الرأي

فغض الطرف يا مخزن إنك من…

حبيب راشدين
  • 2185
  • 9
ح.م

بعد صلاة الغائب على شهداء حادث بوفاريك من الشعبين الجزائري والصحراوي، وتقديم العزاء لأسرهم، كان يُفترض منا أن ندعو بالشفاء العاجل لأشقائنا في المغرب الجار، ولنخبته المثقفة والسياسية والإعلامية، بدءا بالملك محمد السادس وانتهاء بالكاتب الروائي الطاهر بن جلول، وما بينهما فلولٌ من أعلام المخزن في الحكومة وفي المشهد السياسي الجمعوي والإعلامي.
بدل التعزية الواجبة من مسلم لأخيه المسلم في 257 شهيد، كما فعل معظم رؤساء الدول العربية والإسلامية وأغلب قادة أوروبا، اندفع زعماء المخزن المغربي ـ بذهنية الشماتة والتشفي ـ يحرِّضون الشعب المغربي على مزيد من البغضاء والكراهية لأشقائهم من الشعبين الجزائري والصحراوي، وزعموا أن الحادث قد “فضح” تواطؤ القيادة الجزائرية بما كانت تقلُّه الطائرة المنكوبة ـ حسب زعمهم ـ من “عسكريين صحراويين أنهوا تدريبهم في الجزائر” وزعم وزيرٌ مغربي أن الحادث هو “عقابٌ إلهي”.. خطابٌ كريه، حرَّض الشباب المغربي في المواقع الإعلامية ومواقع التواصل على تفريغ كمٍّ هائل من الحقد الذي زرعه المخزن في قلوبهم.
وربما يحسن بنا أن نلتمس بعض العذر لهذا الشعب المسكين المطحون، حين نقرأ لكاتبٍ روائي مغربي كبير مثل الطاهر بن جلول جملة لم نقرأ مثلها سوى عند الصهاينة أو عند الموتورين من مجتمع الأقدام السود: “ينبغي أن يتمتع الإنسان بأعصاب متينة حتى يستمر في احترام الشعب الجزائري!” يقول بن جلول، الذي سقط في جملة أخرى تحمل كثيرا من غمز ولمز “طيابات الحمام” زعم فيها أن “روح” وزير الخارجية الجزائري “تحملها تقاسيم وجهه”!
وبعد التدقيق في خطاب المغاربة المحرض على الكراهية، وقد انتقل إلى التحريض على الحرب، لا تؤاخَذ الجزائر سوى بما تقترفه من ثباتٍ على مبدأ إجارة المظلوم أيا كان جنسه، وعرقه، وملته، فلم يكن الشعب الصحراوي أوَّلَ من استجار بالجزائر فأجارته، ولن يكون الأخير، فقد كانت الجزائر قِبلة لثوار العالم، وهي تضمد جراح قرن وثلث القرن من الاستعمار، فلم تلتفت لقوة الولايات المتحدة لتجير ملكوم إيكس والفهود السود، كما أجارت بن بركة ومانديلا وزعماء حركات التحرر الإفريقية، وما تزال الحضن المفتوح دون قيد أو شرط للأشقاء الفلسطينيين.
ليس هذا موقف الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ الاستقلال، بل هو الموقف الثابت الذي يتقاسمه الجزائريون بمختلف مشاربهم، وليس ثمة شيء يُجمع عليه الجزائريون مثل الموقف الرسمي من واجب نصرة المظلومين في العالم، فعلناها مع الفيتناميين والكمبوديين والأفارقة وفعلها سلفنا الصالح من قبل مع عرب الأندلس والمطارَدين من اليهود، وقبلهم كانت هذه الأرض قِبلة مرجوّة لمن ظُلم في ربوع الإمبراطورية الرومانية، وإليها لجأ الأمير الأموي عبد الرحمن الفاتح واستعان بألف من المقاتلين الأشداء من زناتة لينفذ الفتح الثاني للأندلس، وإليها لجأ الخوارج المطارَدون ومثلهم فعل الفاطميون، فكيف تُلام الجزائر اليوم على موقف هو في نظر أغلبية الجزائريين الحد الأدنى مما يمكن للشعب الصحراوي أن ينتظره من شعب المليون ونصف مليون شهيد؟
إلى الطاهر بن جلول وزُمرة المخزن المنتفخ بحبل من الصهاينة وحبل من فرنسا نقول ما قاله جرير لعبيد بن حصين الراعي: “فغضّ الطرف إنك من نمير…”، “فلا أمازيغ الجزائر بلغت ولا عربانها”..

مقالات ذات صلة