-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في ڤنزات (2)

في ڤنزات (2)

لقد خطت الأقدار في صحيفتي أن أزور منطقة “ڤنزات” مرّة ثانية في آخر يومين من شهر أوت من السنة الماضية، وكانت تلك الزيارة تلبية لدعوة كريمة من أخٍ كريم من أبناء تلك المنطقة، هو الأستاذ عبد الوهّاب حمودة، شفاه الله.

إنّ الأستاذ عبد الوهّاب حمودة من أشهر من عمل للفكر الإسلامي الرّشيد في الجزائر، ودعا إليه على بصيرة، وبالحكمة والموعظة الحسنة، ويتميّز بالواقعية الفعّالة، التي تسعى إلى التغيير دون تهوّر، ولا تقدير للأمور. وأشهد  بما علمتُ عن مشاهدة واحتكاك- أنّه من أطيب من عرفتُ، فهو صادق في تديّنه، ولم يتخذ الإسلام سُلَّمًا لتحقيق مآرب ونيل مكاسب، وهو ذو فكر رشيد يقدِّر للرِّجْل خَطْوَها قبل وضعِها، وهو يُخالط النّاس ويعامِلُهم معاملة حسنة، ويصبِر على أذاهم.

لقد عرفتُ الأستاذ حمودة في سنة 1970م، في مسجد الطلبة بجامعة الجزائر، ذلك المصلَّى الصغير مساحة الكبير أثرًا، حيث انطلق منه فكر الصحوة قبل أن تَشُوبهُ شوائب، وقد كان للأستاذ حمودة سعيٌ طيِّب لفتح ذلك المصلَّى، وقد شهِد بذلك الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وزير التربية الوطنية آنذاك، فقال: “وخلال سنة 1966 طلبت مجموعة من الطلبة تخصيص قاعة للصلاة في جامعة الجزائر، وهو مطلب شرعي سارعتُ إلى تلبيته، وكان الناطق باسم هذا الوفد هو عبد الوهّاب حمودة. (مذكرات جزائري، 2/101. دار الغرب الإسلامي). وقد سعدت بالعمل معه متطوعًا- في ملتقيات الفكر الإسلامي، ثم عملت نائبًا له للتراث الإسلامي، ثم خَلَفْته في مديرية الثقافة الإسلامية والملتقيات بعدما عيِّن أمينًا عامًا لوزارة الشؤون الدينية.

ومن أجمل ما في الأستاذ حمودة توفيقه في التوفيق بين ما قد يبدو لبعض الناس تناقضًا، فهو ابن زاوية، وهو المشرف عليها الآن، وهو من تلاميذ الأستاذ مالك ابن نبي، وقد زار الأستاذ مالك زاويته ومكث فيها مدّة، وهو من المقدرين لفكر الإمام ابن باديس، وعضو حاليًا- في جمعية العلماء، وهو من المعجبين برمز الدعوة الإسلامية في هذا الزمن الشيخ محمد الغزالي.

كان سبب دعوته لمجموعة من الأساتذة هو المشاركة في ندوة نظّمها في زاويته “أُوقَرّي” حول نقطتين اثنتين هما:

القرآن الكريم: نزوله، تدوينه، إعجازه…

تدوين ما يسمى توراة وإنجيل.

وقد كان ذلك الملتقى من أحسن الملتقيات التي شهدتها، غزارة علم، وجودة تحليل. وأما عملية تدوين القرآن وتدوين ما يسمى توراة وأناجيل، فقد شبّهتها بزجاجتين، إحداهما ملئت في النبع وأُحْكِم غلقها، فلم يتسرّب إليها شيء يكدّرها، وثانيتهما ملئت من الماء نفسه بعدما سار مسافة طويلة فاحتمل في سَيْرهِ أوشابًا وأوضارًا فأفقدها نقاءها، ذلك هو مثل ما يسمى التوراة والأناجيل التي لم تدوَّن إلاّ بعد أمدٍ طويل من نزولها، وكانت عملية التدوين قد اعتمدت على الذاكرة، فكان ضياعٌ، وكان خلطٌ، وكان تقوّلٌ على الله، وكان تحريفٌ، وكانت خرافاتٌ، وأما القرآن  الكريم فمثله كمثل الزجاجة الأولى، فقد دُوّن بمجرد نزول كلّ آية، ثم جُمعت في مصحف واحد تقبلته الأمّة بقبول حسن، لأنّه لا تناقض فيه، ولا خرافة، ولا تحريف، ولا تقوُّل، وهو يهدي للتي هي أقوم، ورحِم الله شاعر الحركة الإصلاحية الجزائرية محمد العيد آل خليفة، القائل:

هيهات لا يعتري القرآن تبديل      وإنْ تبدّل توراة وإنجيل

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • merghenis

    زاوية "أُوقَرّي" هي حسب جميع المعلومات عنها زاوية مرموقة ( zaouia prestigieuse) وهذا طبعا بفضل اللجنة ، بارك الله فيها، المسيرة لها. الزاوية لديها نظام داخلي . ومن يمكنهم تسجيل فيها يعتبرون من المحضوضين.
    الزاوية تعلن في شهر 9 أو 10 عن فترة التسجيلات.

  • merghenis

    قرية بني حافظ هي مسقط رأس للعلامة الشيخ المولود بن صديق الحافظي ، رحمه الله، و هو عضو مؤسس لجمعية علماء المسلمين.
    الرابط إلى المقال :
    http://www.beni-hafed.net/cheikh_el_hafidhi.html

  • mokrane

    أطلب من الأستاذ أن يقترب الى القرية القريبة من قنزات والمقابلة لها وهي بني حافظ من القبائل الصغرى ليكلمنا عنها إذا له معلومات عن تاريخها.وشكرا أستاذ عن العمل الذي تقوم به.

  • جزائري

    أُحيي الشّيخ ، فكتاباته دائمًا هادفة ومُفيدة ،
    وكم أرجو من الأُستاذ أن يكتب عن " الجنود المُعاد استدعاؤهم بين عاميْ : 1995 و 1999 في إطار " التَّعبِئة الجُزئيّة " " لي رابلي "

  • كمال

    أحيي الشيخ محمد الهادي الحسني على هذا الموضوع
    وأنا كنت من طلبة هذه الزاوية ( مدرسة التربية والتعليم الاسلامية ) سيدي محمد أوقري وأنا أشهد بأن الشيخ عبد الوهاب حمودة من أفضل ما رأيت من الناس في حياتي فأخلاقه عالية وهو رمز للتواضع ومحب لكتاب الله خادم له وقد كنا نقرأ في الزاوية ولا يطلب منا فلسا واحدا ولا نستعمل في بعض الأشغال ولم يستغلونا سياسيا كما هو الحال في بعض الزوايا
    فلم يطلب منا إلا حفظ كتاب الله لوجه الله وأنا من حفظته ونسأل الله تعالى أن يطيل أعمار الصالحين العاملين آمين

  • بدون اسم

    قرية اولاد سي خليفة هي قريتى ..بارك الله فيكم اخى وللشيخ الفاضل

  • الوكالة

    الصفحة الثانية من السيرة الذاتية للكاتب.

    إن شاء الله نتعرف على الباقي في الصفحة الثالثة و الأخيرة و أنا جد متحمس لما ستحمله فقرة "الهواية".

  • عبد الغني

    بارك الله فيك شيخنا الفاضل ،وأطال الله في عمرك وأفاد الأمة من علمك،وبوركت حينما تكلمت عن الأستاذ عبد الوهاب حمودة الذي يشهد له البعيد قبل القريب عن جهده المشكور في نشر القرآن الكريم بمختلف علومه سواء من خلال زاويته "أوقري" أو من خلال نشاطاته المكثفة الأخرى ،ولكن ما يعاب على أهل قنزات أو على الأقل الذين عرفوك بهذه المنطقة أنهم قصروا في تعريفك ببعض قرى هذه المنطقة والتي لاها باع كبير في نشر العلم والقرآن الكريم إلى يوم الناس هذا وأخص بالذكر هنا قرية كرجانة وقرية أولاد سي خليفة .