-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قال بن بيتور…

بشير مصيطفى
  • 5563
  • 4
قال بن بيتور…

قال رئيس الحكومة الأسبق، الدكتور أحمد بن بيتور، السبت الماضي، في محاضرة نظمها مركز أمل الأمة للدراسات واحتضنتها دار الشروق، إن الجزائر ليست في حاجة إلى إصلاحات سياسية أو دستورية بل إلى تغيير شامل وجذري، وإن الحالة التي تعيشها البلاد هي حالة الدولة “المميّعة” وهي غير حالة الدولة “الضعيفة”…

  • حيث أصبح الفساد معمّما والأشخاص معبودين وسلطة القرار مركزية. وقال بن بيتور أيضا إن النظام السياسي في الجزائر هو نظام ريعي وقائم على عوامل للبقاء هي: وفرة مداخيل الحكومة، ضعف التجنيد الشعبي والقيمة الاستراتيجية للمحروقات. وأضاف بن بيتور، وزير المالية الأسبق، إن النخبة في الجزائر همّشت في الاستقلال كما همشت عند الثورة، مما أثر سلبا على قوة الدولة واستقرارها، ودعا بذلك إلى ابتكار نخب جديدة وإشراكها في الحكم على أن تكون النخبة المنشودة مقتنعة بالتغيير الهادئ، ذات رؤية محركة وتحقق إجماعا حول قيادة موحدة. وزاد بن بيتور، أن أمام الجزائريين 3 خيارات لإحداث التغيير هي: الانتفاضة والثورة، التعبئة السلمية أي التغيير بدون عنف، وأخيرا إشراك النخب في الإصلاح من داخل النظام. ليخلص في الأخير إلى أن المطلوب جزائريا هو التغيير الجذري وليس التغيير التجميلي وهي الطريقة المثلى لرحيل المسؤولين، أما الآن فالمشهد السياسي لم يعبر عن هذه الارادة، ما يعني أن المشاورات الجارية لا قيمة لها. فهل أصاب الرجل ـ الذي استقال من رئاسة الحكومة في سابقة تاريخية من نوعها في التاريخ السياسي للجزائر ـ فيما قال؟ وهل هناك حقائق لم يقلها صاحبنا وعلى غيره أن يقولها؟
  • الحتمية التاريخية أو البقاء للأصلح
  • تحدث بن بيتور كموظف سابق في الدولة وليس كمسؤول في النظام الفعلي، ولهذا تجد آراؤه قبولا نسبيا لدى النخبة التي تصفها بالصادقة وتصب في مصلحة ومستقبل البلاد. ويحاول الرجل أن يجد داخل الطبقة المثقفة الجزائرية طريقا إلى تجسيد مشروع التغيير ـ كما يراه ـ على الأرض وهو تغيير مبني على نقاط محددة ظل يشرحها منذ فترة طويلة، أي منذ أن ظهر إعلاميا كمفكر معارض للنظام وتصب في طرد الخوف والتخلص من اليأس وخطوات التغيير، ولكنه مشروع لايزال يبحث عن مرجعية تسمح له بتجنيد فعاليات المجتمع لتبنيه إطارا للتحول، مرجعية يمكن وضعها وتطويرها في ضوء النقاش الذي بدأ يدور حول أفكار الرجل. من السهل أن نفكر ولكن ليس من المتاح دائما أن تكون أفكارنا فعالة إذا نافستها أفكار أخرى تمتلك شروط التفوق ولو كانت أفكارا رديئة.
  • وفي حالة بن بيتور، فإن الرجل حكم على النظام القائم بالتفوق على أية فكرة أخرى دون أن يشعر بذلك عندما ربط ديمومته بشروط محددة مازالت قائمة وستظل كذلك لفترة لا تقل عن 40 سنة، أي استمرار تدفق الريع لصالح الخزينة واستمرار النفط كطاقة استراتيجية في العالم المصنع. والمطلوب مقاربة أخرى تصلح مرجعا للتغيير، أي إثبات الصورة العكسية وهي أن استمرار الريع يهدد توازن النظام لصالح قوى تغيير محتملة قد تتشكل في فضاء الاتصال الجماهيري ومواقع التفاعل الاجتماعي على أساس شعور فئات من المجتمع بأن إيرادات المحروقات والمعادن تتجه إلى تشكيل تراكم رأسمالي تبنى به بورجوازية صغيرة تقوم بدورها في مرحلة لاحقة بتشكيل عائلات حاكمة داخل مراكز القرار. في هذه الحالة يبدأ الوعي الثوري في التشكل دون أن ينتبه إلى تشكله أحد.
  • التهميش المنظم
  • في سوق النقود قاعدة ذهبية وضعها رجل عبقري اسمه “توماس غريشام” وكان المستشار المالي للملكة إليزابيت في بداية القرن 16 برتبة “سير”، تقضي بأن: النقود الرديئة تطرد النقود الجيّدة من السوق. قاعدة نجد مثلها في النظم السياسية المبنية على الاستبداد أو الشمولية أو التخلف أو الميوعة أو الريع ولكن في عالم الأفكار. فالأفكار الجيدة يسهل تهميشها في تلك النظم بتهميش النخب التي تحملها وبتفكيكها بأساليب شتى ليس أقلها فعالية إلحاق الفعاليات الفكرية والاجتماعية بالعصب الحاكمة ومراكز القرار أو مطاردة وجودها أو الحؤول دون انتظامها في صورة قوى سياسية.
  • والدافع إلى ذلك هو افتقاد تلك الأنظمة لمشروع سياسي مستقل أو عدم اقتناع تلك الأنظمة بمتانة المشروع الذي تحمله أو بسبب خوفها من ضياع امتيازات جاءت عن طريق الريع وليس عن طريق الإبداع، وفي هذه النقطة أصاب بن بيتور حتى لقي احتراما كبيرا. فتهميش النخب سمة جزائرية بدأ قبيل اندلاع ثورة التحرير واستمر خلالها ولايزال مستمرا الى يومنا هذا حتى طال جميع الفئات المفكرة من رجال الدين والعلم والأدب والفن والإعلام والفكر السياسي والدعوة. تهميش بانت ملامحه في المشاورات الجارية لإصلاح أوضاع البلاد، وبانت قبل ذلك في تقليد المناصب القيادية في الدولة حتى خيّل للناس أن فرنسا ـ التي حاربت علماء الجزائر ومثقفيها الذين انتظموا في “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” إبان الاحتلال ـ تمكنت من تحقيق نفس المسعى عند الاستقلال.
  • وهكذا افتقد الشعب الأفكار السياسية الجيدة لصالح أفكار رديئة، وانسحبت النخبة من السجال السياسي تحت ضغط التحول الاجتماعي الذي رفع “الخبز” فوق “الكرامة” ورفع “السلامة” فوق “الصراع الفكري”، ولكن المطلوب اليوم أكثر من وصف حالة تاريخية لاتزال قائمة بقدر ما هو إحداث ثغرة في الطريق المسدود باستغلال وسائط الاتصال الجديدة في تجنيد ما تبقى من النخبة حول أفكار محددة، وطنية، متصلة بالثوابت، فعالة، قوية ومقاومة للأفكار العائمة. تجنيد يجب أن يفضي إلى اقتناع ثم الى إقناع صانعي القرار والسياسات في الجزائر بأن قاعدة “غريشام” ولّى زمانها مع زمان مشاريع التحول الديمقراطي والحكم الصالح، وهي مشاريع سريعة التشكل قوية التأثير ومفاجئة الفعل بفضل تقدم فنيات الاتصال وتوسع رقعة المظالم الاجتماعية.
  •  وشكرا للمفكر بن بيتور الذي بدأ هو نفسه في عملية إحداث الثغرة المطلوبة في الطريق المسدود عن طريق التفكير ولو بعزف منفرد.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • mohded

    الانسان في عصرنا هدا ليس مطالبا بابتكار اشياء جديدة بل يكفيه التمعن فيما حوله والرجوع الي الوراء بداكرته لكي يستطيع فهم ما يدور به من احداث وما يجب القيام به

  • منال

    لا فض فوك يا استاذنا الكريم

  • لوكان جات الدنيا دنيا

    شكرا كلام منطقي

  • goodman

    بسم الله
    الشكر لك يا دكتور مصيطفى على هدا التحليل و اقدر شكرك للرجل الدي شكرته.
    معركة الافكار و ظهور نخبة المتعالمين و المتثاقفين و تحكمها في مصادر القرار و المراكز الاستراتيجية في البلاد كان و سيكون دائما عائقا امام تحقيق اي انجاز في البلاد. المشاورات التي جرت ماهي الا شهوة في الكلام لافتقار في الافكار. صدق فيلسوف الحضارة بن نبي حين اعتبر فقر الافكار و عدم فعاليتها من اهم اسباب التخلف و اعتبر كدلك رجل سبب هموم الامة. و اعتير الاشياء من مكتسبات الحضارة لا من اساسياتها.