-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قادة و”ڤيّاد”

قادة و”ڤيّاد”

القيادة أصناف وأوصاف، فمن حيث الأصناف هناك قيادة قبيلة، وقيادة إقليم وقيادة حزب، وقيادة جيش، وقيادة دولة، وقيادة أمة، ومن حيث الأوصاف هناك القيادة العلمية، والقيادة الدينية، والقيادة العسكرية، والقيادة السياسية، ولا يهمني في هذه الكلمة إلا القيادة السياسية.

  •  
  •  
  • إن القيادة ـ عموما ـ هي: “صفة تدل على هيئة نسبية بين شخص يقوم بعمل جماعي وبين أشخاص يتبعون عمله، ويسيرون على مثاله لتحقيق غاية مشتركة، فيكون أحد الطرفين قائدا والآخر مَقُودًا (1)”.
  • والقيادة من حيث منهج العمل وأسلوبه نوعان:
  • 1) “قيادة إقناعية”، يحصل فيها القائد على طاعة أتباعه اعتمادا على سجاياه، من رُجولة الخلق، ونُبْل السلوك وبطولة الحِلم، حيث تجعلك شخصية القائد تشعر كأنك أنت القائد وهو التابع، وتحس كأنك أنت الآمر وهو المأمور.
  • 2) “قيادة إرغامية، ويحصل فيها القائد على طاعة المقُودين اعتمادا على سُلطته (2).
  • إن أية قيادة لا تستطيع الحصول على ما ترجوه، وتحقيق ما تبتغيه إلا إذا كان الانقياد إليها رغبا لا رهبا، اختيارا لا إجبارا، طوعا لا روعا، ولا يمكن ذلك إلا إذا اقتنع المقودُ بأمرين هما:
  • ❊) الاقتناع بنبل الهدف المبتغى تحقيقه، وشرف الغاية المُراد إنجازها، ولهذا يجب أن يكون القائد قادرا على الإقناع بفكرته الغلابة ولهجته الخلابة، فإقناعُ الناس يتطلب مهارة فائقة، ويستوجب قدرة كبيرة. وقد صارت مناهج الإقناع وطرقه تُدرس في الجامعات والمعاهد، وأطلق عليها اسمعلم الإقناع(3)”.
  • ❊) الثقة الواعية في القيادة ـ فردا أو جماعة ـ ولا تحوز القيادة ثقة من تقودهم إلا إذا كانت أسوة حسنة لهم. فلا تأمر بشيء حتى تكون أول الملتزمين به، المطبقين له، ولا تنهى عن شيء حتى تكون أول المنتهين عنه. فلا يعقل أن تطلب قيادة من أتباعها الشجاعة وهي “أجبن من نعامة، ولا يُعقل أن تطلب منهم الاستعفاف وهي غائصة إلى الأذقان في مدّ اليدِ إلى المال العام، تبذره في شهواتها ونزواتها..
  • لقد وصف الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النموذج الأعلى للقائد الكامل أنه كان حين البأس يكون أقرب الجميع من العدو. وكان الأمير عبد القادر رحمه الله يقول وهو صادق:
  • ومن عادة السادات بالجيش تحتمي
  •               وبي يحتمي جيشي وتُحرسُ أبطالي
  • وكان الإمام ابن باديس رضي الله عنه يقود الجزائريين، ويطلب منهم التضحية، ضاربا لهم المثل بنفسه، حيث يقول:
  • فضحّوا وها أنا بينكم
  •           بذاتي وروحي عليكم ضحيّه
  • فالقادة الحقيقيون هم المتشبعون بمبادئ شعوبهم وقيمها، وهي التي ترفعهم إلى قيادتها بعدما ترى صدق ولائهم لها، وعظيم نصبهم في خدمتها، وحُسن بلاء في الذود عنها، فتنقاد لهم ـ طوعا ـ في حياتهم، وتخلد أسماءهم بعد مماتهم.
  • وأما “الڤِيّادفهو جمع على غير قياس لكلمة “قائد”، التي هي مفرد قادة أيضا. ولكن شعبنا جعل همزتها ياء، وجمعها شاذا تنزيها لكلمتي “قائد” و”قادة” اللتين تحملان شحنة عظيمة من معاني الشرف، والهمة، والمروءة، فأطلق الكلمتين على رهط من “الجزائريين”، الذين ركنوا إلى الفرنسيين، وخدموهم، وخانوا وطنهم وقومهم.
  • لقد جالت في خاطري في هذه الأيام، معاني كلمتيقادةوڤِيَادوأنا أتابع ـ مع أبناء أمتنا ـ ما يجري على ساحتنا العربية والإسلامية.
  • إن الذين يستحقون وصف “قادة” هم هؤلاء الشبان الذين آمنوا بربهم، وتحيّزوا إلى قومهم، وقادوا بمهارة كبيرة وباقتدار مشهود ملحمة العزّة في غزة، فنالوا محبة الإخوان، واحترامالعديان”، وأدهشوا العالم بحسن إدارتهم للمعركة غير المتكافئة. ولو كان لهم من السلاح جزء من المليون مما هو عند عدوهم ـ كمّا ونوعا ـ لجعلوا إسرائيل في الغابرين.
  • أما قادتهم السياسيون من إسماعيل هنية، إلى خالد مشعل، إلى محمد نزال، إلى أسامة حمدان.. إلى.. إلى.. فقد كانوا أفصح لسانا وأصدق لهجة، وأثبت جنانا، وأدمغ بُرهانا..
  • وأما الذين يجب أن يطلق عليهم لفظڤيادفهم أولئك الذين احمرّت وجوههم لا من الحياء من الله، ولا من الغضب لقومهم، ولكن من (…) وانتفخت بطونهم، واسودّت وجوههم.
  • لقد أحرج القادة الحقيقيون في غزة، هؤلاء “الڤياد” في رام الله والعواصم العربية، لقد كان هؤلاء الڤياد” ـ الذين نُصّبوا في كراسيهم ضد إرادة أمتنا ـ يظنون أن الجوّ سيخلو لهم، بعدما تقضي إسرائيل على المجاهدين في غزة، وقد حرّضوها عليهم، فجاءتهم من فوقهم، ومن أسفل منهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، برّا وجوا وبحرا ولكن الله ـ عز وجل ـ خيّب ظنهم جميعا، والقريب قبل الغريب، فربط على قلوب المجاهدين وثبّت أقدام أهل غزة وأفئدتهم، فصمدوا “لجهنم اليهودية” صمودا سيبقى أبد الدهر مثلا يُضرب للإرادة والصدق والإخلاص.
  • لقد استمعت إلى الڤياد” وهم يتلعثمون في القاهرة، ورام الله وشرم الشيخ، والكويت فلاحظتُ أن أولئك الڤياد” أشد حرصا على استعمال ألقاب “الجلالة” و”الفخامة” و”السمو”، و”السيادةمما يدل على أنهم فقراء من معانيها، فهم كما قال ابن رشيق المسيلي في من أحيا الإسم وأمات الرسم:
  • ألقاب مملكة في غير موضعها
  •               كالهر يحكي انتفاخا صَوْلَة الأسد
  • إن إسرائيل أشد رهبة في صدور أولئك “الڤياد” من الله.. ولو كانوا على شيء، ويستحقون ما يطلقونه على بعضهم من أوصاف “الحكمة” و”الرشد” لاهتبلوا فرصة تمريغ المجاهدين في غزة لأنف إسرائيل، ولأمدّوهم ببعض ما صدِئ في مخازنهم من سلاح ليخلصهم أولئك المجاهدون من الغول الذي يملأ صدورهم رعبا، فينامون نوما هنيئا.
  • ولكن مصلحة أولئك الڤياد” تتفق مع مصلحة إسرائيل في القضاء على المجاهدين في غزة. لقد سمعتُ أحد أولئك “الڤياد” يقول: لن نسمح بقيام “إمارة إسلامية في غزة”. فلماذا سمحتَ أيها الڤايد” بقيام “دولة يهودية”؟
  • لقد تشجع أحد أولئكالڤيادفاعترف فيقمتهمبالكويت، فقال بلسان غير مبين: “إنقادةالعرب جميعا، مسؤولون عن الوهن الذي أصاب الأمة العربية ولا أستثني منهم أحدا“.
  • فتحية صادقة، لقادة أمتنا الحقيقيين، الذين لم يفرضهم علينا أحد، وعسى أولئك الڤيادأن يقتدوا بهؤلاء القادة، الذين صدقوا الله، فصدقهم وعده.
  • ———
  • 1) معجم العلوم الاجتماعية، إشراف: إبراهيم مدكور. ص 472
  • 2) عن القيادة الإقناعية والإرغامية، انظر: عبد الرشيد محمد الرشيد: القيادة العسكرية في عهد الرسول. ص 25
  • 3) معتصم بابكر مصطفى: من أساليب الإقناع في القرآن الكريم. ص 33
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!