فضيحة عربية قبل أن تكون أمريكية
كانت الضربة موجهة لأمريكا، لكن البلدان العربية هي التي تألمت. هذا ما يمكن استنتاجه بعد نشر المذكرات الدبلوماسية الأمريكية من طرف موقع أنترنت “ويكيليكس” Wikileaks وما ترتب عن العملية من اضطرابات دبلوماسية. وكانت الضربة موجعة ومهينة للبلدان العربية، حيث اتضحت مرة أخرى هشاشة الأنظمة العربية وضعف قادة البلدان العربية الذين أعطوا وكالة للولايات المتحدة لتحميهم وتضمن أمنهم.
-
ومن المعتاد أن نتكلم عن مؤامرة أمريكية إسرائيلية لتبرير ضعف البلدان العربية والإسلامية كلما تلقت هذه الدول ضربة، وكلما فشلت في مشروع من مشاريعها. وقال الرئيس الإيراني هذه المرة إن قضية “ويكيليكس” مفتعلة من طرف الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن نظرية المؤامرة هذه التي نبرر بها فشلنا كل مرة لا تمنع من القول أن الدبلوماسية الأمريكية لن تتضرر بما نشرته “ويكيليكس” من وثائق. عكس ذلك فإن الدبلوماسية العربية ستتضرر كثيرا بسبب ما جاء على لسان القادة العرب.
-
ويكفي لنقتنع بذلك أن نتصفح محتوى التقارير الأولى التي نشرتها الجرائد التي تعاملت مع “ويكيليكس”. ونشير بداية إلى أن تلك الجرائد تعاملت مع مخابرات الدول الغربية المعنية بالقضية، حتى لا تتضرر مصالحها، كما أن هذه الجرائد لن تنشر التقارير التي من الممكن أن تضر بمصالح تلك الدول أو بمواطنيها. عكس ذلك لا يهم تلك الجرائد أن تنشر ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في بلد عربي ما أو إلى تهديد ضد أمن مواطنين أو مسؤولين.
-
ويتضح كذلك أن البلدان العربية هي أول متضرر من خلال محتوى التقارير التي تم نشرها. فلما يتعلق الأمر بالبلدان الغربية، نلاحظ أن الأمر لا يتعدى بعض القضايا الشخصية، مثل ميول رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بليسكوني إلى الحسناوات، واضطراب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وضعف شخصية السيدة أنجيلا ماركال. لكن هذه الأمور معروفة وقد استغلتها الصحافة إلى أقصى حد.
-
أما بالنسبة للدول العربية، فإن الأمر يتعلق أساسا بقرارات سياسية خطيرة ومعلومات ذات أهمية قصوى تشير إلى خيانة في بعض الأحيان. وتشير تلك التقارير مثلا إلى أن إسرائيل أخبرت مصر والسلطة الفلسطينية بالعدوان على غزة، مما يوحي ضمنيا أن كلا من مصر والسلطة الفلسطينية وافقتا بطريقة أو بأخرى على هذا العدوان.
-
وتشير كذلك نفس التقارير إلى أن البلدان العربية قد سلمت التكفل بأمنها لأمريكا بصفة نهائية، وأن تلك الدول تتكفل حاليا بالملف النووي الإيراني أكثر مما تتكفل بفلسطين. وتؤكد كذلك أن بلدان الخليج طلبن من الولايات المتحدة أن تستعمل كل الوسائل لتمنع إيران من التحكم في التكنولوجيا النووية.
-
وبطريقة ذكية جدا، تشير نفس التقارير إلى الخطر الإيراني وانتهاك طهران لقواعد وأعراف الدبلوماسية. وتستعمل التقارير نفس العبارات ونفس الحجة التي اعتدنا أن نجدها في إطار الدعاية الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران، مثل استعمال سيارات الإسعاف لنقل السلاح من طرف حرس الثورة الإيراني خلال الاعتداء الإسرائيلي على لبنان سنة 2006 .
-
ولا يمكن إلا أن نتساءل: ما يضر أمريكا بعد نشر هذه الأسرار؟ لا شيء… عكس ذلك، فإن واشنطن تؤكد من خلال هذه العملية أن عدم اهتمامها بالملف الفلسطيني وتركيزها على الملف النووي الإيراني جاء بطلب من الدول العربية نفسها، مما يعيد الاعتبار للسياسة الأمريكية أمام الشارع العربي.
-
ونتساءل كذلك: هل يكفي ذلك لنقول مثلما أعلن عنه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أن العملية كلها مفبركة من طرف واشنطن؟ هل يكفي ذلك لنعلن أنها مؤامرة جديدة ضدنا من طرف أمريكا وإسرائيل؟ والحقيقة أن أهم ما يمكن أن نستخلصه هو أن دولة قوية تستطيع دائما أن تحوّل لصالحها أوضاعا صعبة. وحتى لو أنه ليس للإدارة الأمريكية دور في قضية ”ويكيليكس”، فإن النظام الأمريكي استطاع أن يحوّل عملية ضده إلى عملية لصالحه…