الرأي

فسخ “عقد الإذعان” مع الاتحاد الأوروبي

حبيب راشدين
  • 2461
  • 10
ح.م

تُوِّجت، أمس، فعاليات الحملة الانتخابية بتنظيم مناظرة بين المتنافسين هي الأولى من نوعها منذ بداية التعددية، لا يتوقع لها أن تضيف الكثير لما صدر عن المرشحين من مواقف، وبرامج، ومقاربات لتجاوز أزمات البلد، وليس بوسع السائل فيها والمسؤول أن يقترب من الأسئلة الجوهرية التي كانت ستحسم عند الناخب خيار المشاركة من عدمه في استحقاق الخميس القادم بإثارة الاستحقاقات الدولية التي تنتظر البلد وعلى رأسها مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يهدد البلد ابتداء من السنة القادمة بتفكيك قطاعاته الاستراتيجية وتحويل السوق الجزائرية إلى مرتع دون راع للافتراس المنظم.

أشياء كثيرة قيلت لصالح خيار الخروج من الأزمة بتنظيم الرئاسيات وإعادة إعمار موقع الرئاسة، واستمعنا من الفريق المعارض للانتخابات وجهات نظر تنتصر كذبا لمبدأ سيادة الشعب وسلطته التأسيسية بحرمانه ولو بالقوة من حق التعبير عبر صناديق الاقتراع، وقد احتاط الفريقان لحرف الأنظار عن الأسباب الوجيهة التي كانت ستقنع الناخب إما بالمشاركة بقوة في إنجاح الاستحقاق أو إفشاله بالمقاطعة في الحد الأدنى.

ليس من باب الصدفة أن يتبنى البرلمان الأوروبي ذلك الموقف الغريب الرافض للانتخابات، ويتدخل بوجهٍ سافر في الشأن الداخلي لبلد سيد، لولا أن جهة وازنة في الاتحاد الأوروبي باتت ترى في نجاح الاستحقاق الرئاسي القادم تهديدا لمصالحها، سواء في علاقاتها الثنائية مع الجزائر أو في ما تحقق لها تحديدا في اتفاق شراكة مجحف يعِد بتفكيك المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة على السواء.

وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها، فإنَّ الطرف الأوروبي الوحيد الذي باتت مصالحه مهددة بما رُفع من شعارات معادية له بوصفه المحتل السابق، ولوكلائه المقاولين له في الداخل، فإن فرنسا التي كانت أكثر الدول الأوروبية استفادة من اتفاق الشراكة، كانت تراهن في السر على تمديد عمر الأزمة الناشئة لكسب الوقت، وتفويت الفرصة على السلطات الجزائرية لمراجعة الاتفاق قبل نهاية السنة القادمة، التي كانت ستنتهي معها المهلة التي مُنحت للجزائر قبل إلزامها بفتح سوقها بالكامل لسلع وخدمات المؤسسات الأوروبية خارج الحماية الجمركية ومن دون أي معوق.

اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كان سيُفضي إلى تفكيك ما ورثناه من مؤسسات عمومية، حمت القطاعات الاستراتيجية من افتراس القطاع الخاص الوطني والأجنبي، بفتح قطاعات الطاقة، والبنوك، والمواصلات، والاتصالات، للمنافسة التي لم يحضر لها، لا القطاع الوطني العمومي المكبَّل بالأعباء الاجتماعية، ولا القطاع الخاص الكمبرادوري الملغم بالفساد، وما لم يسارع الرئيس القادم إلى فسخ هذا العقد المجحف، واستبداله بعقد شراكة جديد أكثر إنصافا، أو ببناء شراكات ثنائية مع كل بلد أوروبي على حدا، فإن أغلب القطاعات الاستراتيجية سوف تكون تحت التهديد؛ فلا سوناطراك، ولا سونالغاز، ولا الخطوط الجوية، ولا منظومتنا المصرفية العتيقة، ولا الشركات العاملة في حقل الاتصالات، قادرة على مواجهة منافسة الشركات الأوروبية، كما ليس بوسع القطاع الخاص في الإنتاج والخدمات، القدرة على التنافس الجادّ مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي.

وبوسعنا منذ الآن – إن لم يبادر الرئيس القادم إلى فسخ هذا العقد- أن نعين للبلد قائمة مفتوحة من القطاعات الإنتاجية والخدمية، التي سوف تفكَّك بوتيرة هندسية في بحر سنوات قليلة قبل أن يرتدَّ لنا طرف، وبالنظر إلى الخسائر التي تكبدتها الجزائر من اتفاق الشراكة، حتى قبل تنفيذ ما علينا فيه من التزامات ابتداءً من السنة القادمة، فإن أكبر جرم ارتكبه النظام الساقط، لم يكن في ما يعرض اليوم من ملفات فساد على القضاء، بل كانت جريمته الكبرى في إبرام عقد شراكة مجحف، غايته النهائية: تفكيك القطاع العمومي الاستراتيجي، وسحق القطاع الوطني الخاص، برفع الحماية والدعم عنهما، وتحويل البلد إلى سوق مفتوحة للافتراس الأوروبي.

ولو لم يكن بأيدينا سببٌ آخر غير تأمين البلد من تبعات هذا الاتفاق، لكنا قبلنا دون تردد بتنظيم الرئاسيات بما توفر لها من شروط وبمن حضر من المتنافسين والناخبين، مع الاحتفاظ بحَراك الشارع كقوةٍ ضاغطة على الرئيس القادم، تُلزمه فور استلامه للولاية بدعوة الاتحاد الأوروبي إلى طلاق بالحسنى إن شاء، أو إلى بناء علاقات جديدة أكثر إنصافا.

مقالات ذات صلة