-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من رجالات نوفمبر.. أمحمد يزيد

عبقرية سياسية إعلامية.. في خدمة قضية عادلة

محمد عباس
  • 5552
  • 5
عبقرية سياسية إعلامية.. في خدمة قضية عادلة

قبل سبع سنوات، وبالضبط في 30 أكتوبر 2003 عشية الاحتفال بعيد الثورة، ودعت الجزائر ظاهرة في السياسة والاتصال تدعى امحمد يزيد.. هذه الظاهرة التي خدمت الحركة الوطنية وثورة التحرير بتفان وفعالية مشهودة، من باندونغ إلى نيويورك مرورا بباريس .. ويكفي دلالة على أهمية الظاهرة قول الفقيد عن نفسه: “اعطوني مكتبا وهاتفا وفاكسا.. وسأبرهن لكم كيف أستطيع تدمير دعاية الخصوم خلال 15 يوما”!

  • تمرد .. على العائلة
  • ولد امحمد يزيد بالبليدة في 8 أبريل 1923، وسط عائلة متعاونة مع إدارة الاحتلال، بل مع الجيش الفرنسي؛ بدليل أن والده وشقيقه كانا ضابطين فيه.
  • وكانت دراسته ما قبل الجامعة كلها بمسقط رأسه، وقد ختمها في غضون الحرب العالمية الثانية بالحصول على شهادة البكالوريا من “الكولاج كولونيال” – ثانوية ابن رشد بعد الاستقلال.
  • وبدل أن يحذو حذو العائلة ويتقولب في هذا “الكولاج” على مذهب إدارة الاحتلال، اختار طريقا معاكسا تماما: طريق الوطنية الثورية ممثلة آنذاك في “حزب الشعب الجزائري”.
  • كان ذلك بعد أن وجد تلميذ “الكولاج كولونيال” نفسه وسط “خلية وطنية”، تضم عناصر ما لبثت أن تألقت في سماء الوطنية والثورة أمثال: الدكتور محمد الأمين الدباغين – التلميذ اللامع بالكولاج – وبن يوسف بن خدة وسعد دحلب ورمضان عبان… إلخ.. ويخبرنا امحمد يزيد نفسه أن الفضل في ظهور هذه الخلية الرائدة يعود إلى مناضل بسيط في حزب الشعب، كان ينصب أمام “الكولاج” لبيع الحلوى والكاكاو للتلاميذ.
  • كان كبير الخلية الأمين الدباغين قد التحق بحزب الشعب. بل أصبح قياديا بارزا فيه، فاتحا بذلك طريق الانخراط أمام رفاقه تباعا.. ولم يشذ يزيد عن القاعدة، فالتحق بدوره سنة 1942. وقد كانت البليدة آنذاك منطلقا لحملة قوية ضد التجنيد في جيش الاحتلال، كان رفيقه بن خدة من طلاب الحركة الذين سجنوا جراء المشاركة فيها.. وفي خريف 1945 -بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها- التحق يزيد ببارس، لمتابعة دراسته في كلية الحقوق ومعهد اللغات الشرقية في نفس الوقت.
  • وإلى جانب الدراسة باشر مهامه النضالية في اتحادية حزب الشعب بفرنسا كمسؤول للفرع الطلابي الذي رشحه خلال الموسم الجامعي 46 / 47 لمنصب الأمين العام لجمعية الطلبة المسلمين المغاربة.. وفي تلك الفترة أيضا بدأ مشواره في الحقل الإعلامي عبر منبر “النجم الجزائري” لسان اتحادية الحزب، وكذلك نشرة “المهاجر” السرية الصادرة عنها. وقد كان يوقع باسمه في الأولى، وباسم عبد الغني المستعار في الثانية.
  •  
  • “انتخابات” نيجلان.. من مرشحإلى سجين!
  • وفي 12 مارس 1948 عاد يزيد إلى الجزائر، بعد أن رشحته قيادة الحزب لانتخابات أول مجلس جزائري، تطبيقا للقانون الخاص بالجزائر الصادر في 20 سبتمبر من العام الماضي. عاد بهدف المشاركة في الحملة الانتخابية القادمة، ليجد شرطة الاحتلال في انتظاره بمطار الدار البيضاء، لاعتقاله رفقة مناضلين آخرين هما الدكتور العيساني وطالب الصيدلة جميل بن ديمراد. وكان ذريعة هذا التعسف مقال “نشره يزيد في النجم” دافع فيه، حسب قوله، “عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره والتمتع بالحريات الديموقراطية”. وسجن عقب ذلك سنتين بتهمة “المس بالوحدة الترابية”، قضاهما بسركاجي حيث ترك بصماته بالمشاركة النشيطة في إضرابات الجوع، احتجاجا على سوء معاملة المساجين السياسيين.
  • بعد قضاء مدة الحكم عاد إلى فرنسا، وما لبث أن عُيّن على رأس اتحادية الحزب، وكانت إلى جانبه شخصيات مرموقة، أمثال موسى بوالكروة والطيب بولحروف وزين العابدين مومجي، فضلا عن محمد بوضياف ومراد ديدوش ابتداء من خريف 1952.
  • اشتهر مسؤول الاتحادية يومئذ باسمه الحركي الزبير، علما أنه أصبح عضوا في اللجنة المركزية ابتداء من مايو 1951.
  • في خريف هذه السنة قام زعيم الحزب الحاج مصالي بأداء فريضة الحج.. وكان يزيد يومئذ على نفس الرأي مع الأمانة العامة -ممثلة في بن يوسف بن خدة- التي كانت تحبذ أن يستغل مصالي الفرصة للبقاء في المشرق العربي بأية عاصمة يشاء، اقتداء بالأمير محمد عبد الكريم الخطابي الذي لجأ إلى القاهرة منذ 1947، لذا فوجئ مسؤول الاتحادية بعودته المبكرة وغير المنتظرة. وكان سوء التفاهم هذا بمثابة الإنذار المبكر بالأزمة القادمة بين الزعيم والأمانة العامة.
  •  
  • أزمة الحزب: تلقِّي الضربة الأولى
  • وفي منتصف مايو 1952 نفي مصالي إلى مدينة “نيور” بفرنسا.. فكلف مسؤول الاتحادية بمحاولة تهريبه.. وقبل زعيم الحزب ذلك في البداية، لكنه تراجع في آخر لحظة.. مما عمق أكثر سوء التفاهم، لا سيما بعد أن أوعزت إليه حاشيته بأن هناك من يتآمر عليه في الأمانة العامة، بهدف إبعاده عن القاعدة النضالية والشعبية!
  • وبمناسبة احتفالات 14 يوليو 1953 سار مسؤول الاتحادية على رأس مسيرة حاشدة للمناضلين، رفعت فيها شعارات الحرية والاستقلال مرة أخرى.
  • والمؤسف أن الشرطة الباريسية أنهت هذه المسيرة السلمية في بركة من الدماء، بإطلاق النار على المتظاهرين وإسقاط العديد من القتلى والجرحى. والأدهى أن مصالي عتب على بن خدة ورفاقه بالجزائر صمتهم على ما حدث! وما لبث هذا العتاب أن “تحول إلى أزمة مفتوحة” في الخريف الموالي، عندما أعلن الزعيم سحب ثقته من الأمين العام..
  • وفي مطلع 1954 أخرج الزعيم أزمة القيادة إلى الشارع النضالي، عبر حركة “إنقاذ الحزب” من “النزعة الإصلاحية” التي أصبحت تميز الأمانة العامة في نظره. وبحكم موقع يزيد على رأس اتحادية الحزب فقد كان بمثابة الواجهة الأمامية التي كان عليها أن تتحمل الصدمات الأولى لهذه الحركة التي أعلنها مصالي وأنصاره انطلاقا من باريس. علما أن يزيد كان من خصوم الزعيم في الاتحادية، فضلا عن وثيق علاقاته بالأمين العام المستهدف بن خدة، وبسلفه كذلك الحسين لحول.
  • ما لبث يزيد أن أصبح من أبرز وجوه تيار اللجنة المركزية، بعد استفحال الخلاف، ومبادرة أنصار مصالي بعقد مؤتمرهم في “أورنو” ببلجيكا منتصف يوليو 1945، بدليل وجوده إلى جانب لحول في الاتصالات بدعاة “الحياد الإيجابي”، سواء في الجزائر أو في برن أو في القاهرة.
  • للتذكير أن خلاف مصالي والأمانة العامة أدى إلى بروز تيار “الحياد الإيجابي” الذي كانت تمثله جماعة بوضياف بالداخل وبن بلة من القاهرة، هذا التيار الذي قرر في اجتماع الـ 22 الشهير -أواخر يونيو- إعلان الثورة في  أقرب الآجال. وأخذ يسارع الخطأ في هذا الاتجاه، بعد فشل اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مهمتها الرئيسية:
  • إعادة توحيد الحزب والزج به موحدا في غمار الكفاح المسلح.
  • كان يزيد إلى جانب لحول بالقاهرة في سبتمبر الموالي بنية كسب محمد خيضر وحسين آيت أحمد العضوين في بعثة الحزب هناك إلى صف المركزيين. وبهذه المناسبة استطاع يزيد أن يستخرج من علال الفاسي سرا خطيرا: قرار جماعة بوضياف إعلان الثورة في 15 أكتوبر.
  • فلما بلغ هذه الجماعة انكشاف سر هذا الموعد، بادرت بتأجيل ساعة الصفر إلى منتصف ليلة فاتح نوفمبر الموالي.
  • وكان يزيد ولحول بالقاهرة مرة أخرى في 27 أكتوبر، بتكليف من اللجنة المركزية، لمعرفة مدى جدية التحضيرات الجارية، وأهمية الدعم المصري والعربي الموعود في نفس الوقت. وهناك فوجئنا بإعلان الثورة ليلة فاتح نوفمبر.
  •  
  • جاهز.. لرفع راية جبهة التحرير
  • كان يزيد جاهزا فورا لركوب قطار الثورة بقيادة جبهة التحرير الوطني، كما يدل على ذلك سفره وآيت أحمد في أواخر ديسمبر الموالي إلى “بوغور” (أندونيسيا) لتحسيس ممثلي البلدان التي تعتزم عقد مؤتمر في باندونغ بالقضية الجزائرية. وتابع الإثنان مهمتهما في المؤتمر الذي انعقد ابتداء من 18 أبريل من العام الجديد، ضمن وفد مغاربي برئاسة صالح بن يوسف أمين عام حزب الدستور الجديد. وكان من نتائج هذا المؤتمر الذي أصبح يؤرخ لبداية حركة عدم الانحياز -إقرار الدول المشاركة بأن القضية الجزائرية لا تختلف عن القضيتين التونسية والمغربية، في كونها جميعا مسألة تصفية استعمار بكيفية أو بأخرى.
  • وفي سبتمبر من السنة ذاتها كان نفس الثنائي بنيويورك على موعد مع نصر جديد للقضية الجزائرية: تسجيل القضية أول مرة -في أول محاولة- بجدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، هذه المفاجأة أخرجت الوفد الفرنسي عن طوره، فغادر الجمعية العامة غاضبا، مقدما بذلك دعاية للقضية لا تقدر بثمن..
  • وبفضل هذه الجهود والفتوحات على الصعيد الدولي لم ينس مؤتمر الصومام المناضل امحمد يزيد، فعين عضوا إضافيا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية، بعد أن تبوأ ثلاثة من زملائه السابقين في ثانوية البليدة مناصب في لجنة التنسيق والتنفيذ، ونعني بهم عبان وبن خدة ودحلب.
  •  
  • “لوبي” الجبهة.. في واشنطن
  • وبعد أسر آيت أحمد رئيس مكتب جبهة التحرير بنويورك، في حادث القرصنة الجوية الشهير مساء 22 أكتوبر 1956، خلفه يزيد بكل استحقاق بمساعدة الصحفي القدير عبد القادر الشندرلي.. وقد وجد في هذا الاستخلاف فرصته لإبراز مواهبه في الاتصال والعلاقات العامة، في محيط يتجاوب مع ذلك إيجابيا في معظم الأحيان. فلا غرابة أن يوفق في عقد صلات متينة بالصحافة الأمريكية بدءا بنويورك تايمز الشهيرة التي نشرت صورة يزيد، وهو يقوم شخصيا بإعداد طبق الكسكسي لبعض مساعديها!
  • ولم يتوان في كسب ثقة ومساعدة مؤسسة “كارنيجي” للداسات السياسية التي يقع مقرها الرئيسي بنويورك بجوار قصر “مانهاتن”. فقد كانت هذه المؤسسة المرموقة تضع قاعة مقرها تحت تصرف مكتب جبهة التحرير لأغراض شتى منها:
  • تنظيم ندوات وملتقيات للتعريف بالمشكلة الجزائرية بمشاركة منظمات أمريكية.
  • بث أشرطة وثائقية من إنتاج مصالح إعلام الجبهة، لإدانة الحرب الاستعمارية في الجزائر خاصة.
  • وكانت المؤسسة إلى جانب ذلك، تعد ملفا سنويا حول تطورات القضية الجزائرية، بالتعاون مع مكتب الجبهة ثم مندوبية الحكومة المؤقتة بعد ذلك.
  • واستطاع الثنائي يزيد -الشندرلي من جبهة أخرى تكوين نواة “لوبي جزائري” بواشنطن، من أهم نتائجه كسب مساندة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، السناتو جان كيندي الفائز في انتخابات نوفمبر 1960 الرئاسية. وكان تعبير كيندي عن هذه المساندة بكل قوة ووضوح، كما جاء ذلك في خطاب 2 يوليو 1957 إذ يقول مثلا: “إن الوطنيين الجزائريين يعبرون من أعماق السجون عن خيبتهم في الولايات المتحدة الأمريكية. لأنها تخلت عن مبادئها الديمقراطية المعادية للاستعمار، وأصبحت تشجع الاستعمار العسكري للجزائر، ضد شعب يطالب بحقه في تقرير المصير!!”.
  •  
  • إسقاط.. “الشرط المسبق”
  • وكان يزيد ورفاقه قد تصدروا بفعالية في أواخر مايو الماضي لمحاولة فرنسا استغلال حادثة ملوزة، باتهام جبهة التحرير وإثارة ضجة دعائية في هيئة الأمم المتحدة، فقد اقترحوا باختصار إيفاد لجنة تحقيق أممية لتقصي الحقيقة بعين المكان. ولم يكن قبول اقتراح ممثل الجبهة في صالح باريس، لأنه يعني اعترافا أمميا فعليا بها.
  • ويقول يزيد عن هذا الإنجاز بنوع من الاعتزاز، إنه استعمل تقنيات المصارعة اليابانية المبنية على استغلال اندفاع الخصم لإسقاطه!
  • لم يكن انشغال يزيد بكواليس الأمم المتحدة ليبعده عن مهامه القيادية في قيادة الجبهة، حيث كانت له كلمته وتأثيره، لا سيما أنه كان يحظى بتقدير الذين يوصفون “بالعسكريين” فيها. من الشواهد على ذلك:
  • محاولة تعيينه مكان عبّان في أواخر 1957، عندما اشتد الخلاف بينه وبين رفاقه في “اللجنة الدائمة للثورة”.
  • مساهتمه في تجاوز ما عرف آنذاك بـ “الشرط المسبق”. أي رهن التفاوض باشتراط اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر أولا. وقد أوقعت قيادة الثورة نفسها بذلك فيما يشبه الفخ. ويقول فقيدنا في هذا الصدد: سألت الجماعة المتحمسة لهذا المبدأ: هل هناك قرار جماعي واضح في هذا الموقف؟ أم أن المسألة مجرد جدل لفظي؟ ويبين خطأ التمسك بهذا الشرط قائلا: “إذا اعترف بك العدو فما جدوى التفاوض؟!”. وكان التخلي عن هذا الشرط من القرارات الأولى للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، غداة تأسيسها في 19 سبتمبر 1958، هذه الحكومة التي آلت فيها حقيبة الإعلام إلى يزيد بكل استحقاق، كما يؤكد احتفاظه بهذا المنصب حتى الاستقلال.
  • ويحدثنا الوزير الجديد عن وظيفة الإعلام في الثورة قائلا: “كان هدف نشاطنا هو إيجاد علاقات، نتخذها مدخلا لكسب المساندة المادية والمعنوية”. وكان الرأي العام هو المستهدف، بدءا بالدول الشقيقة والصديقة، مع اهتمام خاص بالدول الصديقة والحليفة لفرنسا، دون تجاهل الرأي العام الفرنسي ذاته..
  •  
  • مساهمة في التنظير.. لمرحلة الاستقلال
  • ولما اقتربت ساعة جني ثمار الجهود الجبارة للثورة الجزائرية في الميادين السياسية والعسكرية والدبلوماسية، كان يزيد ضمن رعيل المفاوضين لقطف هذه الثمار.. وكان ذلك في “أيفيان” الأولى والثانية. ويعتبر الشاهد اتفاقيات “أيفيان” في 18 مارس 1962 “توافقا ثوريا”. ويؤكد في هذا الصدد أن النصوص المتفق عليها نشرت جميعا، نافيا أن تكون هناك بنود سرية. فالوفد المفاوض حسب قوله: “لم يوافق لا على استمرار التجارب النووية ولا التجارب الكيماوية”..ويفسر ما يعتبره البعض “تنازلات” بشأن المرسى الكبير بقوله: “إن الحكومة المؤقتة كانت منذ أواخر 1961 على علم -من مصادر أمريكية- بالمذهب الجديد لإعادة انتشار البحرية الفرنسية في البحر المتوسط.. الذي لا يعطي نفس الأهمية السابقة لهذه القاعدة البحرية، ومن ثمة “فالانسحاب منها أصبح مبرمجا في المدى القريب”.
  • بعد و قف القتال في 19 مارس استعاد يزيد قلمه بصفته سياسيا وإعلاميا سابقا، بالمساهمة الفعالة كذلك في التنظير لمرحلة الاستقلال:
  • أولا بالمشاركة في لجنة الحمامات (تونس) التي وضعت مسودة ميثاق طرابلس الذي صادق عليه المجلس الوطني للثورة الجزائرية في دورته الأخيرة بطرابلس.
  • ثانيا بالمشاركة في لجنة ميثاق الجزائر الذي صادق عليه مؤتمر أبريل 1964 لجبهة التحرير الوطني.
  • وقد عُيّن يزيد في هذا المؤتمر عضوا في اللجنة المركزية، بعد أن سبق انتخابه نائبا في المجلس التأسيسي ثم في المجلس الوطني الأول.. وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي انتدب للعمل الدبلوماسي مؤقتا كسفير للجزائر بلبنان، وكان رد الفعل الغالب على هذا التعيين أن “بيروت أصغر من يزيد!” ومع ذلك استغل منصبه الجديد لإعطاء حضور الجزائر عربيا دفعة قوية، فضلا عن تعزيز العلاقات بالمقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها.
  • وقد عاش هناك بداية الحرب الأهلية التي أدت إلى تدخل سوريا عسكريا في ربيع 1976.
  • وفي مطلع الثمانينيات عُيّن على رأس مكتب الجامعة العربية بباريس، فاستعاد حيويته الدبلوماسية بعض الوقت. غير أنه ما لبث أن اصطدم بأمانة الجامعة التي كان على رأسها آنذاك التونسي الشاذلي القليبي.
  •  
  • مع وقف المسار الانتخابي
  • عاد يزيد إلى الجزائر عقب ذلك قانعا بإدارة وحدة بحث بالمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، قبل أن تسند إليه مديرية المعهد في فترة دقيقة ما بين 1990 و1992.
  • ولعل من المفيد أن نعرف -انطلاقا من موقعه هذا- موقفه من حوادث أكتوبر 1988، ووقف المسار الانتخابي مطلع 1992.
  • كانت وحدة البحث التي ينشطها في المعهد قد وضعت في أوت 1988 تقريرا استشرافيا، موجها إلى المؤتمر السادس لجبهة التحرير المقرر عقده قبل نهاية السنة. ومن الظواهر التي حرص التقرير على لفت الانتباه إليها “الفجوة المتزايدة التي باتت تفصل السلطة عن عامة الشعب”.. ويلخص الفقيد نظرته لحوادث أكتوبر تحديدا بقوله: “إن أهم ما كانت تتميز به هو غياب قيادة وتنظيم، أو هدف مشترك”.
  • في مطلع 1992 أوصى المعهد الذي كان يرأسه بوقف المسار الانتخابي، وذلك في تقرير رفع في حينه إلى الرئيس الشاذلي بن جديد.
  • ويقول يزيد في هذا الصدد: “إن المعهد كان على نفس الخط مع لجنة كان يرأسها وزير الدفاع خالد نزار، والتي كان من أعضائها الجنرالات محمد العماري ومحمد التواتي وعبد المجيد تاريغت.
  • ولعل خير ما نختم به هذا التعريف المقتضب بالمناضل والسياسي والاعلامي الكبير محمد يزيد، موقفه من الحوار الوطني الذي انطلق في ربيع 1993، بمبادرة المجلس الأعلى للدولة برئاسة علي كافي.
  • والملاحظ هنا أن الفقيد كان يرى أن التعاش بين الوطنيين والإسلاميين ممكن بشروط. واستنادا إلى تجربته النضالية في الحركة الوطنية الثورية، يقول في هذا الصدد: إن التيار الوطني كان إبان الاحتلال يعتبر الإسلام من الوطنية، علما أن الاستعمار الفرنسي كان ينكر علينا جزائريتنا فيطلق علينا تسمية “المسلمين” (بعد “الأنديجان”). لذا اعتبرنا كحركة وطنية الإسلام من الوطنية، والملاحظ أن الحركة الإسلامية تعتبر الوطنية من الإسلام، ومن ثمة فإمكانية التعايش بين التيارين قائمة”.. وبناء على هذه الخلفية يقول: “مرحبا بمشاركة التيار الإسلامي في الحوار”..
  • وفي موضوع “التطرف الإسلاموي” يعتقد الراحل أن الوطنية باستطاعتها أن تحتوي هذه الظاهرة وتتجاوزها، شريطة أن تكون سياسيا في مستوى عنفوان وحيوية الظاهرة الإسلامية، قادرة على إضفاء الطابع اللبرالي عليها.
  • وتناول يزيد رهان العصرنة في أكثر من مناسبة، ويمكن تلخيص مقوفه في النقاط التالية:
  • “أن مستقبلنا كدولة وكأمة يظل مهددا، ما لم نندمج في العالم العصري..”.
  • “أن مصيرنا مرهون بمدى قدرتنا على التكيف مع هذا العالم..”.
  • “أن مشاكلنا الاقتصادية تقتضي أن نرتبط فورا بعالم الشمال”..
  • عاد يزيد في أيامه الأخيرة إلى أسرته الصحفية التي كانت بمثابة مجاله الحيوي.. عاد إليها من بوابه “دار الحريات”، هذه الحريات التي كان يعتقد -بحق- أن الدفاع عنها في ظل الاستقلال لا يقل أهمية -وربما خطورة- عنه إبان الاحتلال الفرنسي، وتحت جبروت نظامه الاستعماري العنصري.
  • بهذه الانشغالات المصيرية غادرنا أمحمد يزيد فجأة صباح 30 أكتوبر 2003، إثر سقطة قاتلة بمسكنه في المرادية. وحرصت عائلته على دفنه بمسقط رأسه في البليدة، في يوم خريفي ممطر حزين.
  • من آراء الفقيد
  • ارتأينا أن نستكمل التعريف المختصر بالمناضل الكبير امحمد يزيد بالتذكير ببعض مواقفه.
  • ويلاحظ القارئ الكريم أنها مواقف غير بعيدة عن انشغالات الساعة في الساحة الوطنية، وأنها جريئة – إن لم نقل ثورية! – رغم صدورها عنه – في الغالب – وهو في سن متقدمة.
  • رأيه في بعض الأحداث التاريخية:
  • 8 مايو 1945:
  • بعد حوداث مايو 1945 ظهر نوع من التصدع الأيديولوجي في صفوف الحركة الوطنية.. فقد ظهر من جهة جناح أي فيها تأيكدا لآرائه، في حتمية اللجوء إلى العنف الثوري لتحرير الجزائر، في حين ظهر جناح من الجهة الثانية يرى فيها عكس ذلك: عبث مثل هذا الاختيار في ظل موازين القوى السائدة يومئذ.
  •  السياسي والعسكري أبان الثورة:
  • كان العمل المسلح أبان الثورة باسم جبهة التحرير الوطني، وقد كان عملا سياسيا في جوهره، فلماذا نفرق بين المناضل السياسي وحامل السلاح؟! فإذا كان العسكري يتولى مهمة سياسية، فالصفة العسكرية تختفي وراء الطبيعة السياسية.
  • رهانات الاستقلال:
  • حب الوطن يتجسد في الدفاع عن الشعب بالتصدي لجميع مضطهديه، سواء أكانوا من خارج البلاد أو من داخلها..
  • مع مرور الزمن يمكن أن نلاحظ بأننا استعدنا سنة 1962 جنسيتنا، لكن لم نستعد بعد حق المواطنة.
  • لا أثر لدولة القانون، على بعد مئة متر من رئاسة الجمهورية.
  • باسم الجمهورية.. نؤسس للملكية..
  •  
  • الاعلام والثقافة:
  •  حرية الصحافة..
  • – نظريا نحن نتفوق على أمريكا في حرية التعبير.. مع فارق هام: النقص في الضوابط القانونية.
  • – لدنيا تخمة في النصوص.. في حين أن جوهر المشكلة يكمن في إعطاء المفاهم مضمونا حقيقيا، بدءا بالديموقراطية وحرية التعبير.. إلخ.
  • – إذا كان من حق مالك الجهاز الإعلامي أن يراقب الخط الافتتاحي، فليس من حقه أن يتلاعب بالأخبار والتعاليق التي هي من مهام الصحفي وحق من حقوق القارئ أو المشاهد..
  • – سياستنا الاعلامية منذ الاستقلال لم تجار التطور المعرفي الحاصل خلال نحو ثلث قرن..
  • – هل فكرت كصحفي شاب لماذا تم استبدال مفهوم الاعلام بالاتصال؟ أتدري أن الإصغاء لا يعني السماع والنظر لايعني الرؤية؟!
  • – الصفحات الإشهارية التي تتناول اللاحدث ليست من الصحافة، ولا من الاعلام (يقصد البلاغات الخاصة بنشاط المسؤولين في أداء مهامهم اليومية).
  • – السبق الإعلامي: من سبقك بدقيقة، رهنك أسبوعا كاملا.
  • – إذا كان هناك فضاء لا يتحمل “الكابرانية” فهو فضاء الاعلام والثقافة. (من الكابران، أي العريف أو المسؤول البسيط المعتد بمسؤوليته!).
  • الجيش..  والسياسة
  • – دور الجيش أساسي اليوم.. لأنه المؤسسة الوحيدة القادرة على انقاذ البلاد..
  • – جيشنا لا يؤمن بالحل الأمني. والخطوة الأمنية كانت بهدف دعم العمل السياسي لحل أزمة سياسية، غير أن رجال السياسة لم يفهموا ذلك.
  • – أراد قادة الجيش تجاوز مأزق استقالة الرئيس زروال (11 – 9 – 1998)، فوقعوا في مأزق أكثر خطورة!
  •  هواجس:
  • – المشكلة الآنية: كيف نقيم العدل، بمحاسبة المختلسين والذين يقفون وراء الفساد.
  • – اتخذ التوظيف السياسي للتاريخ خلال السنوات الأخيرة طابعا مخزيا، وأبعادا تبعث على القلق.
  • – لم تعد الدولة تتيح لإطاراتها الشابة، فرص العيش وسط الجماهير ومعرفة حقائق الشعب.
  • – الشعب أصبح يصغي لحاكمه دون أن يسمعهم، وينظر إليهم دون أن يراهم!
  • – آفاق المستقبل القريب تبدو مضطربة مشحونة بالمجاهيل.. نحن في مرحلة تقتضي العمل، لا مجرد التمني.. لا يمكننا أن نواصل تبديد الفرص..
  • – مستقبلنا كأمة وكدولة مهدد، ما لم نندمج في العالم العصري.
  • تشاؤم.. وتحد:
  • – أبان الاحتلال الفرنسي كان الانهزاميون يقولون للوطنيين: أتريدون طرد فرنسا وأنتم عاجزون عن صنع علبة كبريت؟!
  • وها قد مرت سنوات على الاستقلال (الذكرى الثلاثون)، ومازلنا عاجزين عن صنع الكبريت..
  • – أنا مثل المحرك الذي يرجع عداده إلى نقطة الصفر كل 100 ألف كلم!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • mohamed oran

    رحمه الله و شهداء و مجاهدي الجزائر

  • Amira

    رحم الله الفقيد و شهداء و مجاهدي الجزائر

  • خالد

    الله يرحمك يا يزيد و أمثالك قلة

  • وهراني حر

    الله يرحم الشهداء

  • اللتس

    اعتز بجزائريتي وترتفع هامتي لما اسمع عن امثالك ادخلك الله جنانه