-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كلام حميم

عطلة الصيف

محمد دحو
  • 5975
  • 7
عطلة  الصيف

انتهت عطلة الصيف وانتهت معها مشاكلي وهمومي، وبإمكاني الآن أن أكتب عن تلك الأيام بعيدا عن ضرابي الموس وأكلة الحشيش والمخدرات ممن يستولون بالقوة على الأرصفة والشوارع والأسواق، والساحات العمومية، والمواقف الخاصة بالوزارات والمستشفيات والبنوك والحدائق والأحياء السكنية .

  • كان  خوفي  في  البداية  على  السيارة  ثم على  ( البورطابل )  ثم  على  الأولاد  والزوجة  والبيت،  حتى  لم  يبق  لي  غير  الخوف  على  خوفي  وأنا  لا  أزال  في  الطريق  من  المطار  إلى  البيت .
  • تمتمت وقد قفزت يدي كالعصفور خارج السيارة واغتبطت بتلك النسمة الذهبية التي يفتقدها كل جزائري يعيش في الخارج، ثم هو ذا يقبض عليها فجأة،(ياللفرح والدموع)، ثم ذلك الاستغراق الذي يشبه النوم والصحو في كثير من الذكريات والصور التي تبدأ عند الهبوط بمطار الجزائر الدولي، بدءا باسم الرئيس المرحوم هواري بومدين وقصص الاحترام والكرامة والنيف الذي كان ينعم به المغتربون الجزائريون، قبل أن تملأ جثامين الحراقة والمهاجرين الموانئ والمطارات. كانت نسمة مدينة الجزائر العاصمة ببحرها الأبيض المتوسط تهدهد أعماقي وكم كنت بحاجة لأن أغسل  قلبي  وروحي  بهواء  الجزائر،  وأكحل  عيني  بزرقة  سمائها  بعد  طول  غياب .
  • كانت عطلتي الصيفية قد بدأت بكوابيس ما بعد المطار، وما سمعته من تلك الأخبار المشؤومة عن الجرائم والعصابات وقطاع الطرق والقتلة، وخاطفي الأطفال ومهربيهم إلى إسرائيل عبر تونس كما تقول بعض الروايات، ناهيك عن اللصوص المحترمين في البنوك وبعض الشركات الحكومية  غير المحترمة، وكنت بحكم أذني الإعلامية الطويلة قد أعددت كراسة من الحجم الصغير وشرعت أدون فيها يوميا بعض مشاهداتي وذكرياتي خلال عطلة الصيف، كنت أكتبها ليلا بعد أن تنام الزوجة والأولاد، فأنا لا أكتب عادة إلا في أجواء هادئة مطمئنة تساعد على الكتابة غير المتقطعة بالرغم من تلك الضربات التي كانت تصلني من تحت البيت احتجاجا من جارتي على حركة الأطفال  في البيت، وأحمد الله أني تجاوزت الأمر منذ الليلة الأولى وقد كظمت غيظي حفاظا على أول يوم من هذه العطلة، غير أن معركتي مع حراس السيارت كانت الأقوى، وقد كتبت فيها ما يقارب نصف الدفتر، لغرابتها وسلطة أصحابها التي تجاوزت الكل، ومع أني تمكنت من تجاوز تلك المأساة بخمسة وعشرين دينارا، إلا أن صورة ذلك الشاب وغلظته مع الناس لاتزال في مخيلتي أمام  مقر الخطوط الجوية القطرية بابن عكنون، ولن أنسى تلك العصا الغليظة التي كان يرفعها أمام أصحاب السيارات في شكل من التهديد الواضح. وما أكثر قصص المصابين في رؤوسهم ووجوههم  في تلك المعارك القريبة من رجال الشرطة الذين لا يهتمون بالأمر حتى ولو أدى ذلك إلى القتل، لا يهم.. كنت مستاءا جدا لهذه القصص والصور الغريبة، وقد ظللت أكتب في دفتري كل ما سمعته في هذا الباب، حتى وصلت إلى هذه الجملة (كأنه ليس لحكومتنا قلب يعطف على أبنائها، أو لكأنه لا دولة لنا ولا شرطة ولا حكومة أمام دولة العصي والأرصفة)، ثم وضعت نقطة في آخر السطر، حتى لا أعود إلى هذا الباب في هذه اليوميات التي لا حلو فيها إلا الهواء والسماء في هذه  البلاد .
  • كنت قد وصلت إلى بيرار، وما أجمل أن تشرب شاي بيرار ثم تعود إلى سوق السمك وميناء بوهارون، السمك من كل الألوان والأصناف، ما أروعه، لكن الوسخ والذباب من كل الألوان والأصناف، وإذا كنت ممن يخافون على صحتهم فلن تشتري سمكا ولن تتوقف بذلك الميناء ولن تدخل تلك المطاعم. تجاوزت الصفحة وأخرى، يوميات كتبتها على عجل وبخط غير واضح، لكنني حين أعود إليها اليوم أجدها سهلة القراءة، لكن الصعب بل الأصعب، أن أجد حماما (بيت الراحة حاشاكم)، والله معه حق الأستاذ سعدي بوزيان صاحب المقولات العظيمة، والأوصاف المناسبة، لكنني أكاد أنفجر ياناس،  إلى  أين  المفر،  كل  هذه  المقاهي  ولا  حمام،  مرة  مغلق،  ومرة  أخرى  لا  يوجد  ماء، وأنا  ما  ذنبي؟  تذكرت  شاي  بيرار،  وعرفت  أن  كثرة  الشاي  مهلكة،  فقررت  ألا  أشرب  الشاي  في  الجزائر  إلا  في  بيتي .
  • مر اليوم الأول والثاني والثالث، ولاتزال أيام العطلة  ثقيلة ومملة، أو هكذا بدت لي من خلال تلك اليوميات التي كنت أقبل عليها في الليل والنهار، الأمر الذي لم يرق لزوجتي كثيرا، وبالمناسبة فأنا لا أذهب إلى البحر مع أن البحر جاري في سيدي فرج، في طفولتي كان البحر لي أمرا مقدسا في فصل الصيف لا يمكن أن تتم العطلة بغيره، بل لن تكون عطلة ما لم تغمس في أبيض البحر وموجه، كان البحر حينذاك للاستجمام والراحة مع الناس الطيبين أبناء الحلال، لكنه أصبح اليوم سوقا للأجسام والأجساد العارية من غير أخلاق ولا حياء، والحال أن خصامي مع البحر قد جر علي غضب الأولاد الذين لم يفهموا كيف لهم ألا يسبحوا في بحر الجزائر، وقد ظلوا طوال السنة الدراسية يفاخرون أقرانهم العرب والأجانب بالبحر الأبيض المتوسط سباحة وسمكا، وهو الأمر الذي نسيت أن أذكره في هذه المذكرات بسبب شدة الحر التي أصابتنا فجأة، ولو  أني  لم  أسارع  إلى  زيارة  الطبيب  لكنت  أخذت  ضربة  شمس  حقيقية  ( تستاهل ) .
  • في الصفحة الأخرى من الصفحة العشرين بعد المئة، والتي كنت أظنها ستكون الصفحات العشر الأخيرة لهذه اليوميات الصعبة القاتلة والمملة التي شاء الله لي أن أقضيها، وجدت الأمر مختلفا ومفاجئا، بدءا من العنوان والوصف والأسلوب، ربما لأن ذلك مرتبط بالفاكهة التي ورد ذكرها في القرآن، طبعا مع الاختلاف والفرق، إلا أن فاكهة الجزائر كانت هذا العام وخلال شهر رمضان المعظم أكبر من أن توصف، وعلي أن أكون صريحا، ولا أقول إلا ما كتبته في تلك اليوميات، لقد كانت الفواكه في الجزائر أحلى وأعظم من البشر، وإذا سألك الزملاء بعد عودتك من العطلة  كيف  وجدت  الجزائر  هذا  العام؟  فقل  لهم  دون  تفكير،  وجدت  فيها  فواكه  كثيرة  طيبة،  ووجدت  كثيرا  من الناس  لكني  لم  أر  أحدا  إلا  وجه  أمي،  وقبر  أبي  عليه  رحمة  الله .   
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • عبد الحق صبيان

    وأكحل عيني بزرقة سمائها بعد طول غياب .
    لم افهم كيف تكحل عينيك باللون الأزرق
    عجيب !!!!

  • مكسار زكريا : كاتب و شاعر جزائري MEKESSER ZAKARIA, AUTHOR

    عطلة سعيدة ... ، هذا حال الثقافة العربية وطن و قطر عاصمة سنة حلوة ... ،

  • بدون اسم

    بصراحة يا محمد حتى الفواكة لم تسلم من آثارإفساد الطبيعة الذي يتولى كبره أصحاب الطبا ئع الفاسدة الذين أُ طلقت أيديهم وأرجلهم فأكتسحوا كل فضاء حتى استشرى فسادهم وعم البر والبحر وضاقت بنا الأرض من فسادهم بما رحبت ، لم يعد للأذواق الحلوة الرفيعة مكان ولا للكلمة الطبية المعبرة صدى واستولى الضيق من فرط الجشع على كل فسحة وصم الضجيج ونهيق البشر آذاننا ولم يعد الليل كسالف الليالي ساكنا ولا آمنا واستحال النهار قطعة من عذاب تتجدد مع كل إشراقة ولا مجير ولا بمن تستجير ، الكل مستقل بنفسه غارق منهمك في عده و جمعه وترصده لغنائمه مما يغرم الغارمون طوعا وكرها .
    فوضى الباعة لما يخطر وما لا يخطر على بالك غزت كل الساحات والمسالك،إن تتنازل مرغما عن رصيفك المحتل طولا وعرضا ستلقي بنفسك في المهالك ، أخطار منتقلة في سرعة مذهلة لسائقين مراهقين مطياتهم سيارات ودراجات كأنهم في لحاق جنوني في الأزقة لا يرقبون فيك إلاًّ ولا ذمة .
    وكأن الفضيلة ضجرت فانسحبت مودعة أمام حصارهاالوقح من الرذيلة وخرج المجون صاخبا متحديا من مخابئه ليعلن حربا سافرة على الأداب العامة فشاهت الخلائق وساءت الأخلاق وتمبعت حتى لم يعد لأقدام الحياء وسط هذا الزحام مواطئ وزحف نحو داخل المدن ما كان حكرا على الشواطئ ليضيف إلى هرج ومرج أيام وليالي الصيف البيضاءالصاخبة اللون المتم لمشهد الفساد والإفساد في مسرحية الرداءة المتوّجة.

  • melcomx

    جئت الى بيرار لماذا لم تأتي الى الحطاطبة ليست بعيدة ولست غريبا فيها تتذكر ايام الجامعة ياوليدعريب.الرجاء النشر ياشروق.

  • بدون اسم

    آآآآآآآآآآآآه من لغة الاعلاميين نريد حسا أدبيا ارحموا أدواق الناس

  • مي

    لايوجد تعليق

  • بوبكر

    السلام عليكم و رحمة الله
    الأخ الفاضل محمد دحو حفظه الله
    عند قراءة مقالكم اليوم و جدت نفسي أنا من يكتب هذه الأسطر بل كتابات كل جزائري غيور على وطنه يتطلّع لعودة أيام زمان رغم بساطتها. أتدري ماذا قال لي أبنائي ليلة الدخول المدرسي؟ الحمد لله الذي أنجانا بالمدرسة من جحيم عطلة هذه السنة
    الله نسأل أن يصلح الأحوال بإصلاح أنفسنا