الرأي
إلى المتخاذلين عن نصرة النبيّ الكريم

فجر الأمّة سيقطع نومكم والتاريخ لن يرحمكم

سلطان بركاني
  • 5207
  • 7
الأرشيف

لا ضير أن يغلق ملفّ القضية مرّة أخرى من دون أن يصدر أيّ حكم في حقّ الجناة، ولا غضاضة أن تُبتلع الغصص والحسرات، بِرِيق يحلّيه أمل يهزّ قلوب المسلمين والمسلمات، في غد مشرق تزول معه ظلمات الذلّ والمهانات، وتُرفع فيه الأستار عمّن باعوا دينهم بدنيا غيرهم من أهل الدنيات.

الأحداث تمضي وتُطوى، ولكنّ التّاريخ سيسجّل بأحرف لن تمحى، مواقفَ كثيرةً لعلّه لم يكن في حسبان أصحابها أنّها ستسجّل عليهم في جبين الزمان، لتقرأها الأجيال المتلاحقة وتصاب بالذّهول والاستهجان، لتلك المواقف التي تدلّ على همم أحطّ من همّة الجعلان .

سيسجّل التّاريخ أنّه في مقابل ملايين المسلمين الذين خرجوا في مشارق الأرض ومغاربها يرفعون اللافتات والشّعارات ويصدعون بالهتافات، نصرة لحبيبهم الذي أخرجهم بإذن الله من الظّلمات، ويطالبون بمحاكمة المتطاولين على الرّسول، ويسجّلون مواقف جعلت العالم يحتار ويتساءل في ذهول: أيّ رجل هذا الذي خرجت لنصرته كلّ هذه الحشود؟ وأيّ معلّم هذا الذي ربّى أمثال هؤلاء الأسود؟ ماذا لو استطاعوا تحطيم الأغلال والقيود؟ ماذا لو أمكنهم اختراق الحدود؟ كيف سيكون مآل دولة البروتوكولات والتّلمود؟ . 

في مقابل هؤلاء سيسجّل التاريخ أيضا أنّ كثيرا من المسلمين ممّن ابتُلوا بطغيان الحاسّة الهضمية ومَوت الحاسّة الدينيّة، قعدوا مع القاعدين، وأبوا أن يقدّموا شيئا لنصرة خاتم النبيين، لم تقلقهم الإساءات ولم تحرّكهم الاستفزازات، لم تدمع لهم عين ولم يعرق لهم جبين، غاية همّ أحدهم أن يسلم له مطعمه وأن ينال من هذه الدّنيا مطمعه، حالهم كما قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: “وهل بلية الدّين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟، وخيارهم المتحزّن المتلمّظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذّل وجدّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثّلاثة بحسب وسعه  . وهؤلاء -مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم- قد بُلوا في الدّنيا بأعظم بليّة تكون وهم لا يشعرون، وهي موت القلوب؛ فإنّ القلب كلّما كانت حياته أتمّ كان غضبه لله ورسوله  أقوى، وانتصاره للدّين أكمل”.

بعد 10 قرون: التاريخ يشهد عودة ملوك الطّوائف

لقد صدق في حقّ كثير من المتخاذلين والمثبّطين من أبناء هذه الأمّة قولُ الإمام ابن حجر العسقلاني عليه رحمة الله: “النّاس على دين ملوكهم”، وقد تحدّث بعض العلماء عن صدق هذا المثل في كثير من الأزمان، فعلى عهد الدّولة الأموية مثلا: لمّا كانت همّة الوليد بن عبد الملك في البناء والعمران، كان النّاس كذلك؛ يلقى الرّجلُ الرجلَ فيقول: ماذا بنيت؟ ماذا عمرت؟، ولمّا كانت همّة أخيه سليمان بن عبد الملك في النّساء والطّعام، كان النّاس كذلك؛ يلقى الرّجلُ الرجلَ فيقول: ماذا عندك من الإماء؟ ما كان عشاؤك؟، ولمّا كانت همّة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن وفي الصّلاة والعبادة، كان النّاس كذلك؛ يلقى الرّجلُ الرجلَ فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كلّ يوم؟ ماذا صلّيت البارحة؟.

سيسجّل التّاريخ أنّ بعض حكّام المسلمين في هذا الزّمان لم ينتصروا لنبيّ الأمّة، وإنّما انتصروا لأمريكا من شعوبهم التي أزعجت السّاحرة التي أيقنت حتفها، ووقفوا مواقف تدلّ على أنّ الدّين أصبح آخر شيء يشغل بالهم.

مواقف حكّام المسلمين إزاء الإساءات المتكرّرة التي تستهدف الإسلام ونبيّه عليه الصّلاة والسّلام أعادت إلى الأذهان حال المسلمين في الأندلس في القرن الخامس الهجريّ على عهد ملوك الطّوائف الذين وصف الإمام ابن حزم حالهم فقال:”والله لو علموا أنّ في عبادة الصّلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدّون النصارى، فيمكّنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم، يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربّما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس“.

ولبعض العلماء والخطباء نصيب من لسعات التاريخ

لعلّ موقف بعض حكّام المسلمين على فداحته، يهون أمام موقف بعض العلماء الذين كانوا في بياناتهم وفي تصريحاتهم أحرص ما يكونون على عدم إحراج ولاة الأمر، وأحرص ما يكونون على عدم جرح مشاعر أمريكا التي لا تحبّ أن تسمع عبارات تتجاوز تقديم أخلص التعازي لمقتل سفيرها في ليبيا.

موقف الحكّام يهون أيضا أمام موقف بعض خطباء الأمّة الإسلاميّة، الذين أبوا إلا أن يتأدّبوا بأدب الرعية، وجلسوا ينتظرون إذنا من رعاتهم لنصرة خير البريّة، ولمّا لم يأتِ الإذن أحجموا عن الكلام، خوفا من محذور الخروج باللّسان على الحكّام!.

لقد أصبت بصدمة عصبية، كما صدم غيري ممّن تابع خطبة الحرم المكيّ الجمعةَ قبل الماضية، وأنا أسمع خطيب أهمّ منبر في العالم الإسلاميّ، يحجم عن الحديث في النّازلة التي ألمّت بأحباب خير نبيّ؛ ففي الوقت الذي كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها تغلي الدّماء في عروقهم، وينتظرون خطبةً تزيح عنهم شيئا ممّا ألمّ بهم، خرج خطيب أفضل مسجد على وجه الأرض ليحدّث العالم عن اللّغة العربيّة ومكانتها، ولم يشر أدنى إشارة إلى الجريمة المنكرة التي أدمت القلوبَ لبشاعتها، وإنّما اكتفى في آخر خطبته ببعض الدّعوات، على من أساء إلى نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام أرفقها ببعض الدّمعات، ليبعث للعالم رسالة مفادها أنّ المسلمين ما عادوا يملكون غير الدّعوات والدّمعات!.

ولم يختلف موقفُ خطيب المسجد النبويّ في مدينة النبيّ العدنان؛ الذي اختار أن يتحدّث في تلك السّاعات العصيبة عن وساوس الشّيطان، واكتفى هو الآخر في آخر خطبته ببعض الدّعوات، على من آذى نبيّ الرّحمات، أرفقها ببعض الدّمعات. لم ينس الخطيب طبعا الدّعاء للملك ونائبه وبطانته من أصحاب المعالي والفخامات، ولكنّه ربّما نسي أنّ الذي أسيء إليه هو صاحب ذلك الجسد الشّريف الذي لا يبعد عنه سوى خطوات معدودات، ذلك الجسد الذي لا يزال غضا طريا كما دفن قبل 1422 سنة من الآن.

مقالات ذات صلة