الرأي

عندما يستقيل الشعب..

رشيد ولد بوسيافة
  • 3756
  • 3

يبدو أن غياب ثقافة الاستقالة لدى المسؤولين في الحكومة والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والأحزاب دفع بالشعب كله إلى الاستقالة وعدم القيام بأي دور سياسي، وهو ما يفسر حالة الركود التي ميزت انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية.

فلا أحد يبالي بهذه الانتخابات رغم أهميتها باعتبارها انتخابات محلية ترتبط بشؤون المواطن اليومية، كما أن المترشحين فيها هم أبناء الحي وأبناء القرية، على عكس الانتخابات التشريعية التي غالبا ما يكون المترشحون فيها غرباء عن المنتخبين بسبب العمل بنظام القوائم النسبية.

الشعب استقال من ممارسة دوره السياسي لأن السلطة وعلى مدار السنوات الماضية عملت على تكسير الأحزاب وإفراغها من محتواها وتهميشها وتقديمها للمواطن على شكل “عرايس ڤرڤوز”، تتحرك بإيعاز وتنتفض بمهماز، أما أم الكوارث فهو البرلمان الذي أفرزته آخر انتخابات تشريعية وتركيبته الموزعة بين الأصهار والأقارب وأصحاب “الشكارة” والمنظفات والسكرتيرات.

الشعب استقال لأن المنتخبين في كل المستويات قدّموا أسوأ الأمثلة في التّسيير، وساهموا بشكل فعّال في ملحمة الفساد والتّسيير البيروقراطي، فملأت قضاياهم قاعات المحاكم، ودخل نصفهم السجن وأصبح الترشح لمنصب رئيس بلدية كمن يضع رأسه في حبل المشنقة طواعية.

الشعب استقال لأن الطبقة السياسية مرضت وتعفنت، وأصبح كل من طرد من عمله يؤسس حزبا ويخطب في الناس ويتكلم في قضايا أكبر منه، فيكون مدعاة للسخرية، كما أصبح تغيير الحزب أهون عند هؤلاء من تغيير المعطف، فكيف يهتم الشعب بأمر هؤلاء التافهين؟

الشعب استقال لأنه أدرك أن الممارسة السياسية في البلاد تنتقل من سيئ إلى أسوأ، فشتان بين برلمان اليوم وبرلمان 1997، حين كانت الحكومة تمر على مقصلة النواب وتناقش سياسات الحكومة في بث مباشر تقوم خلاله معارك كبرى.

وإذا استمرت السلطة في تحييد المؤسسات التي يختارها الشعب وتهميشها، سيستمر هذا الأخير في أسلوب التجاهل واللامبالاة بالمواعيد الانتخابية التي تحوّلت مع الوقت إلى إهدار للمال العام على مكاتب التصويت والتأطير.

والأمر الخطير في هذا كله أن المشهد السياسي في الجزائر يراوح مكانه، في وقت تشهد دولا في المنطقة تحولات كبرى أصبح للشعب فيها كلمة مسموعة، بينما يبتعد الشعب في الجزائر تدريجيا عن الاهتمام بشؤونه وشؤون بلده في وقت تكاثر المتربصون بأكبر بلد في إفريقيا.

مقالات ذات صلة