فقط ..لمن أراد أن يعيش في هذا الوطن!
يحز في نفسي أنه كلما مرض لنا رمزٌ من الرموز التاريخية أو الوطنية أو الثقافية والفنية، تعالت النداءات بالحاجة إلى نقله إلى الخارج، وإلى فرنسا بالتحديد، حتى أصبح يبدو هذا من التقاليد المتعارف عليها.. ويكون محظوظا من تَرضى عنه السلطات العليا، ويُنقل إلى هناك ليقضي في الغالب أيامه الأخيرة، ويعود ليُدفن في أرض الوطن. وكأن وطننا هذا لم يعد يصلح للحياة، إنما للموت فقط، وللدفن فقط.. وهو جانب من الحقيقة يؤلمنا قوله، بعد كل هذه السنوات من الاستقلال.
ولو بقي الأمر في مستوى السلطات العليا التي تُعالج في فرنسا، لاعتبرناه تحصيل حاصل، ولكن عندما يُصبح كل رمز من رموزنا في حاجة إلى مثل هذا، فمعناه أننا نعترف بتكريسنا لسياسة عدم الثقة في قدراتنا الوطنية، ونؤكد فشلنا في النهوض بهذا القطاع، والأخطر من ذلك، نَقتل كل أمل لدينا في المستقبل، وهو أكبر من قتل الأنفس والأبدان.
نأسف للقول إن اللجوء المفرط لكل من لديه حظوة في هذا البلد إلى الخارج للعلاج، ضيّق مساحة الأمل، بأن لدينا كفاءات ومسيرين نزهاء في هذا القطاع، وبأننا نثق في قدراتهم، ونأمنهم على أنفسنا وأبنائنا، أكثر مما نَأمَن الأجانب عليها، وبأننا قادرون على بناء أكبر المستشفيات، وعلى الانتقال بقطاع الصحة إلى مصافّ الدول المتقدمة. نأسف للقول إنه تم إيصال أغلب رموزنا إلى التعلق بالحياة خارج الوطن، بدل أن يكونوا مفجري ينبوعها داخله.
نأسف للقول إنه يتم الدفع بكل مواطن إلى هذا النوع من التفكير، حتى أصبح كل مريض يشعر بأنه لن يصل إلى العلاج الحقيقي إذا لم يُنقل إلى هناك… وإذا ما توفاه الله، يموت وفي قلبه أو لدى عائلته حسرة، بأنها لم تتمكن من القيام بما ينبغي أن تقوم به، رغم يقينها بأن الأعمار بيد الله، ورغم ثقتها في كفاءة أطبائنا بالداخل..
ماذا ينقصنا لكي نصل إلى مستوى عال من الصحة، وقد وصلته بعض البلدان أقل منا موارد بشرية وإمكانات؟
لماذا نقتل ذلك الطموح في أنفسنا، بأن نكون الأفضل إفريقيا وعربيا وإقليميا في كافة القطاعات؟ لماذا لا نصل إلى حالة يفتخر بها وزراؤنا ومسؤولونا بالعلاج في بلدهم، وعلى أيدي أطبائهم الوطنيين، تُعيد الأمل في النفوس، وتزرع الثقة بيننا من جديد؟
أدعو كل مسؤول مازلت به غيرة على هذه البلاد، أن يبدأ بنفسه، ويُعلن بشجاعة: أعيش وأموت في هذا الوطن، إنما الأعمار بيد الله.