الرأي

قبل أن يَيْأَس الجميع

محمد سليم قلالة
  • 1148
  • 3

ليس من الحِكمة أن نستمرَّ في إقناع أنفسنا بأننا لسنا على أبواب حقبة سياسية جديدة في بلادنا، ذلك أن كافة المؤشرات تدل على أننا حتى وإن لم نُهيِّئ أنفسنا لحقبة سياسية جديدة علينا أن نُسرع إلى القيام بذلك، قبل فوات الأوان. لقد أصبح بارزا للعيان أن أساليب حل المشكلات المتعددة التي يعرفها المجتمع لم تعد تعطي النتائج المرجوَّة بل إنها استنفدت كل قدرة لديها للتعامل بفعالية مع المشكلات المختلفة والأزمات بشتى أنواعها، من أزمة السكن إلى أزمة البرلمان.. جميع الحلول المتعارف عليها مِن قِبَلِ الجزائريين إنما أصبحت اليوم في حاجة إلى استبدالها بأخرى مبتكرة وأكثر ملاءمة لطبيعة المرحلة التي نعيش.
ليس من المعقول أن يستمرَّ المريض في معاناته داخل المستشفيات حتى ولو كانت العملية الجراحية التي أجريت له بعد انتظار طويل مجانية أو بمائة دينار فقط، وليس من المقبول أن يستمر في قبول الانتظار لساعات أو الانتقال من مستشفى إلى آخر لإجراء كشف مستعجل بالأشعة ولو كان هذا الكشف مجانيا أو بـ50 ديناراً فقط. لم نعُد جميعا نقبل بالتلاعب بصحتنا حتى وإن كُنَّا في آخر المطاف لا ندفع شيئا، لأننا في آخر المطاف ندفع أغلى من كل شيء، صحتنا ووقتنا وتعبنا الذي ينتجه اللهث الطويل خلف هذه العيادة أو تلك للحصول على موعدٍ هنا أو هناك.
هذه الحالة في القطاع الصحي، ينبغي أن تتبدَّل وعلى المستوى الوطني، وهذا يتطلب سياسة جديدة بمعنى الكلمة وليس ترقيعا للسياسات السابقة أو إصرارا على تنفيذها بطرق أخرى رغم تأكدنا من عدم نجاعتها.
وقس على قطاع الصحة، السكن مثلا.. إذ ليس من المعقول أن تستمر محاولة إقناع الناس بأن طريقة إسكانهم بالسياسات الحالية هي الصحيحة حتى وإن حققت نتائج إيجابية قياسا مع ما كنا نعرف من أزمة سكن قبل اليوم، ذلك أنها نتائج تم استنفاد إيجابياتها إن صحَّ التعبير. لم يعُد شبابنا اليوم مستعدا لانتظار 20 سنة ليحصل على سكن أي عند الكهولة أو بداية الشيخوخة إن تأخر في سن الزواج. إنه في حاجةٍ إلى سكن يؤويه مباشرة بعد الزواج أو بعد الحصول على عمل. والسياسات الحالية بالطريقة التي تجري بها اليوم لا يمكنها بأي حال تحقيق هذه النتيجة.
وما نقوله عن قطاع الصحة أو السكن يقال عن قطاعات حساسة أخرى كالتربية والتعليم العالي والقضاء والعمل والفلاحة والصناعة وغيرها… جميعها أصبحت في حاجة إلى سياسات جديدة، إلى ديناميكيات جديدة، إلى حلول أكثر ابتكارا ونجاعة. ولا معنى للبقاء ضمن نفس السياسات إلا إذا كُنَّا نُصِرُّ على الخطإ، ونُصِرُّ على منع باب الأمل ليفتح أمام الناس. هذا الباب الذي طال انتظاره، وعلينا بتعجيل فتحه قبل أن يَيْأَسَ الجميع.

مقالات ذات صلة