الرأي

عطلة في قلب العطل!

عندما تفضل السيد وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي مراد زمالي، بالأرقام الصادمة عن آلاف المليارات الضائعة على ملايين العمال المستفيدين من العطل المرضية، تبادر إلى ذهننا “شكل ولون” الحقيبة التي يحملها هذا الوزير، فهي أقرب إلى وزارة الصحة، مادام كل عمال الجزائر الذين يقال بأن عددهم قد فاق الأربعة عشرة مليون، يقضون عمرهم المهني بين الغياب “المسكوت عنه” أو المرفق بالعطل المرضية.
الوضع الذي آلت إليه البلاد، هو نتاج قطيعة وصلت إلى درجة العداء بين العامل والعمل، فالموظف الجزائري هو الوحيد في العالم الذي يسأل قبل تسلمه لمنصب عمله عن العطل وأيام الراحة وموعد التقاعد، دون السؤال عن واجباته والإنتاج والمنتوجية، وهو الوحيد الذي يربط علاقاته مع مسئولين، لأجل أن يسمحوا له بالغياب، وهو الوحيد الذي يحرق المراحل ويبلغ منصب مدير عام من دون أن يبلغ درجة عامل أو من دون أن يعمل، فوجدت الجزائر نفسها بعمال لا يفقهون وظيفتهم وواجباتهم، وبمتقاعدين لم يبلغوا سن الأربعين وبمصانع ومزارع لا تنتج شيئا، فكان بديهيا أن تحتل الجزائر المركز الأخير في العالم في كون شعبها يحيى بما ينتجه غيره.
رقم ألف وسبع مئة مليار سنتيم التي تصرفها الدولة كتعويضات يومية عن العطل المرضية، لا يتحملها الأطباء والعمال فقط، وإنما الجو العام للعمل الذي جعل الجزائري يشعر بأنه في حرب مع عدوّ مجهول في قلب وظيفته، عليه أن يكنّ له الكراهية وأن يخدعه وأن ينال منه من دون أي عطاء، فأفرز لنا هذا الوضع عمال بلدية يساهمون في تلويث الجو، وأطباء، هم من أسباب المرض والوباء، ومهندسين معماريين يهدمون أكثر مما يبنون، وأساتذة يساهمون في الجهل الذي غرق فيه الجزائريون منذ عقود.
لقد عجزت كل السياسات والحكومات التي مرّت على الجزائر من أن تبني منظومة عمل ناجحة، فكانت كل البرامج والشعارات تتبخر أمام غياب متعة العمل لدى الجزائريين، ففشلت الثورة الزراعية والصناعية التي أنفق هواري بومدين عهداته الرئاسية لأجلها، وتبخر شعار العمل والصرامة لضمان المستقبل الذي تغنى به الشاذلي بن جديد، ولم تجدِ مئات المليارات من الدولارات التي استنزفت في العقدين الأخيرين في تحريك عجلة العمل، إلى درجة أن المؤسسات الأجنبية التي دخلت الجزائر بقوة ومن كل الجنسيات، راحت تستورد عمالا من تركيا وأندونيسيا والفلبين بعد أن تيقنت بأن الجزائري لا يحب العمل ولا يريد أن يتقنه.
وحتى المؤسسات الخاصة عجزت عن مداواة هذا الوباء، فطالتها العدوى وتكاد تكون النسبة الأكبر من هذه العطل المرضية الطوفانية في القطاع الخاص الذي عجز عن تحريك قطار العمل، إن لم يكن قد ردّه أميالا أخرى إلى الخلف.
هناك نكتة جزائرية أقرب إلى الواقع تلخص علاقة الجزائري بالعمل: “حصل شاب في العشرين على منصب عمل، لدى بائع أسرّة وأفرشة، يعرض سلعته في محلّه، بشرط، أن ينام هذا الشاب العامل، خلال فترة العمل على سرير في نوم عميق، ليثير في الزبائن شهية النوم، فقبِل الشاب عرض العمل، ولكنه سأل صاحب المحل، عن فترة الراحة، خلال عمله من أجل أن يستريح من تعب.. النوم”؟

مقالات ذات صلة