-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في مسقط رأسي ومرابع صباي

في مسقط رأسي ومرابع صباي

كانت نهاية الأسبوع الماضي بالنسبة لي نهاية استرجاع لذكرياتي السعيدة والأليمة؛ إذ عدتُ إلى مسقط رأسي، ومرابع صباي، وملاعب فتوّتي، والفضلُ في ذلك مردُّه إلى مديرية الشؤون الدينية لولاية جيجل، التي تكرّمت فدعتني ومجموعة من الأساتذة الأفاضل لنشارك إخوتنا المؤمنين في ولاية جيجل بعض بركات العشر الأواخر من شهر رمضان، بإلقاء دروس في المساجد.

في يوم الخميس 21/4/2022 تشرّفتُ بإلقاء درس بعد صلاة المغرب بمسجد عمر بن الخطاب، وقد كان في مكانه أيام الاحتلال الفرنسي اللعين مركز تعذيب رهيب للجزائريين، ونادرا ما يخرج داخُله حيا. ذكّرتُ نفسي وإخواني المؤمنين بأول ما أنزل الله من كتابه الأقوم، وهو أمرُه تعالى لعباده بالقراءة، وما استنبطه الإمام المرتضى ابن باديس من ذلك، وهو أن “العلم -وحده- هو الإمامُ المتّبَع في الحياة… ” في جميع المجالات، ويُمنع على المؤمن أن يقفوَ ما ليس له به علم.

وأدّيتُ فريضة الجمعة في مسجد الشيخ بلقاسم ابن منيع ببلدة تاكسانة المجاهدة، وهي منطقة حرّرها المجاهدون من الجيش الفرنسي المجرم في ربيع 1957. وكان موضوع كلمتي حول واجب اتحاد المؤمنين، الذين شبههم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بالبنيان يشدّ بعضُه بعضًا، وبالجسد الواحد إذا اشتكى عضوٌ منه تداعى له سائرُ الجسد بالحمى والسهر.

ثم تجوّلتُ في بعض القرى القريبة من تاكسانة، ومنها صيدا، وبوكرامة -مسقط رأسي- ومرادة وتسيطين… وقد استرجعت ذاكرتي جرائم فرنسا اللعينة في تلك المناطق من قَنبلةٍ بالطائرات، وقصفٍ بالمدافع، وحرق للبشر والشجر والحقول، وانتهاك للأعراض، وترويع للأطفال، وقد رأيتُ منزل أهلي الذي دمّره الفرنسيون في 1956 على مرآى منا، وتركونا غطاؤُنا السماء، وفراشُنا الأرض.. فلعنة الله على فرنسا عدد خلقه، وزِنة عرشه، ومداد كلماته.. وهدَّ اللهُ العلي القدير أركان فرنسا.

كما استرجعت ذاكرتي أولئك المجاهدين الذين كانوا يترددون على منزلنا ليلا أو نهارا التماسا لقسط من الراحلة أو نيلا لنصيب من الطعام نتقاسمه معهم، ومنهم الحاج بودريعة، وأحمد لعبنّي، والهاشمي ابن الزين، والدراجي أبركان، وآخرين.. كما رأيت ما آلت إليه المنطقة من مظاهر العمران من مدارس، ومتوسطات، وثانويات، ومساجد، وجسور عملاقة، وسدّ جن جن، وطرقات في أماكن وعرة، وكهرباء، وغاز…

وفي مساء الجمعة تشرّفتُ بإلقاء درس في مسجد “عميد الإصلاح” في منطقة جيجل، وهو الشيخ محمد الطاهر ساحلي (الجيجلي)، وكان عضوا في آخر مكتب إداري لجمعية العلماء في عهد الإمام ابن باديس.

وتجوّلتُ في صبيحة يوم السبت في بعض شوارع جيجل وساحاتها، وزرت مدرستي “الحياة” للبنين والبنات، وقد اعتُدي عليهما فحُوِّلت الأولى إلى “متحف” وبُدِّل اسم الثانية وما ينبغي ذلك، ولكنه الجهل بالتاريخ، والخوف من التاريخ، والاعتداء على التاريخ… وفي النهاية هو “إعدامٌ لذاكرتنا”، ونكرانٌ لجهاد آبائنا.. وندعو المسئولين في جيجل إلى إعادة مدرسة “الحياة” للبنين إلى ما أسِّست من أجله في عهد الإمام ابن باديس، وإعادة اسم “الحياة” للبنات كما سمَّاها “آية الله” الإمامُ الإبراهيمي.. و”دين التاريخ أحقّ أن يُقضى”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!