-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
موقف يغفل عنه كثير من المسلمين

عندما تُرفع أعمالنا إلى الله

سلطان بركاني
  • 2666
  • 0
عندما تُرفع أعمالنا إلى الله

لازالت أيام شهر شعبان تتوالى، وها نحن نعيش ساعات اليوم الثامن عشر منه. أيام تُرفع فيها أعمالنا إلى الله الواحد الديان؛ ترفع أعمالنا جليّها وخفيّها، صغيرها وكبيرها، إلى العليم الخبير سبحانه، فيا سعادة من عمل الصّالحات وتاب عن الزلاّت، ويا فضيحة من أتى المعاصي والمنكرات وغفل عن التوبة حتى رفعت أعماله السيئة إلى ربّ البريات.

الله جلّ وعلا مطّلع على أعمال عباده في كلّ حين وكلّ آن، ورفْع الأعمال هو موقف زجر وتأنيب لعباد الله الغافلين، يقرع قلوبهم باطّلاع الله على أعمالهم وأحوالهم، وموقف كرامة لعباد الله المؤمنين الصّالحين، يملأ قلوبهم بهجة وسعادة لما قدّموه من أعمال صالحة يرجون أن يتقبّلها ربّهم الحنّان المنّان، ويوفّقهم لما هو خير منها؛ قدوتنا نبيّ الهدى صلى الله عليه وآله وسلّم كان يهتمّ برفع عمله إلى الله جلّ وعلا، وهو المعصوم صلوات ربّي وسلامه عليه، يقول أسامة بن زيد رضي الله عنه: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم). يحبّ أن يُرفع عمله ويطّلعَ اللّطيف الخبير سبحانه عليه وهو عليه الصّلاة والسّلام صائم. 

فكيف هي أحوالنا نحن؟ وهل يستشعر الواحد منّا أنّ أعماله ترفع هذه الأيام إلى الله؟ هل يشعر بالحياء والوجل من الله وهو يتذكّر ذنوبه التي أتاها في الخلوات، ويتذكّر الكلمات السيّئة التي نطق بها لسانه، والنّظرات التي قلّبها في العورات، ويتذكّر تأفّفه من كلام أمّه وضجره من طلبات أبيه. يتذكّر الصّلوات التي أخّرها حتى خرج وقتها، ويتذكّر أنّه إلى الآن لم يصم ولو يوما واحدا من شهر شعبان.

لو كان الواحد منّا يعلم أنّ عمله سيُعرض على أحد والديه، لاستعمل كلّ الطّرق والوسائل ليمحو الأعمال السيّئة التي لا يحبّ أن يطّلعا عليها، فلماذا لا نفكّر في التّوبة ومحو أعمالنا السيّئة ونحن نعلم أنّ أعمال العام تُرفع في شهر شعبان إلى الله، وأعمال الأسبوع تُرفع كلّ اثنين وخميس؟

أخي المؤمن.. أعمالك التي قدّمتها خلال العام المنصرم ترفع هذه الأيام إلى الله.. فيا ترى كم صلاة ضيّعت خلال هذا العام؟ وكم مرّة ختمت القرآن؟ وكم ليلة قمت في جوف الليل ولو بركعتين؟ وكم مرّة بكيت لله؟ وكم يوما صمت تبتغي الأجر والمثوبة من الله؟ كم دينارا تصدّقت به في سبيل الله أو على الفقراء من أقاربك وجيرانك؟ كم مرّة قبّلت رأس أبيك ويد أمّك؟ كم مرّة أدخلت السّرور على قلبيهما بهدية أو جولة أو حتى كلمة طيّبة أو ابتسامة حانية؟ كم مرّة أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر في بيتك؟ كم مرّة عاتبت زوجتك وأبناءك وبناتك على الصّلاة؟ كم مرّة زجرت أبناءك عن السّهر خارج البيت؟ كم مرّة أنّبت وزجرت بناتك على لبس الضيّق والقصير وعلى متابعة المسلسلات وسماع الأغنيات؟ كم مرّة دعوت الله لإخوانك المسلمين المكلومين والمضطهدين؟

إنّ الواحد منّا إن لم يستحِ من رفع أعماله إلى الله في هذه الدّنيا فيتوب ويؤوب لتُمحى سيّئاته وغدراته وفجراته، فإنّه سيأتي عليه يوم بعد الموت، يقف في عرصات القيامة للعرض ((يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ))، ويأخذ كتابه، فيجد فيه كلّ أعماله، صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها، فيتعجّب من سعة الكتاب ودقّته ويرى كلّ أعماله التي كان يستخفي بها ويظنّها هيّنة، فيقول: ((مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا))، ثمّ يكون العرض على الله، فيقف العبد ذليلا منكّس الرّأس بين يدي الواحد الديّان جلّ في علاه، وقلبه يكاد يتفطّر حياءً وخجلا من الله، بسبب تلك الأعمال السيّئة التي لم يتب منها في الحياة الدّنيا، ويزداد الحياء والخجل عندما يُختم على لسانه وتنطق جوارحه بما اقترفه ولم يتب منه: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون)).

لقد كان الصّالحون من عباد الله يعرفون لشعبان قدره، وكانوا يجعلونه شهرا يتوبون فيه إلى الله، ويرقّقون فيه قلوبهم استعدادا لرمضان، وكانوا يشبّهون شهرَ رجب بالريح، وشهرَ شعبان بالغيم، وشهْرَ رمضان بالمطَرِ، ويقولون: “مَن لم يَزْرعْ ويَغْرِسْ في رجب، ولم يَسْقِ في شعبان، فكيف يريد أن يحْصدَ في رمضان؟!”.

فيا أخي المؤمن.. ها قد مضى شهر رجب وانقضى وأصبح خبرا من الأخبار، وها هي العشر الثانية من شهر شعبان توشك على الانقضاء، فماذا أنت فاعل فيما بقي من أيام هذا الشّهر إن كنت تريده أن يكون زادا لك لاستقبال رمضان؟ إذا كنتَ تريد أن يكون رمضان هذا العام هو رمضانَ الذي تسعد به في الدّنيا والآخرة، ورمضانَ الذي يكون بداية لحياة جديدة، فابدأ من الآن، احمل همّ رفع أعمالك إلى الله، تُب إلى الله من كلّ ذنوبك، وابدأ بالاستعداد لرمضان من الآن، اعقد العزم على أن لا يدخل رمضان إلا وقد لان قلبك بعد طول قسوة، إلا وقد اعتدت الصّلاة في بيت الله، إلا وقد بدأت تتصفّح كتاب الله. لا تستقبل رمضان بقلب قاسٍ ونفس غافلة، لا تستقبله ولسانك جافّ من ذكر الله وتلاوة كلامه. إنّ رمضان هو جنّة الشّهور، لا يوفّق لها إلا من حمل همّها واستعدّ لها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بدون اسم

    واين هي الاعمال الجميلة التي ترفع الى الله ..لو كانت هناك اعمال جميلة لما سلط الله علينا هذا الخراب والدمار والفساد والطغيان والاستعباد الذي لايفارقنا ابدا

  • الربيع

    بركة الله فيك يا أستاذ

  • رجل من اخر الزمان

    بارك الله فيك يأستاذنا الكريم اردت ان استفسر عن قولك""أنّ أعمال العام تُرفع في شهر شعبان إلى الله، وأعمال الأسبوع تُرفع كلّ اثنين وخميس؟"" كيف ذلك? الأسبوع من العام فاذا رفعت الاعمال في كل اسبوع (اثنين وخميس؟) فما الداعي الى شعبان اليس هدا بتكرار ؟ او هنالك فرق ؟

  • احمد

    بارك الله فيك يأستاذنا الكريم ( وذكرهم بأيام الله ) جزاك الله خيرا .

  • حمزة

    يقول الحبيب عليه الصلاة والسلام (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يرفع عملي وأنا صائم).
    اللهم صلي وبارك على هذا النبي الكريم .

  • ابراهيم

    يا استاذ موقف يغفل عنه كثير من المسلمين و السبب يجهله ام يتجاهله كثير من العلماء المذاهب قالوا الموحد لا يخلد في النار مهما كان عمله بل لا يدخل النار قط بشفاعة الرسول صلى الله عليه و سلم اصبح كل شيئ مباح القتل و السرقة و الظلم و هل تبقى امتنا الاسلامية مصيرها مرتبط بعلماءها السلف تصديقا للاكذوبة اليهود و نقول لن تمسنا النار الا اياما معدودة ام نغير عقيدتنا تصديقا لقوله تعالى **ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا** و السؤال هل نعمل من اجل دخول الجنة و لكن الجنة ظامنة للموحد