في ڤنزات (1)
منطقة “ڤنزات” من أجمل ما خلق الله، وهي تذكّرك بقول أحمد شوقي:تلك الطبيعة قفْ بنا يا ساري حتى أريك بديع صنع الباري
وهي تزخر بكنوز من الرجال، هم الرجال، في العلم والنزال؛ ولكن كثيرا منا يجهلونهم لنقص في المنظومة التربوية، ولأن المؤسسات الثقافية عندنا أكبر همها ومبلغ علمها هو تلك المهرجانات التي تقتل الفضيلة وتشيع الرذيلة، ولأن وسائل الإعلام لا همّ لها إلا أخبار أولئك الحُمر المستنفرة، وتلك الكاسيات العريات، ولأننا “نحڤرو سلعتنا” كما قال الشيخ أحمد حماني رحمه الله.
قدر الله – عز وجل – لي أن أشد الرحال إلى هذه المنطقة ثلاث مرات متواليات في السنوات الثلاث الأخيرة.
فأما الزيارة الأولى فقد زرتها زيارة خاصة (في 2012) بدعوة من صديق (لحسن بعزيز) وقد جئتها من ناحية “صدّوق”، حيث زرتُ ضريح لمجاهد الزاهد الشيخ الحداد، الزعيم الروحي لثورة 1871، وترحمت عليه، وعلى أرواح جميع شهدائنا الأبرار، الذين سقطوا دفاعا عن ديننا الإسلامي الحنيف، وعن الجزائر التي كما يقول الشاعر مفدي زكريا:
ألقى النهاية فيها الجمالُ فَهِمْنا بأسرارها الفاتنات
وأهوى على قدميها الزمان فأهوى على قدميها الطغاة
وانتهيت من بلدة “صدوق” إلى بلدة أسلافي وهي “بني ورثيلان” فوصلت بعض رحمي بها، وترحّمت على رمزي الجزائر جدّي الأكبر العالم الرحالة الشيخ الحسين الورثيلاني (1713 – 1779)، والداعية الفضيل الورثيلاني (1900 – 1959).
وبتّ ليلتي هناك، ولم يكن لي نشاط ثقافي، واكتفيت باستنطاق وجوه الناس التي دلّتني على صلابة الخلق وطيب الخلق، وأرجو الله – عز وجل- أن ييسّر لي عودة إليها لأتعرف على جميع رحمي هناك، حيث انتقل منها جدُّ والدي، واسمه محمد الربيع، إلى مدينة جيجل في منتصف القرن التاسعر عشر، ولقب أهلنا في بني ورثيلان هو “حسنين”، أما لقب الفرع الذي انتقل إلى جيجل فهو “الحسني”.
وبعدما قضيت الليل في بني ورثيلان توجهت تلقاء بلدة ڤنزات، رفقة الصديق بعزيز لحسن، عبر بلدة بوڤاعة، التي تقع في منخفض من الأرض، محاطة بالجبال، وكانت تسمى في العهد الاستعماري اللعين “لافاييت”، وهو أحد رجالات فرنسا، وقد حارب الإنجليز إلى جانب الأمريكيين في ثورتهم، وفي بلدة بوقاعة يقع أحد الحمامات المشهورة وهو “حمام ڤرڤور” وفي بوڤاعة تذكرت آخر قاض في جيجل في العهد الاستعماري، وهو القاضي يوسف شربال، كما تذكرت أخاه الفاضل عبد الله شربال الذي كان يحفظني نسب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وكان يشجعني على الحفظ ببضعة فرنكات لأشتري بها الحلوى.
فرحم اللّه السيدين يوسف وأخاه عبد الله شربال وجميع المسلمين.
ومن بلدة بوڤاعة بدأنا الصعود نحو ڤنزات التي هي عالية بالنسبة لبوڤاعة، وقد رأيت من الجمال ما يمكنني تصوّره ولا أستطيع تصويره، وأستغفر الله إن رددت مع مفدي زكريا قوله:
فلو شاء ربّك وصف الجنا ن، ليغري الأنام، بها شبّها