الرأي

عُقدة السيارة!

أرشيف

 لا حديث هذه الأيام في دواليب السلطة وبين عامة الناس سوى عن حكاية كيفية اعتماد وكلاء سيارات وطرق استيرادها من الخارج ونوع الماركات وثمن هذه الوسيلة الكمالية وليس الضرورية بالنسبة لغالبية الجزائريين الذين يوجد منهم الكثير من لا يمتلك شغلا وله سيارة يجوب بها الطرقات إما لحرق الأعصاب والبنزين أو كـ”بريستيج” لا أكثر ولا أقل، حتى أنك تخال بأن الجزائر التي هي في حاجة إلى ثورة شاملة من أجل النمو وتغيير الذهنيات ليس لها من مشاكل سوى السيارة السياحية التي صارت مشروعا كاملا لبعض المسؤولين وهمّا رئيسيا ووحيدا بالنسبة لبعض الناس، حتى لا نقول غالبيتهم.

يؤسفنا أن نقول إن الجزائري يستعمل السيارة أكثر من الشعوب التي تصنّع بلدانُها السيارات، ويستهلك الوقود الذي يستورده من الخارج أكثر من الدول التي تبيعه إياه، ويصنع بالسيارات مآسي حوادث المرور أكثر من أي سائق في العالم لهذه الوسيلة التي كان من المفترض أن تكون ضرورية ولكننا حوّلناها إلى همّ وحيد لمواطنين يعلمون بأن الهموم التي ورثوها طالت كل مجالات الحياة من مادية ومعنوية حتى تحوّلت السيارة إلى عقدة على مرّ العقود، من هوندا وريتمو زمن الشاذلي بن جديد إلى زمن وكلاء المستقبل الذين سيستوردون لنا السيارة من دون أن نعرفهم وهم يعرفوننا، ومن دون التفكير أو العمل على ثورة نقل كبرى تحقق للجزائري وسائل تحركه المنظمة والدقيقة والآمنة من قطارات عصرية وغيرها، وثورة وعي تجعل من السيارة ضمن اتهامات المواطنين ولكن ليست أول همّه أو الاهتمام الوحيد.

هناك ممارساتٌ كثيرة ورثها الجزائريون وساهم النظام من سبعينيات القرن الماضي، على أن يزرعها كعقدة مزمنة ومن دون علاج لدى الكثير من الأفراد، وجميعها تتعلق بالاستهلاك، فمن غير المعقول أن يصبح امتلاك سيارة بالنسبة لبعض المواطنين أولوية على امتلاك منصب عمل قارّ أو الحصول على شهادة تعليم أو تكوين، ومن غير المعقول أن يختصر “اجتهاد” بعض المسؤولين في كيفية استيراد السيارات من مختلف دول العالم المتطورة، ويرتقي فوق كيفية الخروج من أزمات التصنيع وفوضى الاستهلاك غير الراشد، الذي جعل الجزائري يستهل يومه بتناول فطور صباح كله من مواد مستورَدة من الخارج من حليب وسكّر وقهوة وقمح، ويرتدي ما جادت به مصانع النسيج العالمية، ثم يتوجّه إلى سيارته المستورَدة بقطع غيارها وأكسيسواراتها ووقودها، لينطلق إلى حيث مكان عمله غير المضمون، أو لحل مشاكل مفروضة عليه بسبب البيروقراطية المعششة مثل القدر المحتوم، وفي كل الأحوال لينطلق إلى حيث لا يدري.

سواء منحت اللجنة التقنية المكلفة بدراسة ومتابعة الملفات المتعلقة بنشاط وكلاء المركبات الجديدة، رخص الاستيراد لأربعة وكلاء أو للعشرات، وسواء كانت هذه السيارات من صنع أمريكي أو أوروبي أو ياباني، وسواء كانت جديدة أو عتيقة، فإن جعل هذا الملف أولوية بالنسبة للمواطن وللسلطة، هو عطلٌ آخر أو ربما سيارة تسير إلى الخلف أو في الاتجاه المعاكس للثورة التنموية التي صارت مسألة حياة أو موت.

مقالات ذات صلة