادة 71 التي تمنح وزير الأوليغارشيا صلاحية السطو على الميزانيات القطاعية وتحويلها كما يشاء دون العودة إلى النواب، وافقوا عليها، وكأنهم يستلذّون جلد الذات.
كان بإمكان نواب جبهة التحرير الوقوف على الأقلّ ضد تمرير مادتين أو ثلاث، لكن أغلبهم فضّل الخنوع المطلق للحكومة على حساب الشعب حفاظاً على مصالحه وطمعاً في عهدة ثانية تضمن له تقاعداً مريحاً، لقد فوّت نواب “بني وي وي”، باستثناء أقليةٍ منهم، فرصة إنقاذ البلاد من أزمة اجتماعية خطيرة في ظل الغلاء المنتظر لمجمل الأسعار في عام 2016، فضلاً عن إنقاذ مؤسَّساتها العمومية من أنياب رجال المال المشبوهين.
جبهة التحرير التي قادت الشعب إلى تحرير الجزائر بثورةٍ تاريخية، تتحوّل الآن إلى مجرد جاريةٍ للسلطة ولرجال المال، ودفاعاً عن هؤلاء، يقوم بعضُ نوابها ونائباتها بضرب نواب المعارضة.. لو عاد بن بولعيد وعميروش وبن مهيدي وغيرُهم من قادة الثورة الكبار الذين فجّروها باسم جبهة التحرير لما تردّدوا لحظة في لعنها ودعوة الجزائريين إلى التبرّؤ منها ومن نواب “بني وي وي” الذين قبلوا بوضع البلاد على كفّ عفريت بموافقتهم على إفقار الجزائريين وبيع البلد لرجال المال المشبوهين، وقد كان بوسعهم الرفض ولو أدى ذلك إلى عدم ترشيحهم لعهدةٍ برلمانية ثانية بعد عامين من الآن.