الرأي

فلسطين في المونديال

حسين لقرع
  • 3345
  • 12

برغم عدم تأهّل فلسطين في تاريخها إلى كأس العالم، إلا أنها تواجدت بقوة في قلوب المشجعين الجزائريين في البرازيل وفي الوطن منذ اليوم الأول للمونديال، فخلال مقابلتي بلجيكا وكوريا الجنوبية وبعدهما، حضر علمُ فلسطين مجددا في مدرّجات ملاعب البرازيل وفي الساحات والشوارع، وردّد المشجعون الجزائريون هتافات “فلسطين الشهداء” ما فاجأ الفلسطينيين أنفسهم.

أما في الجزائر فقد تردّد هذا الهتاف في الساحات العمومية بمختلف المدن خلال الاحتفالات بالانتصار على كوريا الجنوبية، جنباً إلى جنب مع الهتاف بحياة الجزائر، وكان ذلك نقطة إيجابية في خضمّ الاحتفالات المجنونة التي أودت بحياة العديد من الأبرياء وجرحت المئات، لكن الصورة الأروع هي قيام مئات الجزائريين، في إحدى ضواحي العاصمة، بترديده كالنشيد قبل بداية مقابلة الولايات المتحدة والبرتغال؛ إذ كان الأنصار يحتفلون بفوز الجزائر حينما بدأ النشيد الأمريكي يُعزف، وكان الصوت الصادر من إحدى الشاشات العملاقة عالياً، فتوقفوا عن كل الأهازيج وبدأوا يرددون بصوت واحد: “فلسطين الشهداء“…

هي لقطة ذات دلالة عميقة أثبت فيها الشبان الجزائريون  والكثير منهم دون العشرين من أعمارهمأن فلسطين هي القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين كافة، وأنها راسخة في قلوب الأجيال الجديدة أيضاً والتي أثبتت وعيها بقضايا الأمة في وقت يعتقد كثيرون أنها أجيالٌ عابثة لاهية.

 لقد أثبت هذا الحدث أن فلسطين خالدة في قلوب الجزائريين على اختلاف أعمارهم، لا يقتلها تآمرُ المتآمرين المدعمين للكيان الصهيوني بلا حدود، ولا تخاذلُ المتخاذلين من أعراب الذل والانبطاح والهرولة، ولا فضائياتُ الرقص والمجون والمسلسلات التي تريد تخدير الشعوب وإلهائها عن فلسطين ودفعها إلى نسيانها وعدم الاكتراث بما يجري فيها من قمع يومي لأهلها، وحصارٍ صهيوني ـ مصري جائر لبعض سكانها، وتهويدٍ لمقدّساتها وابتلاع مستمرّ لأراضيها، ومحاولاتٍ مستميتة لدفع شرفائها إلى الكف عن المقاومة والرضا بتسوية ذليلة تفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها برمّتها تحت غطاءالسلامالمزعوم.

قد تتراجع القضية الفلسطينية في سلمِّ اهتمامات الجزائريين والعرب ويغفلون عنها بعض الوقت، ولكنها لن تموت في قلوبهم أبداً، وربما تفرّغت الشعوب لقضاياها الداخلية بفعل تداعيات الربيع العربي التي خلّفت العديد من الفتن والحروب، ولكنها ستعود إلى الاهتمام بقضيتها الأولى مهما طال الوقت أو حاولت الفضائيات التركيز على الأحداث الساخنة في الوطن العربي ووضعت فلسطين في ذيل نشراتها.

كنا نريد دعماً عملياً أدناه تسيير قوافل إغاثة مستمرة إلى غزة وشدّ أزر أهلها بالمال والغذاء والوقود والدواءوتقديم مساعدات أخرى متعددة، ولكن في غياب ذلك، لا بأس من التعاطف وتذكير شعوب العالم بفلسطين في ملاعب البرازيل وشوارعها، وترديد اسمها في ساحاتنا العامّة أثناء احتفالاتنا.

 

لا نغالي اليوم إذا قلنا إن الجزائريين هم أكثر الشعوب العربية تضامنا وتعاطفا مع الفلسطينيين، ولا غرو في ذلك؛ فمن اكتوى بنار استعمار دام قرناً وثلث قرن هو أكثر من غيره شعوراً بمأساة الآخرين تحت الاحتلال

مقالات ذات صلة