الرأي

عالم معطل يراوح في شعاب “نهاية التاريخ”

حبيب راشدين
  • 1093
  • 5
أرشيف

ليس الجزائريون وحدهم من يعاني من حالة الانسداد والعَطل في أكثر من أفق: سياسي، اقتصادي، فكري وثقافي… وقد توقفت ساعة الزمن عند استشراف اللحظة التي يصدر فيها بيانٌ عن الرئاسة يعلن نزول الرئيس ـ وهو مضطرّـ عند رغبة كبار وصغار القادة والمناضلين في الجبهة والتجمع وما جاورهما من لفيف حلف الرئيس، وكأنه ليس من حقّ الرئيس الذي ودَّع بالأمس منافسه على خلافة الراحل بومدين، المرحوم العقيد يحياوي، تحضيرُ النفس، وككل من تجاوز العقد الثامن، لاستحقاق أهمّ وأخطر من ولاية بلد يدار في كل الأحوال بلا رئيس.
كما أن العرب ليسوا وحدهم من توقف بهم الزمن عند استشراف اللحظة التي يصدر فيها بيانٌ عن البيت الأبيض بنسخة معدلة لـ”صفقة القرن” تضع عن قادتهم أوزار رعاية أولى القبلتين وثالث الحرمين، وكأن ترامب ليس له من همٍّ سوى ترضية الجيل الصاعد من أمراء الخليج، وهو الغارق في الوحل في أكثر من جبهة قتال في الداخل والخارج، يعالج تفاصيلها ساعة بساعة بتغريدات تويتر، باتت تُنظم بلا شريك نبض أسواق النفط والخامات والأسهم والعملات صعودا وهبوطا حسب مزاجه اليومي.
حتى أوروبا العجوز، مهد الثورة الفرنسية وحضارة وحش الليفياتون الليبرالي، والتي صدَّعت رؤوسنا بأساطير حقوق الإنسان وإجارة المطارَدين والمغضوب عليهم في “أرخبيل الغولاغ” ليس لها اليوم من همٍّ سوى تدبير حماية حدودها من موجة المهاجرين، بالترحيل القسري، أو الحجز خارج القانون في معتقلات إدارية هي أقرب لمعتقلات الحقبة الهتليرية، أو تتضرع لـ”إله” البحر الأسطوري “بوسيدون” لإغراق بواخر الموت، وقد باتت تقتل اليوم أكثر من “داعش” وحروب النيتو العبثية.
العالم كما نرصده بجمع وتفكيك وإعادة تركيب جمل اللغو بتقنيات “الأجيت بروب” التي تتكفل بها اليوم منظومة الإعلام المهيمن، هو عالم معطل في كبرى الدول وصغارها، غنيها وفقيرها، يبدو وكأنه يعيش لحظات “نهاية التاريخ” حيث يجب ـ كما زعم فوكو ياماـ أن يتوقف الجميع عن الاجتهاد وتجديد الأفكار في السياسة والاقتصاد عند حدود ما أسس للعلاقات بين البشر في عبارة “دعه يمرّ دعه يعمل”.
الحصيلة أننا اليوم في الخُمس الأول من القرن الـ21 أفقر حالا من القرن الماضي والقرن الذي قبله، في السياسة وتدبير الشأن العام، كما في حقول الفكر والأدب والعلوم، وقد يترحَّم بعضُهم على زمن تشرشل، وروزفيلت، وستالين، وزمن نيهرو، ونيكروما، وكاسترو وعبد الناصر، ولن يصل إلى لجنة نوبل روائيٌّ آخر بقامة مراكيز، وغوركي، وحتى أمثال أورويل وجاك لندن، ولن يجتمع لها في علوم الفيزياء مجموعة كتلك التي تحلقت القرن الماضي خلف اينشتاين، وبلانك وبور، وقس على ذلك في الطب والبيولوجيا، وباتت تفتش في قمامة الجامعات بحثا عن مرشحين لنوبل الاقتصاد من بين المبتدِعة لتقنيات سرقات الدول والشعوب باتقان.
ومع أن العالم يدين اليوم في أغلبيته بدين الليبرالية كـ”خيار لا رجعة فيه” ويقيم طقوس الديموقراطية في مسارات مكلفة محكومة بتزوير قبْلي أو بعدي، ويعادل اليوم عدد الجامعات في بلد متوسط مجموع الجامعات زمن اينشتاين، فإن الانتاج الفكري والعلمي إنما يعيش عالة على المبدعين في القرنين التاسع عشر وأواسط القرن العشرين، كما نقتات جميعا في الفكر والثقافة والآداب والفنون على إرث السلف المبدع والسابقين والتابعين لهم بإحسان.

مقالات ذات صلة