عبد الباري عطوان حصريا للشروق:شتمت في مصر لأنني رفضت الإساءة لشهداء الجزائر
يتعرّض الإعلامي العربي الكبير رئيس تحرير جريدة “القدس العربي”، عبدالباري عطوان، منذ أسبوع، لحملة شعواء من اللوبي الصهيوني، للأسف، حققت الكثير من أهدافها، وأهمها عرقلته من الظهور في الفضائيات الإنجليزية والأمريكية الكبيرة.
-
لكن ما حزّ في نفس الإعلامي الفلسطيني، أن الصحافة العربية لم تقف إلى جانبه، فبينما صارت تخصّص له الصحيفة الإنجليزية اليهودية الأولى في بريطانيا “ذا جويش كرونيكل” the jewich cronicle صفحة هجوم كاملة، لم يلق عبد الباري عطوان أية مساندة من رفقاء مهنة المتاعب ولا مكالمة هاتفية من المكلف بالإعلام من السفارات العربية الكثيرة بلندن.. ولأول مرة، ورغم محاولته إخفاء ألمه، إلا أننا أحسسنا أن في قلبه غصّة وأيّ غصّة..
-
الشروق اليومي اتصلت بالإعلامي الكبير الذي فاجأنا بقوله إنه لا يستغرب أن يكون المتّصل في وحدته بلندن وسط فريق عمله بالقدس العربي من الجزائر ومن صحيفة الشروق اليومي، التي قال إنها شرّفت الصحافة الورقية برقم سحبها في زمن تراجعت فيه الصحافة الورقية.
-
-
وجّهت انتقادا لاذعا للإعلام العربي ووصفته بالسلبي جراء ما عانيته في المدة الأخيرة من حملة من اللوبي الصهيوني، رغم أن الحملة ليست جديدة؟
-
صحيح أنني أتعرض منذ فترة طويلة لحملة عدائية من اللوبي الصهيوني الذي كثف من مطاردة ظهوري في الفضائيات الإنجليزية والأمريكية الناطقة بالإنجليزية مثل الـ”بي.بي.سي” و”سكاي نيوز”، إلى درجة أن الملحق الإعلامي الإسرائيلي في لندن، ويدعى “بن دور”، قال في مقابلة له مع صحيفة “ذا جويش كرونيكل”، ومعناها بالعربية الوقائع اليهودية، إن أكبر إنجاز حققه منذ مباشرة خدمته الدولة العبرية في لندن، هو تقليصه لحجم ظهور عبد الباري عطوان في الفضائيات الإنجليزية، كما أجبر القنوات الكبرى على أن لا تستعمل في حواراتها معي عبارة خبير في الشؤون السياسية.. وتمكّن اللوبي الصهيوني من إرسال عاصفة من آلاف الإمايلات بعد كل ظهور لي في أي قناة بوصفي بمؤيد الإرهاب لأنني مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية.
-
-
هل تمكنت الحملة الصهيونية من تحقيق أهدافها؟
-
هي نجحت في غياب الطرف الآخر، ففي كندا دُعيت لإلقاء محاضرة في تورنتو وتفاجأت بمظاهرة تطالب بمنعي من إلقاء محاضرتي، ورغم أنها لم تنجح إلا أنني عرفت أنني مستهدف في كل مكان. فقبل أسبوعين دُعيت لإلقاء محاضرة في جامعة العلوم السياسية في لندن وهي أشهر كلية في المملكة تهتم بالسياسة والاقتصاد وحاولوا منعي بكل الطرق ولحسن الحظ لم ينجحوا.
-
-
لكن هذه السلوكيات الصهيونية ليست جديدة وحتى الصمت العربي فما الذي جعلك تقول إن الإعلام العربي لم يقف إلى جانبك؟
-
الاستفزازات والحرب الصهيونية أخذت الآن أبعادا أخطر.. هم يتهموني بمعاداة السامية وتأييد الإرهاب ويطالبونني بإدانة مقاومة حماس وحزب الله.. ما يؤلمني أن الصحف الخليجية والمصرية لم تكتب عني ولو خبر صغير من باب مهني أو حق المواطن في معرفة ما أعانيه بصفتي مواطنا عربيا مسلما أعيش في المهجر.. حتى الصحف التي يقال إنها عريقة ومحترمة، صار يهمها خلاف لاعب كرة مع لاعب آخر أو غيرة راقصة بأخرى ولا يهمهم الإرهاب المنظم الذي يتعرض له زميل لهم في المهنة، لأنه دافع عن وطنه وعقيدته.. أظنني كنت دائما مهنيا حاربت الفساد وعارضت الحرب الأولى والثانية على العراق.. يا أخي على الأقل من باب الزمالة في عالم الإعلام كلمة في بحر أخبار الرقص والميوع.
-
-
ولكنهم هم أيضا يتّهمونك بمعاداتهم وعدم الوقوف إلى جانبهم في محنهم؟
-
أنا لا يمكنني أن أذكر لك أسماء لأنها كثيرة جدا لصحافيين كبار كلما علمت بأنهم تعرّضوا للمنع عن الكتابة أفتح لهم صحيفة القدس العربي، وكل زميل يتعرض لمحنة مع أيّ جهة كانت أكتب عنه، ومدير عام الشروق اليومي في محنته بالمملكة المتحدة وقفنا إلى جانبه بأقلامنا هذا واجب وليس منًّا.. هم أصلا لا يتعرضون للمحن لأنهم يطبّلون فقط.. بل دعني أقول لك إنهم لا يكتفون بتجاهلي بل يحاولون ضربي بكل الوسائل.
-
-
مثلا؟
-
هل تعلم يا أستاذ أني كتبت مؤلفات كثيرة اختلفت فيها مع أباطرة النفط في العالم العربي فتم منعي من معارض كبرى.. تصور أن كتبا عديدة من تأليفي تم التطرق لها بالتحليل والنقد والعرض في كبريات الصحف العالمية ومُنعت من المعارض العربية مثل كتابي “التاريخ السري للقاعدة” و”رحلة لاجئ فلسطيني”.. صحيح أنا مازلت أشتغل ولن أتوقف عن دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، مهما كانت الظروف، لكني في الفترة الأخيرة صرت متأكدا أن بعض الدول العربية تعادي من يعادي إسرائيل، ألمي في المدة الأخيرة تضاعف بشكل كبير.
-
دعني “أحكيلك” ما حدث في الآونة الأخيرة.. في عدد الجمعة قبل الماضية وضعت صحيفة the jewich cronicle في الصفحة الأولى صورتي مكبرة وقالت إنني أكبر داعمي الإرهاب في الإعلام العالمي، وعادت في عدد الجمعة الماضي لتخصيص مقالات أخرى بغية التأثير على الرأي العام البريطاني والعالمي لمنع ظهوري إعلاميا، وتلك هي فرصتي الكبرى لدعم المقاومة، مع الإشارة إلى أن هذه الصحيفة هي لسان حال يهود العالم، وللأسف، لم أتلق أي مكالمة من ملحق إعلامي في أي سفارة عربية في لندن.. إذا كانوا اطّلعوا على الصحيفة ولم يتصلوا فتلك مصيبة ومأساة، أما إذا لم يطلعوا على ما يكتب الإسرائيليون في لندن فتلك طامة أكبر.. أنا أتساءل هنا ببراءة وعفوية، أليس لكل سفارة عربية ملحق إعلامي وما وظيفته؟ هل دوره متابعة آخر ابتكارات الموضة والطبخ، صراحة ما عدت أفهم شيئا.. مرت الآن عشرة أيام وأنا انتظر مكالمة واحدة من ممثل واحد للعرب في بريطانيا ليواسي جاره العربي المقهور.. لم أطلب أموالهم ولا سيوفهم أريد كلمة ولو فوق القلب، هل علمت الآن لماذا إسرائيل صارت محصّنة بسلبياتهم.
-
-
أنت لم تزر الجزائر منذ فترة طويلة؟
-
أنا، كما تعلم، عضو بالمجلس الوطني الفلسطيني وكانت لقاءاتنا دائما في الجزائر ناجحة تنظيميا، حيث كانت الجزائر ومازالت إلى جانب المقاومة ووحدة الصف الفلسطيني، وللأسف كانت آخر زيارة لي للجزائر عام 1991.. منذ تلك الفترة لم توجّه لي الدعوة وطبعا يسرّني العودة إلى الجزائر في أقرب الفرص.. ما يُثلج صدري أن القدس العربي مقروءة بشكل كبير في الجزائر وأسعد على تعليقات وتشجيعات تصلني باستمرار من مختلف المدن الجزائرية ومن مختلف الأطياف، أحس فيها بأنها من أهلي. لقد حاولنا في القدس العربي دائما أن نكون جسرا متينا بين المشرق والمغرب وكل الأقلام الجزائرية التي كتبت معنا كانت متميزة.
-
-
والشروق اليومي؟
-
أطلع عليها باستمرار.. أراها مهنية وتدافع عن قيم الأمة وتقف إلى جانب الحق.. هذه حقيقة، فخطها الافتتاحي هو سر نجاحها.. أما أن تسحب 800 ألف نسخة في عالم ماتت فيه الصحف الورقية فهذا شرف ليس للصحافة العربية فقط وإنما للصحافة الورقية العالمية.
-
-
خلال أزمة الجزائر مع مصر كان لك موقف متميز؟
-
أنا أولا عربي مسلم لا يمكنني أن أنحاز لبلد على حساب بلد آخر، لكني صُدمت وأنا أشاهد بعض القنوات المصرية نست قضايا الأمة المتشعبة والمعقدة ونسيت تخاذل الحكام وراحت تنبش في التاريخ وتسب شهداء الجزائر وتصب الزيت على النار، كان منظرا صادما جعلني أكتب افتتاحية معتدلة طلبت فيها من الإعلام المصري الابتعاد عن التحريض وعن الدعوة لقطع أواصر الأخوة بين شعبين، لأنه آخر ما بقي للأمة. وفي اليوم الموالي خصّني الصحافي عمرو أديب بحصة تلفزيونية تطاول فيها عليّ ووصفني بنعوت مؤسفة.. أنا أعود وأكرر أنني لم انحز إلى الجزائر وإنما للحق، أطلب دائما من الإعلام أن لا يمس الشعوب في كل البلاد بسوء فما بالك المساس بشعب جزائري كلنا نعلم أنه أعطى الكثير وشهداءه في كل مكان كما أعطت مصر أيضا الكثير وشهداءها في كل البلاد.. الحمد لله أن الفتنة صارت من الماضي.
-
-
شكرا أستاذ عطوان ونلتقي قريبا في الجزائر؟
-
صدقني أنا لم استغرب وقوف صحيفة الشروق اليومي الجزائرية إلى جانبي.. واتصالكم بي هو من نُبل الجزائريين.. شكرا لك.. شكرا للشروق اليومي.. شكرا للجزائر.
-
-
عبد الباري عطوان في سطور
-
من سائق سيارة البلدية إلى مرعب إسرائيل
- 0ولد عبد الباري عطوان في خيمة بدير البلح بفلسطين، ووجد نفسه قطعة ضائعة ضمن عائلة من عشرة أبناء يعول فيها الوالد هذا الكم من الأطفال، إضافة إلى الأخوال والخالات والجدين، ودرس في وكالة غوث اللاجئين إلى أن حصل على ليسانس في الآداب بكلية الصحافة بجامعة القاهرة، وحلم والده بأن يتقلد ابنه تدريس الإنجليزية ويفوز بعقد عمل في الخليج يكسب من خلاله الدولارات التي تنقذ هذه العائلة الفقيرة. ولكن الفتى عشق الإعلام فحصل على دبلوم ترجمة من الجامعة الأمريكية وماجستير في العلوم السياسية من جامعة لندن، ومع كل ذلك لم يجد عملا في مهنة المتاعب، فاشتغل عاملا في مصنع بالأردن ثم سائق سيارة تابعة للبلدية، وبعد أن أكمل ربع قرن في عاصمة الضباب، انفجر إعلاميا عبر جريدة القدس العربي التي أصبحت افتتاحياتها بقلم عبد الباري عطوان أشبه بالقنابل، فيتم نقلها حرفيا وترجمتها إلى مختلف اللغات، وأصبح أحد أهم نجوم الفضائيات العالمية الذي إذا مرّ لا يتردد في قصف أي نظام مهما كانت العواقب، وحصل على عقود مغرية من كبريات القنوات العالمية ليشتغل كمحلل سياسي وخبير في الشؤون العالمية، وهذه القنوات هي CNN وBBC وABL وSKY وNEWS.. إلى أن تدخل اللوبي الصهيوني في العشرة أيام الأخيرة وركز في حربه على نسف آثار الإعلامي عبد الباري عطوان وأصبحت تحاليله السياسية مثل الشرارة التي تترك الحرائق في الفضائيات العالمية، وهذا ما جعل الإسرائيلي نتانياهو في زمن ماض يرفض مناظرة مع عبد الباري عطوان، حيث اشترط في الأول أن يكون هو أول المتحدثين ثم اشترط أن يكون الأخير، وبعد ذلك رفض بعد أن اقتنع وأقنعوه أنه سيخسر بالضربة القاضية في منازلة غير متكافئة طرفها الثاني يدعى عبد الباري عطوان!
-
يعيش رئيس تحرير القدس في لندن ومن حواليه تهديدات بالقتل تصله من عدة مخابرات عربية وصهيونية، مع زوجة وثلاثة أبناء أكبرهم خالد في الـ25 من عمره، وندى 22 سنة وطفل ثالث في التاسعة من عمره. وبرغم الظهور المتكرر لنجم الإعلام، إلا أنه لم يشاهد نفسه ولو مرة واحدة عبر التلفزيون.