-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المخرج جعفر قاسم لمجلة الشروق العربي

فيلم هيليوبوليس هو تنشيط ذاكرة الأجيال بالثورة الجزائرية

طارق معوش
  • 326
  • 0
فيلم هيليوبوليس هو تنشيط ذاكرة الأجيال بالثورة الجزائرية
تصوير: عبد الكريم شنيقل

قدم جعفر قاسم تحفة فنية ومتعة بصرية للمشاهد، وقصة تعيد إحياء فترة مهمة من تاريخ الجزائر، بطريقة غير التي عودتنا عليها الأفلام السينمائية السابقة، حيث تطرق إلى أحداث 8 ماي 1945 لكن بطريقة تكشف عن جزء من التاريخ الذي نجهله، التي كانت الشعلة الحقيقية لبداية التفكير في الثورة التحريرية، باستخدام تقنيات عالية، ما جعل المشاهد ينغمس في الفيلم وكأنه عايش الأحداث. في حوار خص به مجلة «الشروق العربي »، تحدث جعفر قاسم عن فيلم «هيليوبوليس» وعن أهم الصعوبات التي واجهته في إخراج العمل إلى النور، فضلا عن التطرق إلى أهم الأعمال التي يحضّر لها مستقبلا.

الشروق: بداية، فيلم هيليوبوليس يجوب ولايات الوطن في عرض خاص واهتمام إعلامي وجماهيري كبير.. حدثنا أكثر عن الفيلم..

– «هيليوبوليس» ليس فيلما وثائقيا، وإنما هو فيلم خيالي، مستوحى من أحداث حقيقية ووقائع تاريخية. فمثلا، عائلة زناتي وسباق الخيول ومعظم المشاهد من وحي الخيال، والجمع بين الحقيقة والخيال يسهل عملية حكاية القصة كما يسهل على الجمهور استيعاب فكرة الفيلم.

هو قصة مستوحاة من أحداث حقيقية تدور وقائعها في حقبة الأربعينيات من القرن العشرين، حيث يسرد الفيلم حياة الأسر الجزائرية قبل أحداث 8 ماي 1945 التي عرفت مظاهرات للشعب الجزائري في قالمة، وسطيف وخراطة مطالبة باستقلال الجزائر غداة نهاية الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من مجازر ارتكبها الجيش الفرنسي.

تناول الفيلم بطريقة إنسانية تعطي نظرة مغايرة لبعض الأحداث، منها الصورة المعروفة عن القياد والأعيان لدى الجزائريين، حيث تدور أحداث الفيلم حول عائلة زناتي أحد أعيان وأغنياء المنطقة وما عايشته من صراعات داخلية بين الأب والابن. والهدف الحقيقي من الفيلم هو تنشيط ذاكرة الأجيال بالثورة الجزائرية وبالمجازر التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين، وعلى كل مخرج المساهمة في أعمال سينمائية تحكي التاريخ المجيد، فهي ستكرر مساءلة التاريخ الفرنسي البشع في حق الشعب الجزائري الأعزل.

الشروق: ما أهم العقبات والتحديات التي واجهها جعفر قاسم في إخراج الفيلم؟

– ظروف عمل الفيلم كانت صعبة جدا، نظرا لنقص الوسائل والإمكانيات، خاصة أمام قصة كبيرة تروي حقبة

زمنية مهمة من تاريخ الجزائر، الأمر الذي أخذ منا الكثير من الوقت والجهد في إخراجه. علما أن إخراج مثل هذه الأفلام التاريخية يستغرق في العموم من 3 إلى 4 سنوات من كتابة السيناريو وإعداد الفيلم والتصوير، إلا أن هذا المشروع السينمائي استغرق منا مدة 9 سنوات، السيناريو فقط استغرق منا 4 سنوات. هذا إلى جانب غياب الأستوديو الذي يعد من أهم العراقيل أمام كل مخرج سينمائي، مما دفع بنا إلى بناء الديكور وإعادة بناء العمارة وترميم المباني والبحث عن أهم الأماكن التي تعكس الصورة الحقيقية لتلك الفترة الزمنية، ولعدم وجود مناظر تشبه ما كانت عليه «هيليوبوليس» في تلك الفترة، تم تصوير أغلب الأحداث ببلدية عين المالح بولاية عين تموشنت واشتغل فريق الديكور كثيرا في هذا الشأن حتى نتمكن من تقريب المشاهد من الأحداث ونعطي للفيلم أكثر مصداقية وواقعية. كما قمنا بالتصوير في معهد الفلاحة بولاية بلعباس وببني سنوس في تلمسان والجزائر العاصمة، الأمر الذي أتعب الطاقم الفني والتقني.

من واجبى كمواطن أن أقوم بتوصيل هذه الثورة للجيل الجديد

الشروق: ما القصد وراء اختيارك «هيليوبوليس» عنوانا للفيلم؟

– عنوان الفيلم «رمزي»، حيث جاء الاختيار لقرية «هيليوبوليس» المتواجدة قرب مدينة قالمة، باعتبارها كانت مسرحا للأحداث والجرائم التي ارتكبت في حق الأهالي من قبل المستعمر الفرنسي. في تلك المنطقة كانوا يستخدمون الأفران وكنت قد أشرت إليها في مشاهد بداية الفيلم، التي استعملت فيما بعد لرمي جثث الأهالي حتى لا يبقى الأثر وفضح الجرائم النكراء التي ارتكبها المستعمر، وذلك حتى لا نطمس الحقيقة ولا نغض الطرف على أهم الأحداث التي وقعت في تلك المرحلة بكل تفاصيلها.

الشروق: ما سر تأثرك الكبير بالثورة الجزائرية؟

– ربما أكون متأثرا بالفعل بالثورة الجزائرية، لكنني في نفس الوقت أشعر بالتقصير من ناحتيها، فأنا تعلمت فن السينما منذ طفولتي بمشاهدة الأفلام الثورية آنذاك ولم يكن ذلك بإرادة منى بل يدخل في الوطنية، أضف إلى هذا، أن التاريخ في حاجة إلى تكوين شباب ينقلون للعالم ثورة الجزائر ضد الاستعمار، وأعتبر نفسي من هؤلاء الشباب، ومن واجبي كمواطن أن أقوم بتوصيل هذه الثورة للجيل الجديد.

الشروق: هل التعبير عن الثورة الجزائرية يكون أكثر صدقا من خلال شخص عايش أحداثها؟

– في السينما، ليس مهما أن يكون الشخص عايش الأحداث، لأنه ليس بالضرورة أن يعمل على الواقع، فالسينما فن يقلد الواقع، ومن الممكن أن يقلد المخرج واقعا مكتوبا لم يره، فالفرنسيون قدموا 93 فيلما عن نابليون، وبمقتضيات السينما لابد من أن يكون هناك قصة وسرد وبناء للشخصية حتى يكون هناك جذب للجمهور، فمن الممكن أن يكون هناك متعة في الفيلم، وفي نفس الوقت بعض المعلومات التي تجعل المشاهد يعرف أشياء، وإن كان ليس من مهام السينما كتابة التاريخ.

الشروق: هل هناك حكايات وقصص في الثورة الجزائرية لم يتم التعبير عنها حتى الآن؟

– هناك مليون حكاية لم يتم سردها، فوراء الثورة الجزائرية بشر من لحم ودم، وهناك مليون حكاية لم يتم سردها لأننا لم نقدم العدد الكافي عن هذه الثورة، عكس ما يقال، فنحن على مدى سنوات الاستقلال لم نقدم إلا نحو 25 فيلما.

لم نستطع أن نصنع من قوتنا الإبداعية والسينمائية كيانا اسمه السينما العربية

الشروق: هل السينما الجزائرية في وضع يليق بها كواحدة من السينمات الرائدة في العالم العربي؟

– لا، فالسينما ليست من أولويات الدولة الجزائرية، فالدولة لها أولويات أخرى، فالسينمائيون يقولون إن هناك تراجعا، وما قدمناه في البداية أكبر وأفضل مما نفعله الآن، من حيث الكم والكيف، وهناك أيضا تراجع في السوق، فنحن كان لدينا 450 قاعة سينما في الجزائر لكن حاليا العدد 40 قاعة تقريبا، بينما في الماضي، كان في العاصمة 86 قاعة، وكنا أكبر بلد في إفريقيا بها قاعات سينما، وكانت السينما لا تأخذ تمويلا من الدولة، فضلا عن الإشكالية الكبيرة حاليا، وهي عدم وجود جمهور عكس الوضع في مصر مثلا، فالشباب من 20 إلى 25 سنة ربما لم يدخل قاعة السينما، لأنه أصبح في منزله نحو 600 قناة فضائية يشاهد من خلالها أحدث ما أنتجته السينما العالمية، كما أن العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر في التسعينيات أثرت كثيرا على الإنتاج، فمثلا الإنتاج في بداية الاستقلال كان يصل إلى 20 فيلما في السنة، والآن 4 أو 5 أفلام سنويا.

الشروق: تقصد أن الدولة وحدها تتحمل المسؤولية كاملة عن هذا الوضع، أم إن هناك جزءًا يتحمله السينمائيون الجزائريون؟

– ما الذي سيفعله السينمائيون، فليس هناك سوق للسينما في الجزائر، عكس الوضع في مصر، فقاعات السينما أصبحت قليلة جدا، وبالتالي، المستثمر الجزائري لا يستثمر أمواله في الإنتاج السينمائي، لأنه لا يغطي تكاليف فيلمه.

الشروق: كيف ترى وضع السينما العربية حاليا؟

– لا يوجد شيء اسمه السينما العربية، هناك أفلام عربية، فنحن لم نستطع أن نصنع من قوتنا الإبداعية والسينمائية كيانا اسمه السينما العربية، فالسينما العربية تعني موضوعات عربية وهموما عربية، فمثلا كم فيلما عربيا أنتجناه عن القضية الفلسطينية؟

العدد قليل جدا، فليس عندنا القضايا المشتركة التي تجعلنا نعمل من أجل شيء اسمه السينما العربية. هناك محاولات من أجل خلق سينما عربية، فمثلا هناك طاقات كبيرة في مصر أو سوريا أو العراق أو لبنان، من الممكن أن أوظفها في فيلم جزائري، ومن الممكن أن يفرض هذا الاستثناء الثقافي على القنوات الفضائية العربية، خاصة أ ن لدينا ألف قناة فضائية عربية، ففي أوروبا قانون اسمه الاستثناء الثقافي، بمقتضاه يفرض على كل قناة فضائية أوروبية أن تخصص مساحة للفيلم الأوروبي.

الشروق: هل ترى بأن هناك استسهالا في ما يخص محاولة فهم اللهجة الجزائرية؟

– بالفعل، ربما يكون هناك استسهال، ولا أحد يجهد نفسه لكي يفهم لهجة الآخر، وعموما السينما لغة في حد ذاتها تعتمد على الصورة، وأنا شاهدت فيلما يابانيا لم يكن به أي جملة حوار في الأربعين دقيقة الأولى، وجمال فيلم مثل «المومياء» لشادي عبد السلام في الصورة وليس في الحوار.

إن شاء الله يشفى السلطان.. حينها نتحدث عن سلسلة عاشور العاشر

الشروق: بعيدا عن السينما، حدثنا عن مستقبل سلسلة عاشور العاشر؟

– لم يتبق الكثير عن رمضان. وبالتالي، ليس لدي أي مشروع لعاشور العاشر إلى حد الآن. ليس لديّ أفق. ورجوع السلسلة أمر مستبعد. وكل شيء محتمل، بمعنى: خلّها على الله..

الشروق: أنتم على اتصال دائم بالممثل صالح اقورت، أين وصلت حالته؟

– إن شاء الله، كل شي تمام، وصحته في تحسن كبير.. ومن يدري، إن شاء الله، يشفى السلطان، حينها نرى إذا أمكن إتمام سلسلة عاشور العاشر. الشروق: هل فيه مشاريع مستقبلية؟

– فيه عدة مشاريع، لكن، نحن نكتب العشرات منها حتى يتحقق مشروع واحد، ويحظى بفرصة إخراج فيلمه. لكن فيه مسلسلات تلفزيونية درامية ومشاريع خاصة بالسينما، ونحن اليوم نسير بخطى ثابتة مع النمط السائد في السينما، التي أتمنى أن تستعيد مكانتها لأهميتها الكبيرة، خاصة للشباب والأجيال القادمة.

الشروق: ما الرسالة التي تقدمها إلى الشباب الهاوي كتحفيز لإخراج أفلامهم؟

– هناك إرادة سياسية لتطوير السينما، لكن هذه الإرادة لا تكفي، لابد من أن تتبع بدينامية وإعادة بناء مجال الثقافة والسينما، ورد الاعتبار للفن بمختلف مجالاته، وعلى الشباب المضي قدما لتحقيق أهدافه وطموحاته في العمل السينمائي، دون الخوف أو التردد.. عليه أن يجرب حتى يصنع لنفسه مكانة، خاصة في ظل التقنيات الحديثة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!