-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عُذرا سيدتي

عُذرا سيدتي

ما حدث من رعب وترهيب لنساء، كان ذنبهن الوحيد، أنهن يشتغلن في قلب الصحراء الجزائرية في “مهنة المهن” التعليم، هو حصادٌ أسود لسنوات من الزرع العشوائي للطفيليات، الذي جعل الجزائريين يصحون على واقع مريب، أخرجهم بصعوبة من عنق زجاجة الإرهاب، وأدخلهم في زجاجة أخرى بحجم وطن يُطعَن من مجرمين هدفهم العيش على أشلاء الآخرين، وأحيانا يبيعون لنزواتهم وشهواتهم، أرواح الناس وشرفهم.

وإذا كانت فلول الإرهاب قد استأنست بالغابات والجبال والبيوت المهجورة واعتمدت على الشباب الضائع لأجل ممارسة الدمار، فإن الإجرام نما وبسرعة البرق في كل مكان، وانتشر مثل الوباء الفتاك بين مختلف شرائح المجتمع، وطالت فيروساتُه كل الأفراد من أثرياء وفقراء ومن نساء ورجال، وأخذ أشكالا نافست في قسوتها ما كان يقوم به الإرهاب، من اغتصاب واعتداء وتقتيل وتنكيل، وصار الخوف من أن يتمكن الإجرام من المجتمع، ويتحول إلى أمر واقع يتعامل معه الناس كما يتعاملون مع الحياة اليومية الطبيعية، ولا رجل رشيد يقرع وبعنف ناقوس الخطر.

يعلم الجزائريون أنَّ صمت الناس عن الإجرام من دون ردِّ فعل تجاه التجاوزات لا بالفعل ولا بالقول وربما حتى من دون أضعف الإيمان، هو الذي منح الجرأة لهؤلاء المجرمين الذين يمارسون السرقة أمام الملأ من خطفٍ للحقائب والهواتف المحمولة، ويمارسونها بتفاخر مثل حروب الشوارع التي صارت ميزة كل التجمُّعات السكنية الجديدة، وهو ما منحهم الجرأة فدخلوا عالمَ المتاجرة بالمخدرات بكل أنواعها والاغتصاب والتجارة في العملة والذهب وتهريب كل شيء بما في ذلك البشر والسلاح، ونخشى أن نفقد السيطرة على هذا “الوباء الأخلاقي” الفتاك، وسيكون التعقيم مستحيلا حينها.

لا يكفي التضامن مع ضحايا الاعتداء الذي وقع في منطقة ينهل منها الجزائريون حسن الأخلاق، وحب الناس لكتاب الله، ولا تكفي رسائلُ التضامن أو المنتديات التي تقام لأجل دراسة هذه الظواهر، التي مازلنا نقول إنها غريبة عن مجتمعنا، بالرغم من أنها عششت وأنبتت وصارت متنوعة إلى درجة أنه يُنسينا بعضها في كثيرها، من شدة تفرعها.

لا أدري لماذا تأخرت الجزائر ومازالت عن وضع قوانين صارمة للضرب بيد من حديد، كل من يجرأ على المساس بأمن المواطنين، ليس من خلال الاعتداءات الجسدية فقط، وإنما من خلال الإزعاج اليومي، فقد صرنا نصادف في طريقنا من ينصِّب نفسه ملكا للشارع وللطريق ومن يحرق الغابات ويهدم كل جميل في البلاد ويروّع العباد بسلوكاته، أمام صمتٍ لم يعد مفهوما من طرف عامَّة الناس، فغابت النصيحة والأمر بالمعروف، فكانت الجرائم الأخيرة نتاجا منطقيا لاستقالة الناس من لعب دور الراعي المسؤول عن رعيته، حتى وإن كان فردا بسيطا.

عذرا سيدتي يا من تعرَّضتِ للاعتداء، ليس لأنني كنت بعيدا عن موقع الجريمة أو قليل الحيلة والقوة، وإنما لأنني سقطت في وهن السلبية الذي أتعب المجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو هل نعيش عهد الحضارة أم في وقت الهمجية وإن اتفقنا على أن بلادنا استقلت من الاستعمار الغاشم منذ أكثر من نصف قرن.المبررات التي يرفعها البعض حول فقدان الكرامة الإنسانية التي تدفع الشعب المؤمن إلى حماية نفسه بنفسه من كل أنواع الطيش الاجتماعي تخالف قصدا التطرق إلى موضوع مدى فعالية الأجهزة الأمنية التي تقيمها كل دولة لخدمة مواطنيها أولها استتباب الأمن بين السكان جميعا.مع العلم أن تقاليدنا وعاداتنا توحي بوجوب الدفاع عن النفس لكن تواجد أجهزة الدولة تخول لها القوانين وحدها القيام بهذا الواجب الإلزامي.أين نحن؟