-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فارسٌ ترجّل

فارسٌ ترجّل

قال الشاعر: “إنّ الحياة عقيدةٌ وجهادُ”.
إنّ الحياة المادية قدْرٌ مشترك بين الحيوانات عاقِلها وغير عاقلها، فالكلّ يولَد وأكثرهم يلِد، ويأتي عقلاؤها ما يأتيه كلُّ حيٍّ من الأمور التي جعلها بارئُ كلِّ شيء سببا لما يقضيه هذا الحيُّ من مدّة في هذه الحياة.. ولكنّ هؤلاء الأحياء يختلفون فيما يصدُر عنهم من أقوال وما يأتونه من أفعال، حسنة أو سيئة، خيّرة أو شرّيرة.
أحدُ هؤلاء المتميّزين أقوالا وأفعالا لمدّةٍ تجاوزت نصف قرن هو الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، الذي جاء أجلُه فالتحقت وَرْقاؤُه بعالمها الأسمى، ودُسّ جثمانُه في التراب، وسيصبح بعد أمّةٍ عظاما نخرة لا يبقى منها إلا ما سمّاه أفضلُ الأنام –عليه الصلاة والسلام- “عُجْبُ الذَّنَب”، ولكنّ آثار الدكتور يوسف ستبقى محلّ اهتمام العلماء والمفكّرين حينا من الدهر، وسيشغلهم ميتا كما شغلهم وهو حيٌّ، وسيكون منهم الموافِق والمخالِف، وتلك طبيعة البشر.. “وكفى المرء نبلا أن تُعَدَّ معايبُه”.. ومن كان بلا خطإٍ فليرجمه بحجر، كما قال سيّدُنا عيسى –عليه السلام- عن المرأة التي سلقتها ألسنةٌ حِداد.
ما إن بلغ القرضاوي أشدّه حتى استيقن أنّ له دورا يجب أن يؤدّيه، وعليه واجبا لا بدّ من القيام به، وأنّ هذا الدور ليس محدودا بحدود مصر، ولكنّه ممتدٌّ بامتداد العالم الإسلامي، وأدرك أنّ علّة عِلل هذا العالم هي أنّه اتخذ هذا القرآنَ مهجورا، هجرا قوليا، أو فعليا، أو تدبّريا، واستبدل به الذي هو أدنى، فكانت معيشتُه ضنكا، ولا مخرج له منها إلا بـ”الحل الإسلامي” وقد بيّن “بيّناتِه”.
لم يحصر القرضاوي نفسَه في مجال معيَّن، بل عاش هموم الأمة الإسلامية جميعا، وأدلى بفكره وقلمه ولسانه فيما رآه حلا لهذه الهموم ومعالجة لها.. فانقسم الناسُ فيه بين مؤيّد له ومعارِض.. وتلك سُنّة الله فيمن خلق، إذ لا يزالون مختلفين في الحقّ وفي الباطل.
بين يديَّ كتابٌ ضخم (أكثر من 1000 صفحة من المقاس الكبير) كتبه عنه عارفوه بمناسبة بلوغه السبعين، وقد تفضّل الدكتور يوسف فأهدى إليَّ نسخة صدّرها بالكلمة التالية: “الأخ الكريم، والصديق الفاضل، الأستاذ محمد الهادي الحسني، حفظه اللهُ ورعاه، مع خالص الوُدّ والتقدير والدعاء. في 27/5/2005”. وفي هذا الكتاب الضخم آراء صفوة علماء الأمّة ومفكريها في القرضاوي، وهي آراء تجمع على أنّ القرضاوي ليس كأحدٍ من العلماء، فقد آتاه اللهُ ما خدم به دينَه، وأمّتَه.. ولم يكلّ في ذلك حتى أتاه اليقينُ..
لقد كانت كتبُ الدكتور القرضاوي من أمضى أسلحتنا ضدّ “الحُمر” عندما كنّا طلبة نواجه الغزو الفكري المستشري في الجامعة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
لقد كانت للجزائر مكانةٌ عالية وقيمة غالية في فكر الدكتور القرضاوي، ولجهادها في سبيل الإسلام واللغة العربية، وكان لفرْقديها –ابن باديس والإبراهيمي- تقديرٌ عظيمٌ عنده لفكرهما وجهادهما.
رحم اللهُ الدكتور القرضاوي، وجازاه عن دينه وأمّته خيرا، وألهمنا التوفيق والرشاد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!