الجزائر
علماء ومشايخ حذروا من تأثيرها على المجتمع

فتاوى “تهريجية” تغزو القنوات وتتلاعب بالدين!

كريمة خلاص
  • 7392
  • 21
ح.م

تحوّل مجال الفتوى في بلادنا إلى “سيرك” كبير بسبب خرجات شاذة لبعض من يحسبون على “رجال الدين والعلم” وانتشار فيديوهاتهم الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال إسداء رأيهم في أسئلة تصلهم من قبل مواطنين بأسلوب تهكمي وهزلي صنع الفرجة في كثير من الأوساط وتداول فيديوهاته كثير من النشطاء، لكنه بالمقابل أحرج السائلين وجعل منهم أضحوكة ومسخرة لغيرهم وأكثر من ذلك نالهم من النهر والزجر ما يخالف تعاليم ديننا الحنيف الذي “يحتكمون” إليه في أجوبتهم.

ويبدو أنّ هذا الأسلوب رفع نسب المشاهدة فتبناه وسار على نهجه آخرون، ما يفرض تدخلا عاجلا وصارما للسلطات الوصية وعلى رأسها وزارة الشؤون الدينية لوضع حد لهذه الفوضى العامة التي أخلطت حسابات كثير من الجزائريين ومست بسمعة الأئمة والدين وهزت الثقة في الفتوى والمفتين.

هؤلاء مهرجون حوّلوا الإمام إلى أضحوكة وزعزعوا الثقة في الفتوى

وبرأي كمال تواتي إمام مسجد الإصلاح بالمدنية في العاصمة فإن “هناك اتجاها غامضا مقصودا في بلدنا يهدف إلى تقوية جناح على حساب آخر باسم التقدم والعصرنة وليس الوسطية والاعتدال”. وحسبه، فإن تجربة العشرية السوداء التي مرت بها بلادنا أفرزت تخوفا لدى الشعب من كل ما هو ديني أو حكومي أو سلطوي وهذا مغروس،كما قال، في جيلنا دون شعور، ما أفرز على الساحة الإعلامية الدينية “مهرجين” بامتياز بعيدين كل البعد عن الإسلام الصحيح، فلا هم أتقنوا لغة عربية ولا تمكنوا في مجال القرآن والسنة والفقه.

وألقى محدثنا باللوم على القنوات والجهات التي تستدعي هؤلاء وتمنح لهم الفرصة للبروز وكل همها رفع نسب المشاهدة.

وانتقد الإمام تواتي الإساءات والأسلوب الزاجر الساخر لهؤلاء في ردهم على ما يصلهم من بريد المشاهدين، مؤكدا أنه “هتك ستر وعرض لما ائتمنوا عليه من أسرار”.

وأقسم محدثنا بالله على أن أمثال هؤلاء سيسألون عن فقد الناس للثقة في الشيوخ والأئمة وكيف أنهم حوّلوا بسلوكهم هذا الإمام إلى أضحوكة لدى الآخرين بعد أن هزّوا صورة الإمام في المجتمع وأفقدوا الناس الثقة في أهل الفتوى وحمل في الأخير تواتي المسؤولية لكل من يشترك في هذا الفعل أو يسمح به من قنوات إعلامية وصفحات لمواقع التواصل الاجتماعي وكذا لأبناء المجتمع الذين يقبلون بانتشار مثل هذه السلوكات وكذا الجهات المستفتية التي قبلت بأن تكون مسخرة وأضحوكة.

فوضى الإفتاء خطأ يخشى تأثيره على مكانة الفتوى

من جهته موسى إسماعيل أستاذ بكلية الشريعة في جامعة الجزائر أكّد أنّ “منصب الفتوى ليس بالمنصب الهين ويجب أن يتمتع المفتي بثقل الجانب الديني واحترام من قبل المشاهدين والمستمعين والعامة”.

وتأسف إسماعيل لتحوّل المفتي إلى محل سخرية واستهزاء وهو ما جعله يخشى من تأثير ذلك على منصب الفتوى في بلادنا.

وذكر المتحدث بأن الظاهرة ليست حكرا على بلادنا بل تتعداها إلى عديد الدول المسلمة الأخرى حيث يتصدر هؤلاء المفتون الواجهة والساحة الإعلامية.

وأكد المتحدث أن ارتفاع نسب المشاهدة التي تحصدها تلك الفيديوهات سواء على مستوى القنوات أو مواقع التواصل الاجتماعي لا تعود إلى مضامين الفتوى وإنما من أجل الترفيه والترويح الذي يجده فيها متابعوها، غير أن الأصل في الفتوى هو الإخبار بالحكم الشرعي وفق طريقة معينة.

من جهة أخرى، يقول المتحدث ذاته، إن حصص الإفتاء تتميز بالوقار والمكانة العالية وعادة لا يتم تداول فيديوهاتهم بشكل واسع.

واعتبر موسى إسماعيل ما يحدث من “فوضى الإفتاء” في بلادنا خطأ في الطريقة بأكملها لأن الغرض هو إفادة المشاهد بالمعلومات الصحيحة وليس المراهنة على المضمون نسب المشاهدة، وهو ما جعل الأمور الدينية تستغل في أشكالها الحالية.

الفتوى أصبحت سوقا رائجا للمتعيشين باسم الدين والبطّالين

وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور نصر الدين ورّاش، أستاذ في أصول الدين بجامعة الجزائر وإمام بالمسجد المركزي لبوزريعة أنّ الفتوى مقامها عظيم في الإسلام لبيان ذلك في قول الرسول عليه الصلاة والسلام “من أفتى فقد وقّع عن الله” لذلك نجد أنّ كثيرا من كبار علماء السلف الصالح كانوا يتحاشون الخوض في الفتوى وعلى رأسهم الأئمة الأربعة، رغم ما لهم من طول باع في العلم والفقه.

وتأسف الإمام والأستاذ لما آلت إليه أوضاع الفتوى في بلادنا حيث قال: “للأسف الشديد أصبحنا نرى في هذا المشهد البائس أن الفتوى أصبحت مرتعا يخوض فيه كل أحد بعلم أو بجهل، بل أصبحت سوقا رائجة لفئة من المتعيشين باسم الدين ومن الذين جعلوا الفتوى مجالا لتشغيل بعض البطالين”.

الوضع العام هذا حسب محدثنا جعلنا نسمع فتاوى عجيبة غريبة لا تمت للدين والعلم والفقه بصلة.

وأضاف المتحدث: “لا بد أن نسجل المسؤولية الدينية والأخلاقية والعلمية لبعض القنوات الخاصة التي فتحت الأبواب لبعض المطرودين من المدارس الذين ظنوا أنّ التأهل للفتوى يكون بمجرد إطلاق اللحى ولبس العمائم”.

ودعا الإمام وراش إلى ضرورة تدخل الدولة لتنظيم الفتوى وإعطاء الكلمة لوزارة الشؤون الدينية لتحديد المتأهلين للفتوى ووضع حد لفوضى الفتوى التي تحولت إلى مجال تهريج ومسرحيات تضحك الناس أكثر مما ترشدهم”.

مقالات ذات صلة