عندما يقول سعيد سعدي الحقيقة
لم يخطئ سعيد سعدي هذه المرة، عندما قال إن الجزائريين لو لم تكن اللغة العربية مفروضة عليهم في المدرسة ما تعلموها. وعلى هذا الوزن هو نفسه يعلم، بأنه لو لم تكن الرياضيات والفيزياء والإنجليزية، بل التعليم كله مفروضا عليهم ما دخلوا المدرسة إطلاقا. وهو يعلم جيدا بأنه لولا الدولة التي وضعت قناة تلفزيونية وإذاعة ثانية ناطقتين بالأمازيغية وفرضتهما على الشعب، ما اجتهد سعيد سعدي ورجال أعمال المنطقة من داخل ومن خارج البلاد، لأجل الرقي بالأمازيغية كما هو حاصل مع لغات ولهجات عالمية يضحي أهلها بمالهم وحياتهم من أجل عيشها.
وسعيد سعدي الذي سبق له أن اعترف بأنه أخطأ في الشعب بعد هزائمه الانتخابية، يبدو أنه عرف الآن أن الشعب غير مهتم إطلاقا بمختلف العلوم واللغات، فما بالك بما يقوله الدكتور سعيد سعدي، وبحزبه من تجمع وثقافة وديمقراطية، وهو تجمع لو لم يكن مفروضا من طرف الدولة، ما علم بوجوده الكثير من الجزائريين.
ما لا يعلمه الدكتور سعدي أنه يوجد أكثر من مليون شيخ وعجوز يدرسون حاليا في مدارس محو الأمية في الجزائر وفي فرنسا، بعد أن حرموا من دراسة اللغة العربية في زمن الاستعمار، فعادوا في عتيّ العمر لأجل تعلم لغة يمارسون بها شعائرهم من تلاوة القرآن والصلاة وقراءة كتب السيرة والتاريخ. وهي مدارس غير مفروضة على أحد. وما لا يعلمه أيضا هو أن غالبية هذه المدارس توجد في بلاد القبائل، التي يزعم النفساني سعدي الحديث باسمها، ولكنه في الجانب العلمي تبقى نظرته صائبة، لأن الجزائريين في السنوات الأخيرة دخلوا في عداء شديد مع كل العلوم واللغات، فلم نعد نجد من يتقن الفرنسية الأصيلة ولا العربية الأصيلة.
ولو قارن السيد سعيد سعدي نفسه بسياسيين في مختلف بلاد العالم من أكراد وكاتالونيين وحتى هنود حُمر، لرأى كيف قدّم هؤلاء من نفسهم ونفيسهم إلى لغاتهم ولهجاتهم وتراثهم من قنوات تلفزيونية وصحف ومعارض تراثية، في الوقت الذي لم يقدّم هو إلى هذا التراث سوى انتقاد الآخرين، فنجده يعارض الدولة ويطالبها بأن تخدم لغته الأصلية، وكلنا نعلم أنه لو كان التعليم بالأمازيغية في مدارسنا، ما دخلها سعيد سعدي ولا أدخل فيها أبناءه، شأنه في ذلك شأن الذين حملوا القضية العادلة فكانوا على الدوام محامين فاشلين، فضاعت القضية تماما مثل اللغة العربية وحتى الفرنسية وبقية اللغات، في بلد وجد نفسه منشغلا بأغرب قضية لغوية وتربوية في تاريخ البشرية، قادتها وزيرة من المفروض أنها تبحث في ضياع لبّ التربية والتعليم وليس في قشور لغة التدريس.
لقد أنزلت السيدة نورية بن غبريط مستوى الجدل التربوي إلى الحضيض، ووجد الجزائري نفسه ما دون أول حرف من أبجديات الكلام، ولكن مستوى نقاش هذا الذي بلغ الحضيض، كان أكثر إيلاما وتعفنا، في بلد استوى فيه الفعل ورد الفعل، والموالاة والمعارضة في ما يشبه الحالة الوبائية الميؤوس من علاجها.