الجزائر
متاجرة في النقاط.. أسئلة تعجيزية وأخرى تدعو إلى الضحك والسخرية

غش وحفظ أعمى.. ومبدأ رد البضاعة يهيمن على الامتحانات الجامعية

صالح سعودي
  • 4614
  • 14
أرشيف

تعيش هذه الأيام الجامعات الجزائرية على وقع إجراء امتحانات السداسي الأول، وسط طموح الطلبة في الحصول على أحسن النقاط من أجل النجاح، وبالمرة تفادي مختلف أشكال الحسابات التي تزج بهم في الامتحان الاستدراكي وتهدد موسمهم الدراسي بالخطر، يحدث هذا وسط إجماع على طغيان اللهفة في الحصول على أكبر عدد من النقاط، ولو على حساب التحصيل العلمي الذي يعينهم على حسن التكوين، قبل التحوّل إلى مجال العمل وشؤون التمهين.
لا تزال الصيغ التي تطرح بها أسئلة الامتحانات الجامعية تثير الجدل، خاصة في ظل طغيان الأسئلة المباشرة التي تشجع على الحفظ وتتسبب في انتشار، ما يجعل أغلب الطلبة يلجأون إلى الحفظ الأعمى بغية رد البضاعة كما تلقوها أول مرة، وآخرون يفضلون الغش بشتى أنواعه الشفوية والورقية والالكترونية، في إطار كسب المعركة وتفادي مختلف أنواع الرسوب والإخفاق، مادام أن الكثير وصلوا إلى قناعة بأن الامتحانات باتت نمطية، كما لم تعد حسبهم معيارا كافيا للفرز بين المجتهدين والساعين إلى كسب النقاط بالطرق المباحة وغير المباحة. وفي الوقت الذي تنتقد شريحة واسعة منطق أسئلة الحفظ التي يلجأ إليها عدد كبير من الأساتذة في إطار رد البضاعة دون أدنى اجتهاد، فإن فئة أخرى لم تخف استياءها من لجوء بعض الأساتذة إلى طرح أسئلة يصفونها بالتعجيزية، ما يجعل الحصول على المعدل في تلك المادة إنجازا لا يقدر بثمن، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات حول خلفيات هذا النوع من الأساتذة الذين كثيرا ما تسببوا في تحطيم مستقبل طلبة، وكأن ذلك يصنف في خانة تصفية الحسابات، حيث أكد الطالب (ف.ج) بأن هناك من يتلذذ وينتشي عندما يصيغ أسئلة للطلبة، هي من التعقيد بمكان، حتى لأنك تفكك طلاسم ثم يوزع عليهم ما جادت نفسه عليهم من الأصفار، متسائلا بالقول: “أليس الهدف من الدراسة هي ملء الحقيبة العلمية… علمونا أن النقطة هي الهدف والغاية، وتعلمنا من غيرهم أن الغاية تبرر الوسيلة، فاتخذنا الغش أسهل الوسائل وانتشر الغش حتى أصبح الأمر عاديا”.

أسئلة تثير الضحك وأخرى تدفع الطلبة إلى الجنون

ويقف الكثير من الطلبة على عديد المفارقات بخصوص طريقة تقديم الدروس في الحجرات والمدرجات، مثلما يندهشون من طرق الأسئلة المطروحة خلال الامتحانات، بعضها تثير الكثير من الضحك والسخرية، بسبب السطحية التي تغلب عليها، وأسئلة أخرى تؤدي بالطلبة إلى الجنون، بسبب التعمد في تعقيدها، وكأن الأستاذ في هذا الجانب يوظف جميع مساعيه من أجل تحطيم طلبته، حتى يقال عنه إن أسئلته ليست في المتناول، في الوقت الذي كان الأحرى حسب الكثير أن تكون الأسئلة وسطية، حيث لا تكون في خانة الاستغباء ولا تدرج ضمن خانة التعجيز، وفي هذا المجال تقول “ياسمينة أ”: “درست نظام كلاسيكي ثم عدت ودرست ماستر مع طلبة “ل م د”، حيث ذهلت حين وُضع أمامي الامتحان، وطلب منا الأستاذ تعريفات، كدت أجن في مستوى ماستر أمتحن في التعريفات، غير معقول أن ندرس ماستر ونمتحن في السطحيات”، فيما يذهب “محمد. أ” إلى القول: “لم يبق من الجامعة إلا اسمها وأسوارها، هناك قصص تحصل في الامتحانات تبين مستوى الانحطاط، أبطالها بعض الأساتذة المتقاعسين ونسبة معتبرة من الطلبة الذين يفتقدون إلى الأخلاق والضمير، هدفهم الحصول على علامة جيدة دون أدنى جهد، ويعتبرون ذلك حقا مشروعا، حيث يتنافسون في قاعات الامتحان بشتى الطرق من أجل الغش الذي أصبح علانية، ولما تذكرهم بـ (من غشنا فليس منا) تراهم يبتسمون ابتسامة عريضة ويقولون: يا شيخ واشبيك مازالك قديم”. أما “حمزة. ش” فيؤكد أن طريقة المطبوعات المنسوخة لا ولن تجدي نفعا، لأنها حسبه تفتقر لجوهر المادة العلمية، وسرعان ما ينساها الطلبة مباشرة بعد اجتياز امتحانهم، مؤكدا أنه يحبذ طريقة بعض الأساتذة الأكفاء المتمثلة في الإلزام بكتاب أو تلخيص مجموعة كتب، وهي طريقة أثبتت نجاعتها حسب قوله، أما “شاهين. أ” فيرى أن هناك خلل في كلا الطرفين، وفق ما اصطلح عليه بالمتاجرة والبيوع الفاسدة التي باتت تسود الجامعة، في ظل تقاعس الأستاذ وإهمال التلميذ، أما “جمال. ع” فخلص إلى القول بأن الطالب يأتي إلى الجامعة بهدف إكمال مساره الدراسي بوتيرة المرحلة الثانوية، فإذا لم يوجهه الأستاذ إلى حقيقة المرحلة الجامعية، ودوره في المجتمع والحياة في مجال تخصصه في المحاضرات الأولى، فلا يمكن تخريج جيل واع بدرجة النخبة.

طلبة يشتكون وطلبة يتألمون.. ولهفة النقاط تسبق التحصيل؟!

يطرح الدكتور رضا شعبان من جامعة باتنة عدة تساؤلات وإشكاليات حول متاعب التدريس الجامعي في الجزائر، حيث اختصرها في ثنائية “طلبة يشتكون وأساتذة يتألمون..!!”، مشيرا بأن الطلبة كثيرا ما ينتقدون الطريقة الكلاسيكية في التدريس والامتحان، فيما يتألم حسب قوله الأساتذة لحال بعض الطلبة داخل حجرة الدرس وفي ورقة الامتحان، ما جعل يطرح تساؤلا حول مكمن الخلل في هذا الجانب، مضيفا بالقول: “صحيح أن التدريس يجب أن يكون تفاعليا بين الأستاذ والطالب؛ يساهم كل منها في سير الحصة بفعالية.. صحيح أن الامتحان يجب أن يصاغ بطريقة تمكن الطالب من إبراز قدراته المعرفية والذهنية من تحليل واستقراء واستنباط… لا مجرد إرجاع البضاعة.. لكن الواقع خلاف، مؤكدا أن الأستاذ بات يلقن الطلبة الدروس كتلقين المعلم للتلميذ؛ ونادرا ما يناقش الطلبة المادة المعرفية الملقنة لهم… ربما لعدم التعود أو لفقد الآلية وقد يكون استبداد الأستاذ حائلا دون ذلك، وإن وجد نقاش فالقليل من الطلبة من يُفرح قلب الأستاذ بجده واجتهاده، في حين يوجد من أعمته حسب الدكتور رضا شعبان خلفيته الفكرية ومنعته حتى من حضور الدرس، ومنهم من ليست لديه ثقة في نفسه؛ فهو لم يصدق بعد نجاحه في البكالوريا ودخوله سور الجامع ، وفي كثير من الأحيان يجد الأستاذ نفسه مسايرا للغالبية غير المبالية على حساب الأقلية المجتهدة دون أن يشعر، وهذا ما يحتم عليه حسب محدثنا أثناء صياغة أسئلة الامتحان اللجوء إلى طلب بضاعته من الطالب بطريقة مباشرة تسهيلا على الغالبية وتخفيفا على نفسه عناء التصحيح أمام العدد الهائل للطلبة، وهو الآمر الذي لا يعني حسب الدكتور رضا شعبان عدم وجود بعض الأساتذة المقصرين أو المفرطين في القيام بواجباتهم تجاه طلبة يفترض أنهم في مقام أبنائهم، ليصل إلى قناعة بأنه حتى تستقيم الجامعة يجب أن يدرك الأستاذ والطالب وظيفتهما ودورهما في العملية التعليمية، مؤكدا أن فعالية الطالب تدفع الأستاذ إلى التجديد في طريقة التدريس وصياغة أسئلة الامتحان، وتخاذل الطالب يدفع الأستاذ إلى الركون للتلقين والسؤال عن بضاعته في نهاية السداسي.

مقالات ذات صلة