فزاعة ربيع دموي في الجزائر
يحق للوزير عمار غول أن يحذّر الجزائريين من الانزلاق إلى “ربيع دموي ثان”، يُراد لبلدهم، قصد تدميره وتفتيته، كما حدث في بلدان عربية أخرى خلال “الربيع الدموي الأول”، وأن يدعوهم إلى الحفاظ على استقراره. فما حدث في العشرية الدموية، ينبغي أن يكون درسا يحول دون أي انزلاق جديد باتجاه العودة إلى تلك المأساة.
لكن ليس من حق الوزير أن يحمّل المعارضة مسؤولية غليان الشارع بعد المصادقة على قانون المالية 2016؛ فليس نواب المعارضة من صادق على هذا المشروع الخطير الذي يفتح الباب لارتفاع مجمل الأسعار، ولخصخصةٍ متوحّشة تمنح لرجال المال المشبوه إمكانية امتلاك أي مؤسسة عمومية بعد 5 سنوات من فتح رأسمالها، وتترك الباب موارَبًا حتى للأجانب لامتلاكها تحت غطاء الجنسية المزدوجة.
نواب الموالاة هم الذين مرّروا هذا القانون غير الشعبي، وأثاروا سخط الموطنين فأقدموا على وضع صورهم في فايسبوك والتشهير بهم على طريقة المطلوبين للعدالة، ما يعني أن الشعب ينظر إلى تمرير بعض مواد قانون المالية المتعلقة برفع أسعار بعض المواد وبيع الشركات العمومية دون خطوط حمراء إلى ذوي المال المشبوه، جريمة في حق الوطن والشعب لا يمكنه السكوتُ عنها.
لو كانت السلطة تعقِل لراجعت المادة المتعلقة برفع أسعار الوقود والكهرباء قبل عرضها للتصويت، ولما عرضت أصلاً المادة 66 على التصويت حفاظاً على الاستقرار الاجتماعي في هذا الظرف العصيب، ولكنها ركبت رأسها واستسلمت لرغبات رجال الأعمال المتعطشين إلى امتلاك المؤسسات الكبرى بأي طريقة. فهم يريدون الحصول عليها بأثمان بخسة، عوض استثمار أموال ضخمة في إنشاء شركاتٍ مرموقة مُنتِجة للثروة ولمناصب الشغل معا. وقد رأينا في التسعينيات كيف كان بعضهم يقدّم عروضا مالية هزيلة لشراء شركات عمومية متوسطة، فمُنيت الخصخصة بفشل ذريع، واليوم يُراد إحياؤُها في زمنِ تغوّل رجال المال وبداية زحفهم على مراكز القرار السياسي. وللأسف، فقد قبل أغلب نواب الموالاة الاستسلام لهم عوض أن يكونوا في صفوف الشعب، غير مبالين بعواقب ذلك على الاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي.
إذا كان غول حريصا فعلاً على استقرار البلد، فليكفّ عن إشهار فزاعة “الربيع العربي” لتخويف الجزائريين، ولينصح هذه السلطة بالكفّ عن تبنّي سياساتٍ خطيرة، وتمرير قوانين غير شعبية بالاعتماد على أغلبية برلمانية مصطَنعة. فالجميع يعلم كيف وصلت هذه “الأغلبية” المزعومة إلى البرلمان بغرفتيه، وظروف إجراء الانتخابات منذ نوفمبر 1995 إلى الآن. غليانُ الشارع تسبّبه هذه السياساتُ الاستبدادية في تسيير الشأن العام، وليس تأليب المعارضة كما يزعم غول والمتمركزون في حواشي السلطة.
وإذا كانت المادة المتعلقة برفع أسعار بعض المواد والرسوم والضرائب قد أصبحت أمرا واقعا، فإنه يمكن الامتناع عن تنفيذ المادة 66 على الأقل في انتظار قانون المالية التكميلي لإلغائها، أو بإعادة صياغتها باتجاه فتح جزئي لرأسمال بعض المؤسسات المتوسّطة. ونأمل أن يفعلها الرئيس بوتفليقة ويجمّد هذه المادة، كما فعلها من قبل حينما ألغى قانونَ شكيب، المتعلق بالتنازل عن 75 بالمائة من أرباح بعض حقولنا النفطية للشركات الأجنبية. ويبقى بصيص الأمل قائماً.