في خدمة الدّولة أم السّلطة!
يبدو أن الحركية السياسية التي تسبب فيه نواب التكتل الأخضر ومجموعة الأحزاب التي تكتلت وأسست ما أطلقت عليه بالبرلمان الشعبي أقلقت البعض وجعلته يمتعض من هذا التعدد والتضارب في الاتجاهات والمواقف، لدرجة أن بعض التصريحات وضعت ذلك في خانة المساس باستقرار البلاد وأمنها.
في بلدان صغيرة يشتبك النواب بالأحذية وتنشب معارك بينهم وبين الوزراء لأن الأمر يتعلق بمصالح الشعب الذي انتخب هؤلاء بينما يريدونه في الجزائر برلمانا شكليا يسهر على تمرير مشاريع الحكومة وقراراتها بلا “مشاكل” لدرجة أصبح النائب البرلماني محل سخرية وتندر لأنه “ڤراڤوز” يتحرك بما يمليه عليه المتحكمون في اللعبة السياسية.
من حق نواب التّكتّل الأخضر حمل اللاّفتات الحمراء، ومن حق أحزاب المعارضة الأخرى الاحتجاج بالطّريقة التي تراها مناسبة على نتائج الانتخابات، لأنها وبلغة الأرقام مجحفة في حقهم على اعتبار عدد الأصوات الكبير التي حصلوا عليها في مقابل العدد القليل من المقاعد في المجلس الشعبي الوطني.
المشكلة في الجزائر أننا أنتجنا نوعا خاصا من الممارسة السياسية، هذا النوع لا يعترف بالرأي المخالف ويرى في كل من ينتقد ويعارض بأنه يستهدف الدولة، بينما الذين “تفّهوا” البرلمان وأفرغوه من محتواه هم الذين استهدفوا الدولة لأنهم أضعفوا أهم مؤسساتها وحولوها إلى مجرد هيكل بلا روح.
الذين يعتقدون أن خدمة الدولة تكون بالانشقاق من أحزابهم والهرولة نحو السلطة مع أول إشارة، والذين يزكّون مشاريع السّلطة قبل أن تصل إلى البرلمان، والذين لا يفرقون بين السّلطة والدّولة هم من يستهدف الدّولة لا أولئك الذين ينتقدون السّلطة ويعارضون مشاريعها سلميا.
لقد استقال الشعب الجزائري من ممارسة السياسة منذ عشر سنوات، لأنه كان يرى ممثليه في البرلمان عاجزين عن فعل شيء للدفاع عن مصالحه وحمل همومه، ويبدو أن هذه الاستقالة لا زال مفعولها جار في ظل برلمان نصفه موالاة بلا وعي، وربعه معارضة بلا تأثير، والربع الآخر مذبذب في الاتجاهات والمواقف لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.