الرأي

قراءة في فنجان العهدة الخامسة

حبيب راشدين
  • 2799
  • 7

ربما تكون الأجواء الشتوية قد حجبت الرؤية عن النخب السياسية، فلم تلتفت إلى الرسالة الصريحة التي وجهها لها الرئيس بمناسبة ذكرى عيد النصر، ودعاها إلى “مواجهة بين البرامج في الرئاسيات القادمة، مع واجب صيانة المصالح العليا للشعب”، على أنها دعوة لاقتحام سباق الرئاسيات دون الالتفات إلى ما يروج عن عهدة خامسة تكون قد سُحبت منذ مدة من حسابات أركان النظام، ولم يعد للرئيس فيها رغبة ولا مصلحة.
الموقع الرقمي لإحدى اليوميات الوطنية نسب إلى مصادر لم يذكرها تحفظ محيط الرئيس وأشقائه حيال المغامرة بعهدة خامسة، بما يضفي بعض المصداقية لما كان يهمس به داخل دوائر ضيقة دون أن يعترضه تكذيب من الجهات المعنية، وقد يدعم هذا الاعتقاد المتنامي إغلاق الأمين العام لجبهة التحرير ملف الترويج للعهدة الخامسة، وما ظهر عليه من تسويف في اطلاق حملة تثمين حصيلة عهد الرئيس كان قد وعد بها مطلع السنة.
رئيس الحكومة قدم لنا بدوره أمس الأول قرينة أخرى عن تراجع منسوب فرضية العهدة الخامسة، حين خطف المبادرة من قيادة الجبهة، ودخل في تسويق مبكر لحصيلة الولايات الأربع للرئيس، مع التنويه الحذق بنصيب الحكومات التي عملت تحت إمرة الرئيس، ومنها الحكومات التي ترأسها أويحيى، في ما يشبه الاقتراب الحذر من “استباق ركبان” التنافس القادم على موقع “مرشح النظام الضامن للاستمرارية” وهو أعلم من غيره بحاجة النظام إلى من “يخلف الرئيس في برنامجه” كشرط لخلافته على الكرسي.
وحتى مع تجاهل هذه القرائن، كان بوسع الطبقة السياسية ان تقرأ مبكرا استحالة طلب الرئيس لعهدة خامسة، لن تضيف شيئا لسجله، وقد تحرمه من أهم دور شريف يتمناه له أنصاره قبل خصومه، بتسليم العهدة لخلف يأتي عبر صناديق الاقتراع، ليرسخ بذلك ثقافة التداول السلمي الآمن على السلطة، خاصة وأن ظروف البلاد حاليا تختلف عن الظروف التي أملت على النظام المناولة بقوة لعهدة رابعة، مكنت الرئيس من أنجاز الوعد الذي ألزم به نفسه سنة 1999 باستحالة “أن يكون ثلاثة أرباع الرئيس”.
ومع كل ما سرده السيد أويحيى، أو كان سيسوقه السيد ولد عباس حول الإنجازات المادية، فإن أبرز ما سيحسب للرئيس بعد حين، هو ما أظهره من جلد ونفس طويل ودهاء في معالجة العلبة السوداء داخل أهم مؤسسة قام عليها النظام منذ الاستقلال، فاحتاج إلى العهدة الرابعة كشوط إضافي ليستعيد الربع الغائب من صلاحيات الرئيس، بعد تفكيك مديرية الـ”دي إير إيس” التي تحولت إلى ” دولة داخل الدولة” تصنع الأمراء داخل المؤسسة العسكرية وفروعها كما داخل معظم مؤسسات البلد السياسية والإدارية والتقنوقراطية.
والحال، فمن شاء أن يؤرخ لليوم الذي يكون قد صرف فيه الرئيس النظر عن الحاجة لعهدة خامسة، فليعد إلى التاريخ الذي استكمل فيه الرئيس إعادة هيكلة مديرية الـ”دي إير إيس” وأوغل في تتبع واجتثاث شطئها وخضراء دمنها من حقول أهم مؤسسات الدولة، فما الحاجة لعهدة خامسة ليس فيها تحد يذكر، سوى ما يحتاجه البلد في الفترة القادمة من حضور مكثف للرئيس القادم داخل البلد وخارجه، مع القبول بهامش مناورة ضيق حيال فرص تغيير المسلك الذي عبده الرئيس، ورسخ معالمه، وترك له “حارس بوابة” مؤتمن؟

مقالات ذات صلة