الرأي

قراءة المستور.. في الدستور

عبد الرزاق قسوم
  • 3370
  • 0

استهّل صارخًا، بعد مخاضٍ عسير، ونقاشٍ كبير. وُلدَ أخيراً الدستور الجزائري المعمور حاملاً في بعض بنوده، الأمل للجمهور، وفي بعض بنوده الأخرى، الكثير من المستور.

وأيًّا كانت القراءات المتعدّدة التي خُصّصت للدستور الجزائري، الذي أُريدَ له أن يكون توافقيًا يلبّي الطموحات العميقة، ويُخرِجَ الجزائريّ من الهوّة السّحيقة، ويُسهِم في عملية التحوّل والرّسو على مرفإ الحقيقة، فإنّ هذا الإنجاز هو خطوة إلى الأمام جريئة، ولو أنّه يحتاج إلى الكثير من الأشّعة المضيئة.

وجمعية العلماء، أمّ الجمعيات التي اشتَركت في وضع مقترحات في محاولةٍ منها لوضع بناء مستقبلي، مضادٍ للزلازل، يحفظ للجزائر سيادتها واستقلاليتها دون أيّ تبعية أو تنازل، وهي، أي جمعية العلماء، لم تُصدِر حتى الآن موقفها الرّسمي من الدّستور التوافقي المعدّل. غير أنّ القراءة العابرة في المستور من الدّستور، تُتيحُ استنباط بعض الانطباعات التي من شأنها أن تُسهّل عملية القراءة، وأن تُمكّن من إيجاد الكثير من الإضاءة.

سوف لن أخضِع هذه القراءة، للمنهج السياسي وقضاياه، فذلك موضوع له مختّصوه، والمتطلّعون في جوانبه وزواياه. إنّ المحاولة هذه ستقتصر على ألصقِ الأمور باهتماماتنا، وهي الجوانب الثقافية، والعقدِية، ونَعني بها الثوابت التي تصُون لسان الأمّة وروحَها ووحدتها.

من حيث لسانِ الأمّة، يُسجّل الدّستور ترقية الأمازيغية إلى لغة “وطنية ورسمية”. وإذا كنّا نبارِك كلّ ما من شأنه أن يستجيب لمكوّنات الأمّة وصيانة وحدَتها فإنّنا نسجّل بعض المستور في هذه القضية. وأهمّها:

1- إعادة تدقيق مصطلح “تمازيغت” الذي طالما شابهُ نوعٌ من اللّبس والغموض، بسبب هيمنة الأكاديمية البريرية عليه، ومحاولة “تطهيره” من معالم الثقافة العربية والإسلامية.

2- اختزال “الأمازيغية” وحصرها في منطقة معيّنة من مناطق الوطن الجزائري، والحال أنّها تراثٌ شعبي، تشترك فيه كلّ المناطق الجزائرية، فكيف يتّم التغلّب على هذا الإشكال؟.

3- بأيّ حروف ستُكتَب الأمازيغية؟ هل تُكتب بالحرف العربي، الذي هو الجامع المشترك الأعظم لكلّ الجزائريين، بحيث تُصبح الأمازيغية كتراث في متناول الجميع، وتكون الثقافة العربية الإسلامية رافدًا من روافدها الخِصبة؟ أمْ بالحرف اللاتيني؟ وبالإضافة إلى كلّ هذه الظِلال، فإنّ الأكاديمية المنشودة، التي نريدها أن تكون شاملة لكلّ مناطق الوطن، مدعوّة لإعادة النظر في آثار الأكاديمية البربرية الباريسية، العدمية على الثقافة العربية، الشقيقة للأمازيغية، بحيث تُعيد الأكاديمية المنشودة الأمازيغية إلى حضنها العربي الإسلامي الدافئ، فتصبح لبنة صلبة في جدار بناء الوحدة الوطنية، تتحطّم على صخرتها كلّ المغامرات الإقصائية أو الانفصالية، التي تُحاوِل أن تَجعَل من الأمازيغية “قميص عثمان”.

ولكشف كلّ هذا المستور، فإنّ على الدستور أن يعود إلى العناية بالرّكن الأساسي في هويّتنا الثقافية، وهو إحلال العربية لغة الوطن، ولغة القرآن، مكانتها اللائقة بها، والتي يكفلها لها الدستور.

إنّ من واجبات السّاهرين على تطبيق الدستور أن يُطهّروا اللّسان والجِنانَ والبُنيان من الغزو الثقافي الأجنبي الذي لوّث المحيط، وعجّم المخيط، وأفسد كلّ تخطيط. فينبغي الضّرب بأيدي العدل على كلّ من يُخالِف الدّستور، فيَكتب على المحلّات بغير العربية، ويُقدِّم صورة قبيحة عن الهويّة الجزائرية.

إنّ من واجبات السّاهرين على تطبيق الدستور أن يُطهّروا اللّسان والجِنانَ والبُنيان من الغزو الثقافي الأجنبي الذي لوّث المحيط، وعجّم المخيط، وأفسد كلّ تخطيط. فينبغي الضّرب بأيدي العدل على كلّ من يُخالِف الدّستور، فيَكتب على المحلّات بغير العربية، ويُقدِّم صورة قبيحة عن الهويّة الجزائرية.

وما دامت العربية هي لغة المعتقد بعد لغة الوطن، فإنّ المقوّم الرئيسي لصيانتها هو المقوِّم الرّوحي لشعبنا الجزائري، الذي هو الإسلام، الذي حصّن إنساننا قديمًا من الاندماج والذّوبان، ويجب أن يُحصّنه اليوم ضدّ كلّ آفات الانسلاب.

إنّنا نسجّل تأكيد الدّستور أنّ الجزائر أرض الإسلام وأنّ الإسلام دين الدولة، ولكن أيّ إسلام نُريد؟.

إنّ الإسلام الذي جاهدَ من أجله أسلافنا من العلماء واستشهدَت في سبيله قوافلُ الشّهداء، يجبُ أن يكونَ الجامعَ لكلّ المجامعِ، والحاكمَ في كلّ المحاكمِ؛ ففي المادّة 140 من الدّستور نَقرأ “أساس القضاء مبادئ الشّرعية والمساواة” وما بين الشريعة والشّرعية بَونٌ شاسع.

وإذْ يؤكّد الدّستور على أنّ الشعب يعتزم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة، والعنف، وعن كلّ تطرّف من خلال ترسيخ قيمِه الرّوحية والحضارية التي تدعو إلى الحوار والمصالحة، والأخوّة، ومثلُ هذا العزم ينبغي أن يُترجمَ في مجموعةٍ من العناصر:

1- استلهام القيم الرّوحية المنشودة من الفهم الصحيح للمرجعية العلمية الوطنية، التي تدعو إلى فهم صحيح للإسلام، وتطبيقه تطبيقًا سليمًا في أرض الواقع.

2- جعل الشريعة الإسلامية الصّافية مصدرًا للتشريع في جميع مستوياته، كي تتحقّق قيم الحِوار، والمصالحة، والأخوّة التي ينّص عليها الدّستور.

3- تأصيل المنظومة التربوية وتخليصها من كلّ آثار التقليد الأجنبي، والغزو الفكري في العقل والنقل.

4- تحصين الشباب والنّساء، على الخصوص، ضدّ مظاهر الانحلال، وإنقاذهم من كلّ الآفات الاجتماعية والخُلقية، التي أفسدت القلوب، وخرّبت الجيوب، ونشرت مختلف المآسي والعيوب في كلّ الأحياء والدروب.

إنّنا من وحي الوفاء لهذا الشَّعب، وبدافع الحبّ لهذا الوطن ننصحُ ولو كنّا أحيانًا مختلفين أفكارًا، وديارًا، بأنّ عظمة كلّ دستور لا يَكمُن فقط في قوّة فصوله وبنوده، وإنّما يَكمُن أيضًا في قوّة الالتزام بعهوده، والتحصّن بالصالحِ من سدودِه، والمخلصين من جنوده.

إنّ الشعب الجزائري الذي يُعاني اليوم، مرحلة اضطراب، نأمل أن تكون عابرة، لهو توَّاقٌ إلى أن يخرجَ من عنق الزّجاجة، بمنحِ المزيد من الوّضوح والشفافية للدّستور، حتى يأخُذ بيدِ شعبنا فيتبوأ المكانة اللائقة به بين الأمم، وهو الشعب الأبّي الذي عوّدنا على صنعِ المعجِزات طيلةَ تاريخه، فلنعمل –بهذا الدّستور- على إخصابِ أشجارِه، وإنضاجِ شماريخهِ.

مقالات ذات صلة