-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قراءة المستور.. في الدستور

قراءة المستور.. في الدستور

استهّل صارخًا، بعد مخاضٍ عسير، ونقاشٍ كبير. وُلدَ أخيراً الدستور الجزائري المعمور حاملاً في بعض بنوده، الأمل للجمهور، وفي بعض بنوده الأخرى، الكثير من المستور.

وأيًّا كانت القراءات المتعدّدة التي خُصّصت للدستور الجزائري، الذي أُريدَ له أن يكون توافقيًا يلبّي الطموحات العميقة، ويُخرِجَ الجزائريّ من الهوّة السّحيقة، ويُسهِم في عملية التحوّل والرّسو على مرفإ الحقيقة، فإنّ هذا الإنجاز هو خطوة إلى الأمام جريئة، ولو أنّه يحتاج إلى الكثير من الأشّعة المضيئة.

وجمعية العلماء، أمّ الجمعيات التي اشتَركت في وضع مقترحات في محاولةٍ منها لوضع بناء مستقبلي، مضادٍ للزلازل، يحفظ للجزائر سيادتها واستقلاليتها دون أيّ تبعية أو تنازل، وهي، أي جمعية العلماء، لم تُصدِر حتى الآن موقفها الرّسمي من الدّستور التوافقي المعدّل. غير أنّ القراءة العابرة في المستور من الدّستور، تُتيحُ استنباط بعض الانطباعات التي من شأنها أن تُسهّل عملية القراءة، وأن تُمكّن من إيجاد الكثير من الإضاءة.

سوف لن أخضِع هذه القراءة، للمنهج السياسي وقضاياه، فذلك موضوع له مختّصوه، والمتطلّعون في جوانبه وزواياه. إنّ المحاولة هذه ستقتصر على ألصقِ الأمور باهتماماتنا، وهي الجوانب الثقافية، والعقدِية، ونَعني بها الثوابت التي تصُون لسان الأمّة وروحَها ووحدتها.

من حيث لسانِ الأمّة، يُسجّل الدّستور ترقية الأمازيغية إلى لغة “وطنية ورسمية”. وإذا كنّا نبارِك كلّ ما من شأنه أن يستجيب لمكوّنات الأمّة وصيانة وحدَتها فإنّنا نسجّل بعض المستور في هذه القضية. وأهمّها:

1- إعادة تدقيق مصطلح “تمازيغت” الذي طالما شابهُ نوعٌ من اللّبس والغموض، بسبب هيمنة الأكاديمية البريرية عليه، ومحاولة “تطهيره” من معالم الثقافة العربية والإسلامية.

2- اختزال “الأمازيغية” وحصرها في منطقة معيّنة من مناطق الوطن الجزائري، والحال أنّها تراثٌ شعبي، تشترك فيه كلّ المناطق الجزائرية، فكيف يتّم التغلّب على هذا الإشكال؟.

3- بأيّ حروف ستُكتَب الأمازيغية؟ هل تُكتب بالحرف العربي، الذي هو الجامع المشترك الأعظم لكلّ الجزائريين، بحيث تُصبح الأمازيغية كتراث في متناول الجميع، وتكون الثقافة العربية الإسلامية رافدًا من روافدها الخِصبة؟ أمْ بالحرف اللاتيني؟ وبالإضافة إلى كلّ هذه الظِلال، فإنّ الأكاديمية المنشودة، التي نريدها أن تكون شاملة لكلّ مناطق الوطن، مدعوّة لإعادة النظر في آثار الأكاديمية البربرية الباريسية، العدمية على الثقافة العربية، الشقيقة للأمازيغية، بحيث تُعيد الأكاديمية المنشودة الأمازيغية إلى حضنها العربي الإسلامي الدافئ، فتصبح لبنة صلبة في جدار بناء الوحدة الوطنية، تتحطّم على صخرتها كلّ المغامرات الإقصائية أو الانفصالية، التي تُحاوِل أن تَجعَل من الأمازيغية “قميص عثمان”.

ولكشف كلّ هذا المستور، فإنّ على الدستور أن يعود إلى العناية بالرّكن الأساسي في هويّتنا الثقافية، وهو إحلال العربية لغة الوطن، ولغة القرآن، مكانتها اللائقة بها، والتي يكفلها لها الدستور.

إنّ من واجبات السّاهرين على تطبيق الدستور أن يُطهّروا اللّسان والجِنانَ والبُنيان من الغزو الثقافي الأجنبي الذي لوّث المحيط، وعجّم المخيط، وأفسد كلّ تخطيط. فينبغي الضّرب بأيدي العدل على كلّ من يُخالِف الدّستور، فيَكتب على المحلّات بغير العربية، ويُقدِّم صورة قبيحة عن الهويّة الجزائرية.

إنّ من واجبات السّاهرين على تطبيق الدستور أن يُطهّروا اللّسان والجِنانَ والبُنيان من الغزو الثقافي الأجنبي الذي لوّث المحيط، وعجّم المخيط، وأفسد كلّ تخطيط. فينبغي الضّرب بأيدي العدل على كلّ من يُخالِف الدّستور، فيَكتب على المحلّات بغير العربية، ويُقدِّم صورة قبيحة عن الهويّة الجزائرية.

وما دامت العربية هي لغة المعتقد بعد لغة الوطن، فإنّ المقوّم الرئيسي لصيانتها هو المقوِّم الرّوحي لشعبنا الجزائري، الذي هو الإسلام، الذي حصّن إنساننا قديمًا من الاندماج والذّوبان، ويجب أن يُحصّنه اليوم ضدّ كلّ آفات الانسلاب.

إنّنا نسجّل تأكيد الدّستور أنّ الجزائر أرض الإسلام وأنّ الإسلام دين الدولة، ولكن أيّ إسلام نُريد؟.

إنّ الإسلام الذي جاهدَ من أجله أسلافنا من العلماء واستشهدَت في سبيله قوافلُ الشّهداء، يجبُ أن يكونَ الجامعَ لكلّ المجامعِ، والحاكمَ في كلّ المحاكمِ؛ ففي المادّة 140 من الدّستور نَقرأ “أساس القضاء مبادئ الشّرعية والمساواة” وما بين الشريعة والشّرعية بَونٌ شاسع.

وإذْ يؤكّد الدّستور على أنّ الشعب يعتزم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة، والعنف، وعن كلّ تطرّف من خلال ترسيخ قيمِه الرّوحية والحضارية التي تدعو إلى الحوار والمصالحة، والأخوّة، ومثلُ هذا العزم ينبغي أن يُترجمَ في مجموعةٍ من العناصر:

1- استلهام القيم الرّوحية المنشودة من الفهم الصحيح للمرجعية العلمية الوطنية، التي تدعو إلى فهم صحيح للإسلام، وتطبيقه تطبيقًا سليمًا في أرض الواقع.

2- جعل الشريعة الإسلامية الصّافية مصدرًا للتشريع في جميع مستوياته، كي تتحقّق قيم الحِوار، والمصالحة، والأخوّة التي ينّص عليها الدّستور.

3- تأصيل المنظومة التربوية وتخليصها من كلّ آثار التقليد الأجنبي، والغزو الفكري في العقل والنقل.

4- تحصين الشباب والنّساء، على الخصوص، ضدّ مظاهر الانحلال، وإنقاذهم من كلّ الآفات الاجتماعية والخُلقية، التي أفسدت القلوب، وخرّبت الجيوب، ونشرت مختلف المآسي والعيوب في كلّ الأحياء والدروب.

إنّنا من وحي الوفاء لهذا الشَّعب، وبدافع الحبّ لهذا الوطن ننصحُ ولو كنّا أحيانًا مختلفين أفكارًا، وديارًا، بأنّ عظمة كلّ دستور لا يَكمُن فقط في قوّة فصوله وبنوده، وإنّما يَكمُن أيضًا في قوّة الالتزام بعهوده، والتحصّن بالصالحِ من سدودِه، والمخلصين من جنوده.

إنّ الشعب الجزائري الذي يُعاني اليوم، مرحلة اضطراب، نأمل أن تكون عابرة، لهو توَّاقٌ إلى أن يخرجَ من عنق الزّجاجة، بمنحِ المزيد من الوّضوح والشفافية للدّستور، حتى يأخُذ بيدِ شعبنا فيتبوأ المكانة اللائقة به بين الأمم، وهو الشعب الأبّي الذي عوّدنا على صنعِ المعجِزات طيلةَ تاريخه، فلنعمل –بهذا الدّستور- على إخصابِ أشجارِه، وإنضاجِ شماريخهِ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بوعلام لوسات

    النقاش الحضاري ليس من ثقافتنا. العنف و اقصاء الاخر و الاستبداد هذا ما تعلمناه و ربتنا عليه دولة الكسكيطة التي نشات بعد استقلال بلادنا. لكل شيء بداية. نحن نسير الان في الطريق القويم و جدالاتنا الصاخبة و معاركنا الكلامية ستتهذب و اهواؤنا الملتهبة ستهدا فتصبح الجزائر بلدا ديموقراطيا بمؤسسات ديموقراطية و يصبح الجزائريون شعبا متحضرا يعالج اموره بهدوء و يناقش همومه بطريقة متحضرة. انا متفائل.

  • رمضان

    ان القبول بالامازغية والتخوف من ترسيمها في الدستور وايجاد ذرائع والتشكيك في تطويرها مثل باي لغة تكتب .دور الاكاديمية البربرية .استعمال الاسلام وغيرها من الحجج الواهية كلها عراقيل لاخذمكانتها الائقة .ان الامازيغية امانة في ايادي ابنائها الذين يؤمنون بها لانها عانت مالم تعانيها اي لغة لا يحسها الا من ذاق الحرمان والاقصاءسنوات وسنوات.

  • hocheimalhachemi

    حفظك الله وسدد خطاك تحية مع احترام وتقدير على ما جاء في مقالكم القيم والمفيد،
    فأنتم الأولى والمؤهلين للقول في هذا وغيره، فالعلماء هم من ينيرون لنا الطريق ، فالعلماء ورثة الأنبياء ،
    والسحاب الممطر لا يضيره نبح الكلاب الضآلة المصابة بداء la Rage
    الغربي؟؟

  • رشيد

    اسم (ترانب ) اقرب الى الصهيونية منه الى الامازيغية كل تعصب فهو ممقوت وعنصرية ولا فائدة منه الاحرار من الجزائريينسواء كانوا عرب وامازيغ بعيدين عن هدا التطرف الدي هو بدرة من بدور حزب فرنسا هدا اصبح معلوما لدلى الجميع

  • بدون اسم

    ثمازيغث أصيلة في أرضها قوية يأينائها و سوف تنتشر رغم أنف أحفاد أبو لهب

  • ترامب

    يا قسوم
    العربية لغة الجنة وكتب بها القرآن و قمتم بحضارة بواسطتها وانتم 300مليون عربي وو
    لماذا تريد تعريب الحروف الامازيغية
    اانت خائف على القطريين ام الجزائريين
    المستور في الدستور ليس الامازيغية لان لها ترابها وناسها وتاريخها ووو
    المستور هم الاعراب الصهاينة المقيمين بالجزائر ولم يتغيروا منذ قرون
    تريد تعريب الامازيغ روح الى الصين بها مسلمون وعرب الصين الى تركيا وعرب الاتراك وووو
    الى متى سننتظر لدحر العرب وثقافتهم الى الخليج

  • بدون اسم

    الدوله اخذت الانفصاليين من الامازيغ و تحاول ارضائهم و تنفيذ مطالبهم كل هذا بضغوط فرنسيه.عامه الامازيغ اخوان لنا في الدين و الوطن نعيش معا و في كل عائله هناك مصاهرات حتى بتنا لا نعرف من العربي ومن الامازيغي.ان كان اخواننا الامازيغ يريدون استخدام لغتهم فمن الذي منعهم؟و ان كانوا يريدونها كالعربيه فليس الدوله من تفعل ذلك بقرار و انما بالتداول و الاستخدام وفرضها سيسئ اليها اكثر من ان يعممها . ماذا قدم دعاه الامازيغيه للغتهم؟ما هي البحوث و الدراسات التي قدموها كمفكرين و اشخاص للغتهم خلال 50سنه؟

  • بدون اسم

    لا اعرف لماذا دائما قله الادب تصاحب بعض الامازيغ عند نقاش الامازيغيه ( و اقول بعض ولا اعمم ) هل هي صفه وراثيه ام قله حجه ؟ الرجل طرح رأيه لماذا لا تناقشه و الا قله الادب لصيقه بالانفصاليين ؟

  • بدون اسم

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبراكاته
    كل عام وانتم بخير
    شيخنا واستاذنا الفاضل ربي يطول في عمرك
    ويعطيكم الصبر بلا عبر - لمن تقرأ زابورك يا داود- أكررها
    التاريخ يشهد ويسجل ......
    السلام عليكم

  • عمر

    جمعية العلماء المسلمين الجزائرية تقزمت ومعها كل جمعيات الأمة الاسلامية, فتراهم يكتبون ولا نرى مجالس وندوات تلفزيونية تعارض وتقف أمام ما يجري من حرب على الاسلام والمسلمين في تغيير مناهج التربية وقوانين الأسرة والانحلال الخلقي والفساد, ولم أقرأ أو أسمع لحد الآن عن القروض الاستهلاكية والربا؟ هل الكل يعمل بمقولة "تخطي راسي" "نتهلى ونربي عايلتي فقط", ونعلم أن المجتمع والمحيط نخره الفساد فجعله عبدا للدنيا وموبقاتها! هنا يبرز دور الجمعية ولكنها غائبة وتكتب فقط للمجتمع الذي لا يقرأ لأنه يلهث وراء اللقمة

  • زهير

    يا السي لا نريدك ان تقرا و لا ان تكتب فقط........

    نريدك ان تتكلم.....نريدك ان تعقد ندوات صحفية....

    .لتبين راي الجمعية في ما يمس الاحوال الشخصية للشعب الجزائري...

  • امازيغي

    مستورك خاص باللغة الامازيغية فقط ولا غير. بئس هذا المستور مستورك. الجزائر تعج بالمستور يا هذا.

  • عبد الودود

    أتابع
    قلت أقترح أن تلم الجمعية بعض التيارات الإسلامية الدعوية المعتدلة التي لها أثر في الأوساط الجماهرية كجماعة التبليغ و حركة الإخوان بفروعها الدعوية و الثقافية و بعض الأطياف السلفية المعتدلة و هذا لضبط النشاط الدعوي لهؤلاء تحت الجمعية التي لها بعد وطني هذا من جهة و من جهة اخرى يكون للجمعية قوة إضافية لا يستهان بها و لا يخفى عليكم أستاذنا الفاضل ما لهذه الجماعات من تاثير في الوسط الجماهيري و الله اعلم .

  • عبد الودود

    شكرا أستاذ على هذا الطرح المتوازن ، لكن يبقى الإشكال هو أن جمعية علماء المسلمين و غيرها من الجمعيات التي أسست من أجل الحفاظ على هوية الأمة و مقوماتها الاساسية لا وزن لها في منظور السلطة القائمة بل تعتبر نشاطها هامشيا لا يسمن و لا يغن من جوع ، و للاسف حتى عند اطياف الشعب الجزائري يرى في الجمعية البعد التاريخي فقط ، لذا لابد لجمعية علماء المسلمين من مراجعة الأليات التي من خلالها يخافها الذين يريدون تغريب المجتمع و أقترح أن تلم الجمعية كل التيارات الإسلامية الدعوية المعتدلة .