الرأي

غلاء الرخس!

عمار يزلي
  • 3732
  • 0

كما كان متوقعا، بدأ العد التصاعدي في عدادات الكهرباء والوقود بدءا من الساعة الأولى لدخول رأس السنة الجديدة “حيز التنفيذ”! أي في الوقت الذي كان فيه الكثير يخرجون إلى الشوارع ليجاهروا بالسوء واحتساء الخمور والصخب والنخب على الرحب “احتفالا” بقدوم سنة، ستجعل سراويلهم تهبط إلى أسفل! في هذا الوقت بالذات، كانت الزيادات تدخل فعليا على المواطن المشغول عقله بفرح “ذر الرماد في الأعين”!

أفقت، لأجد البلد قد تغير بين عشية وضحاها! لم أتعوّد أن أرى ما أرى الآن! هل أنا “منتشي” بأقراص الإكستازيا أم بخمور “الأندرينا” حتى أرى هذا التحول العجيب؟! الشعب الجزائري، صار كله مبرمجا إلكترونيا من خلال شريحة زرعت له تحت جلد الرأس! وقع هذا في مداهمات ليلية للبيوت وفي المطارات وفي الشوارع، وكأنك في فيلم رعب من نوع الخيال! شركة أمريكية ضخمة هي من تولت ربط “شبكة الشعب” بحاسب مركزي الكتروني عملاق مربوط بدوره بالبنوك وبالمؤسسات الأمنية والإدارية! كل مواطن صار مضبوطا بشريحة تصدر أية معلومة يقوم بها، إلى الأجهزة المختصة! الأكثر من ذلك، أن المواطن صار يدفع ثمنا عن كل زفير وكل شهيق، بمعدل دينار لكل لحظة تنفس! مما جعل المواطن بعد شهر يلمس خصما من مداخله في المصارف والبنوك والبريد لا يقل عن سعر استهلاكه للكهرباء، لمست هذا من خلال وقوفي على الوضع في نهاية الشهر، لأنه في دقيقة واحدة، رأيت العام يمر كأني أقرأ المستقبل، بل أراه!

الزفير والشهيق، صار يعد بالوحدات! الكلام أيضا صار المواطن يدفع عليه فلوسا! “اللي يهدر بزاف، يخلص بزاف، الكلمة الواحدة تعد “إينيتي”! انتهى زمن “تشراك الفم” والثرثرة وحديث المقاهي المجاني! لا مجانية بعد اليوم، لا في التنفس ولا في الكلام ولا حتى في الذهاب إلى المرحاض! كل ما تقوله أو تتنفسه أو تدخله أو تخرجه، تخرج عليه “إتاوة، طاكس”، تخصم مباشرة من حسابك وإن انتهى مخزونك المصرفي يحسب لك دينا عليك، إن لم تدفعه في أجل 3 أشهر تدخل السجن! السجن بلا ماء ولا أكل ولا شراب، مما يعني الموت بعد 40 يوما! لهذا فتحت أفران لحرق الجثث حتى لا تضيع الأراضي، في المقابر وهذا بعد صدور قانون برلماني يمنع إنشاء مقابر جديدة، وبيع كل مقبرة زاد عمرها عن 50 سنة إلى الخواص من أجل إنشاء مستثمرات زراعية وصناعية وخدماتية وملاهي وأحياء لبقايا الأموات!

وجدت نفسي من حيث لا أعرف كيف، أقف مع الآلاف من المواطنين الذين جاؤوا للاحتجاج على فواتيرهم الالكترونية التي يمكن قراءتها وطباعتها من خلال “البلوتوت” المربوط بالشريحة المسماة “MN ” (“منكر ونكير”)، وتعالى لتسمع الهم: هذا يقول لك: والله ما فتحت فمي إلا كل 3 دقائق! فسجلت “لابيس” علي أكثر من ذلك! واحد آخر قال لهم: أبي مات بعدما كتم أنفاسه لكي لا يدخل السجن لأن رصيده البنكي كان منتهيا، فمات فجاءت الفاتورة بأنه كان “يتنفس الصعداء”! واحد آخر راح يحتج: أنا لم أدخل المرحاض منذ 4 أيام! مع ذلك سجل علي إتاوة بألف دينار! كانوا يتكلمون أكثر بالإشارات (“يبيبيوا”!) حتى لا تضيع أموال الهدرة في الفراغ! والبعض كان يقسم أنه سينزع “لابيس”، ويموت وبحر عليه! الموت حيا ولا الحياة ميتا!

وأفيق شبه مختنق! لقد قطعت أنفاسي حتى أني انفجرت وأنا أستيقظ: بلووووف! 

مقالات ذات صلة