-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

غرداية..  وأسطورة ضاية التي سميت المدينة عليها

فاروق كداش
  • 2447
  • 0
غرداية..  وأسطورة ضاية التي سميت المدينة عليها

غرداية مدينة سحرها غامض لا تدري كيف تسكنك قبل أن تطأها قدمك، هي تغردايت العتيقة والعطف ويقرارن وبريان وات بنور وات يزجن وات مليشت.. من لم يزر غرداية فكأنه لم يزر الصحراء قط.. في ذرات الرمال تختفي أساطير غرداية وأسرارها، وفي شوارعها الضيقة تتوارى داية أو ضاية، سيدة غرداية الغامضة.. فهل هي حقيقة أم سراب واحة غناء وسط الكثبان الكئيبة.

الاصطلاحيون لا يقبلون تفسيرا آخر لاسم غرداية، من وحي خرافة أو قصة، بل يعتمدون على اللغة الميزابية لا غير. فغرداية، وتنطق تايردايت أو تاغردايت، ليست امرأة هاربة في غار مهجور، بل تعني القطعة المستصلحة الواقعة على حافة الوادي. وقد عممت لتشمل هذه التسمية جميع قرى الوادي، ولكن الأصل إطلاقها على مدينة تغردايت فقط، والدليل أنه توجد منطقة في ضواحي الأوراس تسمى بتغردایت. كما يطلق أمازيغ ليبيا على قطعة الأرض المستصلحة الواقعة على حافة الوادي اسم تقردایت.

ويؤكد الضالعون بتاريخ المدينة أن كل التسميات الأخرى محرفة مثل قرداية، غرداية، غارداية، غارضاية.

الرومانسيون الحالمون يرون بأن غرداية أسطورة تفسر اسمها. غرداية بالنسبة إليهم كلمة مكونة من كلمتين غار وداية، أو ضية ويمكن ترجمة “غرداية” على أنها “مغارة ضياء”.

تقول الأسطورة التي يتداولها البعض إن فتاة شابة ذات جمال بديع، تُدعى ضية، تورطت في علاقة حب عفيف أفضت إلى إهانة عشيرتها وتم طردها من قبل مجتمعها. وهامت ضية على وجهها وسارت في الدروب الموحشة، فعثرت على كهف محفور في كتلة صخرية عند باب الصحراء.

في المساء، للإضاءة وربما أيضًا لإخافة الحيوانات البرية، كانت ضية تشعل نارًا من الأغصان التي التقطتها من حولها. في أحد الأيام، مر من المكان المقفر مسافر اسمه سيدي بوقدمه، وهو رجل تقي جدا مشهور بطيبة قلبه، كان يقصد مقام أحد الأولياء الصالحين، فلاحظ دخانا يتصاعد من الكهف، فتوجس خيفة، لكنه استجمع قواه لاكتشاف سر ذلك الدخان المنبعث من داخل الكهف.. وظن أنه سيجد قطاع طرق أو ما شابه، غير أن مخاوفه تبددت حين عثر على فتاة ذات حسن وخلق كبيرين، فقصت عليه حكايتها ووعدها بأنه سيساعدها.. وعادت ضياء إلى أهلها، بعد أن توسط لها سيدي بوقدمة، لكونه رجلا ذا تقوى. بعد أيام، طلب سيدي بوقدمة يد ضياء للزواج، وقرر الزوجان الاستقرار قرب الكهف الذي التقيا فيه لأول مرة.. وتأسست المدينة التي حملت اسم غرداية في عام 1048.

تاريخ غرداية.. منارة مضيئة في صحراء قاحلة

عرفت غرداية حضارات تعود إلى عهد ما قبل التاريخ، وبالتحديد إلى فترة العصر الحجري الحديث، وهذا من خلال الاستكشافات الأثرية التي ثم العثور عليها، المتمثلة في بعض الصناعات الحجرية وبعض المعالم الجنائزية..

وعند قدوم العرب إلى شمال إفريقيا عام 84هـ – 703م، اعتنق الأمازيغ ديانة الإسلام وأسهموا في نشره، ولما ظهرت المذاهب الفقهية كان الأمازيغ، وهم السكان الأصليون لوادي ميزاب، وأسسوا بعض القرى التي عرفت بالتجمعات السكنية، حيث بلغت أكثر من 20 مجمعا سكنيا، اندثر معظمها. ومن أهم هذه القرى المندثرة التي احتفظت ببعض أطلالها، قرية تلزضيت، قرية أولال بواحة العطف، قرية تمزارت بنواحي وادي ازويل ببنورة، قرية اتنوخاي بجوار السد الكبير لبني يزقن، قرية ثلاث موسى بواحة بني يزقن، وقرية بوهراوة.

الميزابيون قاموا ببناء وتعمير قصور وادي ميزاب الحالية، لقد اختاروا هذه المنطقة كملجإ لهم، هروبا من مدينة تيهرت عاصمة الدولة الرستمية، بعد سقوطها عام 909م. وبعد رحلة من المعاناة والتجوال والبحث عن مكان آمن، تم اختيارهم لمنطقة وادي ميزاب، رغم انعدام جميع أشكال الحياة فيها وتميزها بالجفاف وندرة الموارد المائية وقسوة الطبيعة.

عمل الميزابيون على التعمير التدريجي للوادي مع مجيء حلقة العزابة، ابتداء من (القرن 10 الميلادي). وذلك بتأسيس الممارسات الثقافية والاجتماعية، وغرس مفهوم المؤسسة لدى سكان الوادي ودورها على النشاط الفردي والعشائري، وسن ضوابط كأساس لأي عمل. لقد نجح شيوخ الحلقة في إضفاء طابع حضاري على وادي ميزاب وخارجه، الذي امتد لفترة تزيد على عشرة قرون.

نص تاريخي للحسن الوزاني (حوالي 1552م) يقول فيه: “ميزاب منطقة مأهولة في قفار نوميديا، على بعد نحو ثلاث مائة ميل شرق تيكورارين، وعلى نفس المسافة من البحر المتوسط، تشتمل على ستة قصور، وعدة قرى، سكانها أغنياء، وهي أيضا رأس خط تجاري يلتقي فيه تجار الجزائر، بجاية بتجار أرض السودان”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!