الرأي

فلسطين في كتابات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

ابتلى الله – عز وجل- العرب والمسلمين بأعتد قضية في تاريخهم المعاصر. وما ظلمهم الله – سبحانه وتعالى- ولكن أنفسهم كانوا – وما يزالون- يظلمون، هذه القضية هي القضية الفلسطينية، التي اهتدى إليها مكر الليل والنهار في أوروبا لكي يطهّروها مما كانوا يسمونه “الجراد”، فاليهود حيثما حلوا فعلوا ما يفعله الجراد، ثم ليشغلوا بهم أصدق وأقوى “فكرة” تستطيع مواجهة الغرب، سواء في الميدان المسلح أو الميدان الفكري، وهي “الدين الإسلامي”، الأقوم قيلا، والأهدى سبيلا.

لقد كان العرب والمسلمون في هذه القضية أزواجا ثلاثة:

*) فريق خافها، فباعها بثمن بخس، ويتشكل هذا الفريق من الحكام الذين وضعهم الغرب لينفذوا مخططاته، ويسهروا على مصالحها، ألم يقل أحدهم: “إني موظف عند بريطانيا بدرجة ملك؟”. وهل للموظف غير تنفيذ ما يطلب منه؟

*) فريق لا يعرف لوجوده هدفا ساميا وغاية نبيلة، وكل همه الأكل والتمتع في الحياة، فهم كالأنعام، بل هم أضل.

*) وفريق ثالث، حمل القضية في قلبه، فعاش لها باذلا في سبيلها كل غال ونفيس، يذكرها ويذكّر بها حتى لا تسدل عليها ستائر النسيان.

في مقدمة هذا الفريق الثالث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي لم ينسها هم وطنها همّ فلسطين، لأن فلسطين بالنسبة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ليست رقعة جغرافية عربية فقط، وليست مكانة تاريخية فقط، بل هي إضافة إلى ذلك “قضية دينية”، كما هي قضية “دينية” عند اليهود الصهيونيين ومن وراءهم من الغربيين ابتداء بفرنسا في عهد النابليوني، إلى بريطانيا في عهدها الفيكتوري، إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد ما يسمى “الآباء المؤسسون”، إلى روسيا في عهدها القيصري والشيوعي.

لقد كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المعبّرة عن حقيقة الشعب الجزائري وجوهره النبيل ومعدنه الأصيل حاملة للقضية الفلسطينية منذ أول نشوئها، وقد تخلقت الجمعية في ذلك بخلق الأنصار – رضي الله عنهم وأرضاهم- وهو “الإيثار”، حيث شهد الله – عز وجل- لهم في القرآن الكريم قائلا عنهم: “والذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كأن بهم خصاصة..”. (سورة الحشر. الآية 9).

لقد اهتم ببعض كتابات صدرت في مجلة الشهاب وفي جريدة البصائر في سلسلتها الأولى والثانية الدكتور عمار طالبي، نائب رئيس جمعية العلماء الحالي..

وفي هذا المجموع مقالات في الشهاب للإمام ابن باديس وللأستاذ أحمد توفيق المدني، وأما في السلسلة الثانية من جريدة البصائر (1947-1956) فقد كانت مقالات الإمام الإبراهيمي آيات بينات في مبناها ومعناها، لم يكتب مثلها في قضية فلسطين، كما أكد ذلك الدكتور فائز الصائغ أستاذ الفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت، وقد جمعت هذه المقالات ونشرت مع شرحها في كتاب تحت عنوان: “بذل الوسع في شرح مقالات فلسطين التسع” من إعداد الأستاذ عبد الحميد بن بشير دمان المقري.

ولم تكف جمعية العلماء بالحديث عن فلسطين وكشف أعدائها من العرب والمسلمين واليهود والغربيين، بل شكلت لجنة لمساعدة فلسطين، رغم قلة ذات اليد، وقهر فرنسا، ووصل الأمر برئيس جمعية العلماء، الإمام الإبراهيمي إلى وضع مكتبته تحت تصرف هذه اللجنة، كما شهد الشيخ حمزة بوكوشة أن الإمام الإبراهيمي اقترض مبلغا من المال ” وما كاد ذلك النصيب يدخل جيبه حتى جاءه من طلب منه الإعانة على السفر إلى تونس ليذهب ويحارب في فلسطين، فدفع إليه أكثر المبلغ الذي اقترضه منذ دقائق وهو متهلل الوجه والجبين، وأنا أكاد أتميز من الغيظ، ولما فارقنا الرجل أنكرت عليه ذلك، فقلت له: وما يدريك أن هذا مدجّل؟ فقال لي: وما يدريك أنه صادق؟ فقلت له: وهبه أنه صادق، ألست أنت أشد حاجة منه؟ فذكرني بحديث نبوي مازلت أحفظ معناه….”. (جريدة الشعب 21 ماي 1970).

رحم الله علماءنا العاملين، وشهداءنا الميامين، ومجاهدينا المخلصين، وأخزى الخائنين ووفقنا إلى الجهاد لاستعادة فلسطين، وتحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين.

مقالات ذات صلة