عشر سنين برَكات
بعد أن تنقضي العطلة الربيعية في 5 أفريل المقبل ويعود التلاميذ إلى الدراسة مادام الإضراب قد انتهى، يكون قد مرّ 48 يوماً على إضراب 16 فيفري، دون أن يدرس أزيد من مليون تلميذ ثانوي على يد أساتذتهم المضربين حرفاً واحداً.
صحيحٌ أن الكثير من التلاميذ قد عوّضوا غياب الأساتذة عن الأقسام بالدروس الخصوصية التي أنهكت جيوب الأولياء، ولا “يُضرِب” عنها الأساتذة قطّ، لأنها تدرّ عليهم أرباحاً معتَبرة، وربّما استفاد عددٌ قليل من التلاميذ الذين يملكون حواسيبَ في بيوتهم ولهم قدرة جيّدة على الاستيعاب دون أستاذ، من الأقراص المضغوطة التي وزعتها عليهم وزارة التربية، ولكن هذه الحلول الترقيعية لا تعوّض غياب الأساتذة طيلة 48 يوماً.
العالم المتقدّم يعطي أهمية قصوى للوقت والبحث العلمي وتطوير معارف أبنائه؛ فهو يحسب أوقات انطلاق أقماره الصناعية إلى الفضاء الخارجي بالثانية، كل شيء بحُسبان، وهناك 50 اختراعاً يتمّ التوصّل إليه في مختلف أنحاء العالم في كل ثانية، لذلك تقدّم عنا بمئات السنوات، في حين نُهدِر الوقت عندنا بلا حساب دون أن يعني ذلك شيئاً لأحد، ونضيع 48 يوماً كاملة في الإضرابات و“التغنانت“، دون أيّ اكتراث بمصير أجيال كاملة تتلقى تعليماً ضحلاً في أقل من نصف عام إذا حذفنا العطل الفصلية والأسبوعية والأعياد والمناسبات، وفي أربعة أشهر إذا ألغينا أيّام الإضراب، فماذا يدرس أبناؤنا إذن؟ أليست هذه جريمة بحق مليون تلميذ؟ وهل بهذه الطريقة يمكن أن نأمل في رفع المستوى المعرفي لأبنائنا وتطوير البحث العلمي بالبلد ومنافسة البلدان المتقدمة تيكنولوجياً؟
قد تُلام الوزارة على إهدار 48 يوماً من الدراسة قبل أن ترضخ لمطالب النقابات تحت ضغط الخوف من سنة بيضاء، عوض أن تفعل ذلك في الأيام الأولى من الإضراب، ولكن النقابات أيضاً تتحمّل جزءاً غير يسير من المسؤولية مادامت قد أصرّت على تحقيق مطالبها كلها دون نقصان، وأهدرت هذه المدة الثمينة لتحقيقها واستعملت مليون تلميذ كوسيلة لإجبار الوزارة على تلبيتها، عوض أن تتحلّى بالمرونة وتقنع بتحقيق بعض المطالب، وتقتدي بنقابات التعليم العالي التي دخلت منذ سنوات في “هدنة” مع الوصاية وجعلت التعليم العالي يستقر.
في عام 1962، خرجت الجزائريات إلى الشارع حاملات أطفالهن على أكتافهن وهن ينادين “سبع سنين بركات” وحالَ ذلك دون حدوث صراع مسلح بين جيش الحدود والحكومة المؤقتة، واليوم ينبغي لطلبة البكالوريا الذين يخرجون إلى الشارع للمطالبة بالعتبة، أن يحملوا بالنيابة عن كل التلاميذ، شعار “عشرْ سنين برَكات“، فعلّ ذلك ينهي دوامة الإضرابات التي تعصف بقطاع التربية منذ 10 سنوات كاملة.
إضراب هذا العام انتهى، ونبارك للنقابات وللوزارة هذا الاتفاق، ولكننا نريد أن تنتهي دوامة الإضرابات السنوية، وأن تستقرّ المدرسة الجزائرية، ويتمّ التركيزُ على كيفية إنقاذها ورفع المستوى التعليمي الذي يتدهور بشكل مخيف من عام إلى آخر.