-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عن لائحة البرلمان الأوروبي

ناصر حمدادوش
  • 878
  • 5
عن لائحة البرلمان الأوروبي
ارشيف

مكانة العلاقات الترابطية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي متميزةٌ كمًّا وكيْفًا، طبعتها خصوصية الجزائر كدولةٍ محوريةٍ جيوسياسية واقتصادية وأمنية في المغرب العربي وإفريقيا، بحكم العامل الجغرافي والبُعد التاريخي والمصالح الاقتصادية.

وقد انتقلت هذه العلاقة من علاقات التعاون بالمنظور التقليدي إلى علاقات الشراكة بالمنظور الحديث، والأصل فيها أنّها علاقةٌ تعاونية تجسِّد الشراكة في شتى المجالات على قاعدة (رابح/ رابح)، إلاّ أنّها تحوّلت إلى نوعٍ من الهيمنة الأوروبية على الجزائر.

ويتضمن اتفاق الشّراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي الذي دخل حيّز التنفيذ يوم 01 سبتمبر 2005م 110 مادة، تغطي 09 محاور: الحوار السياسي، حرية تنقل البضائع، تجارة الخدمات، المدفوعات ورؤوس الأموال والمنافسة، التعاون الاقتصادي، التعاون الاجتماعي الثقافي، التعاون المالي، التعاون في مجال العدالة والشؤون الداخلية، والأحكام المؤسساتية العامة والختامية، كما يحتوي على 06 ملاحق، و07 بروتوكولات. وقد كانت له فائدةٌ سياسيةٌ ظرفية، وذلك بفكّ الحصار عن الجزائر والعودة إلى المجتمع الدولي، بعد القطيعة التي فُرضت عليها سنوات الإرهاب، إلاّ أنه أصبح عبئًا اقتصاديًّا وحقوقيًّا عليها، فقد عرفت العلاقات بين الطّرفين توتّرات متكرّرة على خلفية الاستغلال الأوروبي للشقّ السّياسي منه، والضّغط على الجزائر بملفاتٍ خلافية، ومنها: ملف الحرّيات وحقوق الإنسان.

فقد أصدر البرلمان الأوروبي يوم الجمعة 26 نوفمبر 2020م لائحةً عن تقهقر وضعية حقوق الإنسان في الجزائر وخصوصًا حالة الصّحفي خالد درارني، وقد اتخذ 20 قرارًا، وهي المرّة الثانية التي يصدر فيها لائحةً في أقلّ من سنة، وهو ما يعبّر عن النشاط المكثّف له اتجاه الجزائر، خاصّة بعد الحراك الشّعبي الذي انطلقت يوم 22 فيفري 2019م، فقد استند إلى لوائحه السّابقة وخاصّة تلك الصّادرة يوم 28 نوفمبر 2019م حول وضعية الحرّيات في الجزائر، والتقرير السنوي للاتحاد الأوروبي الصادر يوم 15 جوان 2019م حول حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، والوثيقة الإعلامية للّجنة الدولية للحقوقيين الصادرة في أكتوبر 2020م تحت عنوان: (التعديل الدستوري في الجزائر.. مسارٌ معاق وغير ملائم)، والرّسالة المؤرّخة في 29 سبتمبر 2020م التي تدين القمع الممارَس ضدّ المجتمع المدني الجزائري، والمراسلات الأربعة الموجّهة للحكومة الجزائرية بين 30 مارس و16 سبتمبر 2020م حول الاعتقالات العنيفة والتعسّفية وسوء معاملة المدافعين عن حقوق الإنسان والنّشطاء السّلميين.

 كما استندت هذه اللائحة إلى اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر منذ 2005م وخاصّة المادة 02 التي تنصّ على احترام مبادئ الديمقراطية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والدورة الـ11 لمجلس التعاون بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، والميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسّياسية، والميثاق الدولي المتعلّق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واتفاقية مكافحة التعذيب والأشكال الأخرى لسوء المعاملة والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة، وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، وإعلان الأمم المتحدة حول القضاء على جميع أشكال الإقصاء والتمييز على أساس الدّين أو المعتقد، بالإضافة إلى الاستناد إلى قانون العقوبات الجزائري.

اللّائحة متشبّعة بروح استعلائية ولهجة حاقدة ونزعة عدائية ذات خلفية تاريخية استعمارية، وهي تمثّل إهانةً للشّعب والدّولة ومؤسّساتها الرّسمية، إذ أنّ البرلمان الأوروبي ليس مخوّلاً بتوزيع شهادات الشّرعية للدّول، وحسن السّيرة والسّلوك للشّعوب.

وبالرّغم من ادّعاء استقلالية البرلمان الأوروبي عن الحكومات الأوروبية، إلاّ أنّها حجّةٌ سخيفة وساذجة، يدّعي المدافعون عن هذه اللائحة بأنّها صادرةٌ عن البرلمان كسلطةٍ مضادّة للحكومات الأوروبية، بما يملكه من الشّرعية الشّعبية والاستقلالية التشريعية، إلاّ أنّ المدقّق في هذه اللائحة يجدها تستند إلى اتفاق الشراكة الموقّع بين الاتحاد الأوروبي كحكوماتٍ وبين الجزائر، وأنّها تستند إلى الدورة الـ11 لمجلس التعاون الأوروبي- الجزائري، وعلى الأولويات المشتركة المصادَق عليها في إطار السّياسة الأوروبية للجوار مع الجزائر بتاريخ 13 مارس 2017م، وعلى خطّة عمل الاتحاد الأوروبي لصالح حقوق الإنسان والديمقراطية بين 2020م و2024م، وعلى توجّهات الاتحاد الأوروبي وإستراتيجيته الجديدة وخطّة عمله لصالح حقوق الإنسان والديمقراطية، وبالتالي فإنّ هذا البرلمان الأوروبي يتماهى مع سياسات حكوماته وليس مستقلاً عنها.

والمتأمّل في هذا التناول الأوروبي لملف حقوق الإنسان بالجزائر يكتشف هذا التعامل الانتقائي والتناول الإيديولوجي لملف حقوق الإنسان، وهو ما يُفقِده الموضوعية؛ فهو لا يدافع إلاّ عن أصدقائه في الدّاخل، ولا يثير إلاّ قضايا الانتهاكات التي تطال مكوّنات التيار العلماني المرتبط به، ويعزف عن بعض الملفات الحسّاسة التي تعمّق حالة الانقسام بين مكوّنات الشعب الجزائري، ولا يتناول كلّ ما يتعلق بالديمقراطية، وعلى رأسها: أكبر ملفٍ لانتهاكات الإرادة الشعبية وهو التزوير، على اعتبار أنّ الديمقراطية الحقيقية هي من تعرّي هذه الأقلية السياسية والإيديولوجية التي تبتزّ النظام السياسي، وهي لا تدافع عن حقوق الإنسان كإنسان مهما كان انتماؤه السّياسي والإيديولوجي، ما يعكس هذا الانحياز، وأغلبيةُ من ذُكروا بأسمائهم في هذه اللائحة ينتمون إلى نفس المدرسة الإيديولوجية، وهذا التيار الإيديولوجي هو فقط من يساند هذه اللائحة التي يستغلّها للاستقواء على النّظام السّياسي بالخارج، إذ يجسّد عقلية التدافع معه بمجموعات الضغط لا بالمنافسة الديمقراطية النزيهة، وهو ما يطعن في وطنية وجزائرية كلّ من يرتبط بخدمة أجندات أجنبية، وحتى لو كان بعض مضمون هذه اللائحة صحيحًا، فهو من الحقّ الذي يُراد به باطل.

ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال اعتبار ذلك تضامنًا دوليًّا، إذ يقحم نفسه في ملفات تمسّ بالسّيادة الوطنية، ويعزف عن ملفّاتٍ حسّاسةٍ؛ ففي الوقت الذي يتستّر فيه بالدّفاع عن نشطاء الحَراك الشعبي، لا يستحي من تسميته بالحركة الاحتجاجية، وهو طعنٌ مبطّنٌ فيه، عندما يتمّ اختزاله في مجرد حركة احتجاجية، وكأنّ الحَراك ذو طابعٍ مطلبيٍّ غير سياسي، لا يرقى إلى حراكٍ شعبي مليوني وحضاري لكلّ مكوّنات الشّعب الجزائري بمطالبه السّياسية الحقيقية.

لا يستحي هذا البرلمان من الخوض في قضايا سيادية لا تعنيه إطلاقًا، فهو يتحدّث عن تأجيل الانتخابات الرئاسية مرتين، ويتّهم المؤسّسة العسكرية بممارسة جورٍ محوريّ فيها، وأنّ المراجعة الدستورية أدرجت تعديلاً مقلقًا من خلال دسترة الدور السّياسي للجيش، ويدعو لوضع قوات الجيش أمام مسؤولياتها، والقيام بالرّقابة الديمقراطية والمدنية عليها، وإلحاقها بسلطةٍ مدنيةٍ وبطريقةٍ قانونية، وحصر دور الجيش بشكلٍ محدّدٍ في الدستور، ويزعم أنّ الدستور لا يزال يفرض قيودًا على حرّية الصّحافة بموجب المادة 54 التي تفرض احترام الثوابت والقيم الدّينية والأخلاقية والثقافية للأمّة، كما يدعو البرلمانُ الأوربي السّلطاتِ الجزائرية إلى الإفراج الفوري واللامشروط عن نشطاء بعينهم دون غيرهم، وهو تدخّل سافرٌ في استقلالية القضاء الجزائري، دون الحديث عن شروط المحاكمة العادلة، إذ لا حصانة لفردٍ ولا قدُسية لإنسان فوق القانون، كما ينصِّب هذا البرلمان نفسه سلطةً آمرة للجزائر بالمراجعة العاجلة لقانونين يقول إنهما يقيّدان الحرّيات، وهما: القانون رقم 12– 06 المتعلق بالجمعيات والقانون رقم 91– 19 المتعلّق بالتجمُّعات والمظاهرات، ويُقحِم نفسه في قضية سيادية مرتبطة بهوية الشّعب الجزائري وهي الحديث عن عِرق دون غيره وهم البربر والأمازيغية، ويدعو السّلطاتِ الجزائرية إلى ضمان المساواة بينها وبين اللغة العربية، والسّماحِ الفوري بدخول المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وفرق الأمم المتحدة للإجراءات الخاصّة، والحديث عن العراقيل الإدارية التي تواجهها الأقليات الدينية، واحترام حرّية المعتقد لجميع هذه الأقليات.

 إنّ إقحام هذا البرلمان الأوروبي نفسه في مثل هذه القضايا يجعله يتجاوز مجالات اختصاصه، وينحدر بذلك السّقوط الحرّ من ادّعاءات التضامن الدولي إلى مستنقع التدخّل الأجنبي، والذي يتساوق مع مخططاتٍ تآمريةٍ أخرى تفرض المزيد من الضغط والابتزاز والحصار على الجزائر، فالحدود الشّرقية تصرخ بحجم التآمر والتلاعب بالملف الليبي، والذي يهدّد العمق الاستراتيجي والأمن القومي الجزائري، وفي الحدود الجنوبية هناك أكثر من 26 ألف عسكري من 95 جنسية بشمال مالي وهناك تواجدٌ أجنبي عسكري بشمال النيجر على بعد 200 كلم عن حدودنا، وفي الحدود الغربية هناك تفجيرٌ لقضية الصّحراء الغربية بتدخّلاتٍ غربيةٍ وصهيونيةٍ خطيرةٍ جدًا، وهي ردّة فعلٍ على موقف الجزائر من التطبيع، وهذا الاصطفاف المشبوه الذي يدفع باتجاه استنزاف الجزائر والمغرب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • جمال الجزائري

    بعض المعلقين مازالوا لم يفهموا ان بعض القضايا التي تثار للاستهلاك المحلي...لكي تعرف الفرق تابع اي قضيه باللغتين العربيه و الفرنسيه و حتى الانجليزيه لتكتشف التباين

  • جزاءري

    مضحك امر البرلمان الاوروبي . يتحدث عن الجزاءر وكانها مزرعة اوروبية يملكها اباؤهم الاوروربيون . ايها البرلمان الاوروبي نحن جزاءريون ولا دخل لكن البتة في ما يحدث في الجزاءر بين جزاءريين. هل نتدخل نحن في اوساخكظ الاخلاقية والاجتماعية والسياسية . هل نتدخل في القارة الاخلاقية اللتي تعم اوروبا شرقا وغربا . دعونا وشاننا فتدخلاتكم تدعو للغثيان .

  • نحن هنا

    اذا كانت الجزائر موقعة على اتحاد الشراكةبين الاتحاد الاروربي وبينها وأن قضية حقوق الانسان محورية في الاتفاق قأين المشكل؟ كنا نأمل أن تكون الجزائرهي السباقة للدفاع عن حقوق الانسان ورعايتها باعتبارموقعها وتاريخها المناهض لكل اشكال الظلم والهيمنة لا التنكر لها تحت أي ذريعة كانت أليس الرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل؟ ألم تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليق خيرا أوليصمت؟_متفق علية

  • طابوري

    إقحام هذا البرلمان الأوروبي نفسه في مثل هذه القضايا يجعله يتجاوز مجالات اختصاصه...
    لا بل مليون لا فالمادة 2 من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، تقول أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء وضع حقوق الإنسان، في قلب تعاونهم الجماعي والثنائي مع الجزائر. ويشمل ذلك التزامات الجزائر وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان ... الخ فعلى الجزائر أن تتحمل مسؤولياتها فاما تصادق على الاتفاقيات وتحترمها أو تنسحب منها والسلام وبالتالي فلا داعي للوم الاتحاد الاروبي أو البرلمان الأروبي فهو لم يقوم الا بتطبيق ما تمت المصادة عليه منذ 18 سنة

  • مواطن من باقي الوطن

    بكل تأكيد البرلمان الأوروبي يدافع عن مصالحه ومن أتباع مدرسته.. المشكل أين هو البرلمان المغاربي، البرلمان العربي، برلمان الدول الإسلامية ، برلمان الدول الإفريقية... لتدافع عن التيارات الأخرى..