-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الأسباب المباشرة لإندلاع الثورة الجزائرية المجيدة:

قراءة في محركات ثورة 1954

قراءة في محركات ثورة 1954
ح.م

للشعب الجزائري نضال كبير، وكفاح مرير وجهاد عظيم، توارثته الأجيال منذ دخول المحتلين الفرنسيين إلى بلادهم، وأصبحت الأجيال تسلّم راية الجهاد لبعضها على التوالي، وكان جهاد الشعب الجزائري شاملاً وعظيماً، وعلى كل المستويات السياسية والعسكرية والحضارية… الخ.

بني على روح الإسلام وحب الأوطان، والاستعداد للشهادة في سبيل الله عز وجل. وكان للفكر الإصلاحي الذي قاده ابن باديس وجمعية العلماء تأثير كبير في كل مدن وقرى ووديان وجبال وسهول وصحارى الجزائر، فقد أعدّ ابن باديس جيلاً مؤمناً بحقه في الحياة معتزاً بهويته، رافضاً للاحتلال متشوقاً لحريته.

كان الشعب الجزائري لا يكلّ ولا يملّ في التصدي للغزاة المحتلين، وكان يتطلع إلى وقت الخلاص ويستعد للفرصة التي تتاح لكي يحقق استقلاله. وساهم ظلم المحتلين وعوامل عدة في اندلاع ثورة نوفمبر، من أهمها:

1 ـ اثار أحداث 1945م:

إن مجازر الثامن ماي 1945م التي تركزت أساساً في مناطق قالمة وسطيف وخراطة لم تنه روح المقاومة لدى الشعب الجزائري، بل كانت بداية مرحلة جديدة أعيد خلالها النظر في الاستراتيجية، وفي وسائل العمل والكفاح للمرحلة المقبلة.

ويمكن حصر النتائج الإيجابية في ظهور جيل جديد شاب عركته المحنة والمأساة، يرفض أسطورة الحضارة الفرنسية المتحررة والتحريرية، التي كانت النغمة المفضلة لعدد من مثقفي الجيل القديم.

واقتناع الشعب الجزائري بأن تحقيق الاستقلال لا يمكن أن يكون إلا بالسلاح والسلاح وحده، وبذلك أصبحت دعوة الكفاح المسلح تجد سبيلها في أوساط شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد كانت ذكرى الاعتداء الفرنسي المسلح والبربري ضد الشعب الجزائري الأعزل، مجال تذكير من رجال الحركة الوطنية، وخاصة حزب الشعب في الجزائر والقاهرة ودمشق، لأن استعراض وتعداد الماسي التي مر بها الشعب الجزائري، شكل أزمة ضمير لدى رجال الحركة الوطنية، الذين عالجوا الأخطاء التي عرفتها كل الانتفاضات المباركة، والأساليب التي سحقت بها،

إلى حين إعداد الأمة والشعب والرأي العام المحلي والإقليمي لما يعرفه هذا الوطن من مأساة، كان ولا يزال سببها المباشر فرنسا الاستعمارية.

لقد أيقنت الأحزاب والجمعيات الجزائرية أن الهوّة بين أهداف الاستعمار الفرنسي والمستوطنين المحتلين للجزائر والشعب الجزائري واسعة، والان ازدادت الهوّة واتسعت ولا تقبل الترقيع.

واستنتج الوطنيون أن الاستعمار الفرنسي لن يُقتلع من الجزائر إلا بالقوّة.

ولم يستطع تجمع الاحزاب نفسه أن يقاوم الزلزال السياسي الذي هزّ الجزائر في سنة 1945م، وظن فرحات عباس بأنه يرفض الاندماج كما يرفض الانفصال، وبأنه يريد أن يحرر الجزائر من النظام الاستعماري، وأن يندد بالفرنسيين الذين أصابهم مُركّب الاستعلاء، والذين عذّبوا وقتلوا مدّة أسابيع جزائريين أبرياء، وصرّح أيضاً بأنه يشجع الأخوة بين المسلمين والفرنسيين المسيحيين منهم واليهود.

وفي التاسع من أوت 1946م، اقترح فرحات عباس جمهورية جزائرية متمتعة بالحكم الذاتي داخل الاتحاد الفرنسي، كما اقترح انتخاب برلمان جزائري ورئيس للجمهورية، ثمّ على الحكومة الفرنسية أن تعيّن ممثلاً لها في الجزائر.

وبالنسبة إلى مصالي الحاج فقد قرر أن ينشأئ حزباً رسمياً، ليتمكن الوطنيون من الترشح في الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر 1946م، واسم هذا الحزب هو «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية»، ورفضت السلطات الاستعمارية بعض الترشحات منها ترشح مصالي الحاج ولَحَول حسين. ونجح في انتخابات 1946م التشريعية كل من محمد الأمين دبّاغين، وجمال دردور، ومسعود بو قادوم، وأحمد مزغنّة، ومحمد خيضر، وهم من حزب الوطنيين « MTLD ».

وأما الحزب الشيوعي الفرنسي في الجزائر فقد اخطأ في تحليله لأحداث 1945م، فقد أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي « PCE »، في جريدة يوم 12 ماي 1945م: لابد أن نعاقب في الحين وبدون هوادة منظمي التمرد ومن أداروه.

ولكن بعد الجرائم التي ارتكبها الاستعمار عند وقف المظاهرات، وقع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري موقفه بنداء وجهه لإنشاء لجان تُعين المعتقلين، وشجع المطالبة بالعفو الشامل.

2 ـ الاستعداد العسكري «المنظمة الخاصة أو السرية»:

إن حزب الشعب الجزائري: (الحركة من أجل انتصار الحريات) استخلص الدرس من أحداث 1945م: ولابد من تنظيم الصفوف، ومن التسلح، ومن إعداد العدة للشروع في الكفاح من أجل التحرر الوطني، لأن هذا الكفاح المسلح أصبح حتمياً، فتقرر إحداث منظمة «خاصة أو سرية»، حتى انعقد أول مؤتمر للحركة في الجزائر العاصمة يومي 15 و 16 فبراير 1947م. وقد استعمل مصطلح تسمية «المنظمة السرية» محمد بوضياف، واستعمل أحمد مهمساس مصطلح «المنظمة الخاصة».

ثم تأكد هذا القرار لما اجتمعت اللجنة المركزية في زذين بالقرب من «عين الدفلي» في ديسمبر 1948م. وقد انعقد الاجتماع بحضور مصالي الحاج في ضيعة تملكها أسرة عبد القادر بلحاج جيلاني، الذي كان في قيادة المنظمة الخاصة عضواً مكلفاً بالتدريب العسكري وبالمفتشية العامة، تواصل الاجتماع في البليدة لأنه جاء خبر خاطأئ، أن الشرطة متأهبة لحملة تفتيش في مكان الاجتماع، وقررت اللجنة المركزية منح الكفاح المسلح الأولوية، أي قررت تقوية المنظمة الخاصة. وذلك لأن الانتخابات الأخيرة لاختيار أعضاء الجمعية الجزائرية بينت أن التزوير كان سائداً ومشجعاً من طرف الحاكم العام «نيجلان»، ومن اللازم ومن المفيد أن نذكر القيادات المختلفة على رأس المنظمة الخاصة، لأننا سنجد معظم الأشخاص معنيين عند اندلاع ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954م.

ـ تكونت القيادة الأولى من محمد بلوزداد «رئيس»، وحسين ايت أحمد «مساعد»، وأحمد بن بلة «عضو مكلف بالناحية الوهرانية»، وجيلاني رجيمي «عضو مكلف بالجزائر» وبالمتيجة وبالتيتري، ومحمد بوضياف «عضو مكلف بنواحي قسنطينة»، وعبد القادر بلحاج جيلاني «عضو مكلف بالجزائر» وشلف والظاهرة، وحسين ايت أحمد مساعد الرئيس مكلف ببلاد القبائل.

وقد كان لَحَول حسين الأمين العام للحزب يلعب دور الوسيط بين جهاز الحزب وقيادة المنظمة السرية إذا تعلق الأمر بالقضايا الهامة.

ولقد حرصت المنظمة الخاصة على تجنيد مناضلين ملتزمين ومقتنعين وشجعان وناشطين وقادرين جسدياً على حسب المادة الثانية من النظام الداخلي، فعندما يكشف المناضل المتصف بتلك الصفات يمتحن، ثم إذا كانت النتيجة إيجابية يؤدي اليمين، فلن يستطيع بعد ذلك أن يفارق المنظمة، فإذا فارقها بدون سبب اعتبر فاراً منها فيتعرض لعقوبات قاسية.

إن أعضاء قيادة المنظمة الخاصة كانوا هم أيضاً يشاركون في التدريب، يروي حسين ايت أحمد في كتابه المتعلق بمذكراته قصة تبين ذلك: ذهبت جماعة من القياديين وهم لابسون كالكشافة إلى ناحية شرشال لدراسة الميدان وتصور حرب العصابات: ذهبت الجماعة المتكونة من حسين ايت أحمد ومحمد بوضياف وأحمد بن بلة وأحمد مهساس وعمر ولد حمودة وجيلاني رجيمي وعبد القادر بلحاج جيلاني ومحمد مازوك من شرشال إلى سيدي غيلاس، ثم توجهت نحو جبال الظاهرة مارة بسيدي محمد أسميان ثم ببوحرب، واتجهت نحو جبل زكار لتصل إلى عين الدّفلي. في أثناء السفر «أوت 1948م» درست الجماعة الميدان والخرائط وتقنيات حرب العصابات دام السفر أكثر من أسبوع، ومن غريب الصدف أن بعض أعضاء الجماعة أصبحوا قياديين في الثورة، وأصبح اثنان منهم «أحمد بن بلة ومحمد بوضياف» رئيسين للجمهورية الجزائرية بعد الاستقلال.

بعد هذه الهزة أمرت قيادة حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية» المناضلين المعتقلين بإنكار وجود المنظمة السرية، وبالحديث عن مؤامرة بوليسية، وكل ذلك للمهاجمة على مسير الحزب وعلى ما تبقى من المنظمة الخاصة.

لكن مصالح الأمن الفرنسي استطاعت أن تصل إلى معلومات دقيقة عن الهيكل النظامي وعن قائمة الكثير من أعضاء المنظمة الخاصة، إلا أن البعض منهم بقي مجهولاً، والبعض الاخر التحق بالسرية كما قلنا، وقد تمكن أحمد بن بلة وأحمد مهساس من أن يفرا من سجن البليدة، وأن يلتحقا بعدد من إطارات الحزب المتواجدين في الخارج، ويساهما في تحضير الوسائل لقيام الثورة التحريرية.

بعد كل ما وقع للمنظمة الخاصة، قررت قيادة الحزب أن تحلها تخوفاً من الأخطار 1951م.

ولكنها في الحقيقة استمرت من خلال أفرادها الذين خارج سلطة المستعمر، وتولت تكوين الرجال الذين ساهموا في تفجير الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954م.

3 ـ الإغراء الانتخابي:

وبالرغم من ظلم النظام الانتخابي، وتشكيل هيئتين انتخابيتين واحدة للفرنسيين وواحدة للمسلمين، وقلة التمثيل للمسلمين، وحرمان المسلمات الجزائريات من الانتخاب حتى مرسوم جويلية 1958م، والتزوير الشامل عند العمليات الانتخابية ؛ حاولت الأحزاب السياسية الجزائرية أن تلعب ورقة الانتخابات لانتزاع الحقوق الفردية والجماعية.

ـ وعند انتخاب المجلس الوطني الفرنسي التأسيسي لم يشارك إلا الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وأما حزب الشعب الجزائري العامل في سرية فقد رفض المشاركة لأنه اعتبرها اعترافاً بالسيادة الفرنسية على الجزائر «2 جوان 1946م».

وتقدمت الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية « MTLD »، وهي الوجه الرسمي لحزب الشعب الجزائري الممنوع، للمشاركة في الانتخابات التشريعية التي نظمت يوم 10 نوفمبر 1946م، وتمكنت من نيل 5 مقاعد في البرلمان الفرنسي من بين 13 مخصصة للمسلمين، وقد احتل تلك المقاعد كل من أحمد مزغنّا، ومحمد خيضر، والدكتور محمد الأمين دبّاغين، ومسعود بوقادوم، والدكتور جمال دردور.

إن وجود هؤلاء المناضلين في البرلمان الفرنسي سمح للحركة الوطنية بأن تعرف بمواقفها الوطنية وبمطالبتها بالاستقلال، ولا سيما عندما نوقش في البرلمان الفرنسي مشروع القانون الأساسي الذي أصبح قانون 20 سبتمبر 1947م الأساسي.

وشارك الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في انتخاب مجلس الجمهورية الفرنسية «نوع من مجلس الشيوخ» المنصوص عليه في دستور 27 أكتوبر 1946، ونال 4 مقاعد من بين السبعة المخصصة للمسلمين، والمعلوم أن مجلس الجمهورية يُنتخب من طرف أعضاء المجموعات المحلية، وامتنعت حركة انتصار الحريات الديمقراطية عن المشاركة لأسباب إجرائية، نوفمبر وديسمبر 1946م.

ففي انتخابات الجمعية الجزائرية في أفريل 1948م حصلت الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية على 9 مقاعد، والاتحاد الديمقراطي على 8 مقاعد، والمستقلون على مقعدين، والمؤيدون من طرف الإدارة الفرنسية على 41 مقعداً.

والجدير بالذكر أن للجزائريين في هذه الجمعية 60 مقعداً، وللفرنسيين 60 مقعداً، وذلك ظلم لأن عدد السكان الفرنسيين عُشر عدد السكان الجزائريين.

وعند التجديد الجزئي للجمعية الجزائرية سنة 1952م وسنة 1954م، فضلت الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية أن تمتنع عن المشاركة في الانتخابات، والحصيلة من تجربة الانتخابات أنه لا يمكن الاعتماد عليها للحصول على إصلاحات تخدم تحرر الجزائر والجزائريين، وساعد ذلك على إيمان الساسة بالعمل المسلح الثوري لتحقيق الاستقلال.

4 ـ الأزمة الداخلية للحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية:

قد كان هناك إجماع داخل حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية» فيما يخص هدف الاستقلال، لكن الخلافات تطفو عندما يتعلق الأمر بالطريقة وبالوقت المناسب للشروع في الكفاح من أجل بلوغ الهدف المذكور والمتفق عليه، هل يواصل الحزب مشاركته في الانتخابات بالرغم من ظلمها للأغلبية المسلمة ومن تزويرها الواضح؟ وإذا أضفنا التنظيمية فهمنا لماذا وصل الحزب إلى الجمود ثم إلى مؤتمرين منفصلين، وفي النهاية إلى حركة من مناضلين فضلوا الثورة على النقاشات السياسية العقيمة، وفضلوا وضع الثقة في الشعب الذي كان يريد الدخول حيناً في معركة التحرير النهائي من الاستعمار.

ـ بدأ مصالي الحاج يطلب رئاسة الحزب مدى الحياة في مارس 1950م، كما طلب التمتع بحق النقض في اجتماع اللجنة المركزية بالأربعاء، وهي مدينة قريبة من العاصمة، فاستطاعت هذه القيادة أن تناور من أجل رفض هذا الطلب.

ـ وقد ساعد تفكيك المنظمة الخاصة من طرف السلطات الاستعمارية على إحداث جو من الشكوك داخل صفوف المناضلين، فاستقال الأمين العام حسين لَحَول من منصبه في مارس 1951م، خوفاً من أن يصبح كبش الفداء كلما يتلقى الحزب ضربات.

ـ ثم تطرقت اللجنة المركزية إلى مجموعة تنسيق العمل مع الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وجمعية العلماء «ماي 1951م»، لكن حزب فرحات الشعب الجزائري المحظور كان اشترط الالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، فاقترح شوقي مصطفاي الجملة الاتية: سنعمل في إطار الشرعية. وأضاف أنه لا يرى مانعاً من إمضاء الاتفاق بذكر الحركة فقط، عند ذلك تفجر مصالي الحاج وقال غاضباً: يُراد قتل الحزب. ولم توافق اللجنة المركزية على اقتراح شوقي مصطفاي، ولكن تأثر بعض أعضائها من سلوك مصالي الحاج تجاه شوقي مصطفاي، الذي لم يقدم إلا اقتراح صيغة لحل المشكل.

وإثر هذه الحادثة استقال من اللجنة المركزية شوقي مصطفاي وسعيد عمراني وعبد الرزاق شنتوف، واجتمعت اللجنة المركزية من جديد بحضور مصالي الحاج في مدينة الأربعاء (تقع جنوب غرب العاصمة بحوالي 30 كلم) في مارس 1952م، فرفضت رسمياً توحيد العمل مع الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء، وقررت عقد مؤتمر في جويلية 1952م.

وأما المؤتمر المقرر لجويلية 1952م، فلم يتمكن من الانعقاد إلا في سنة 1953م «أيام 3،4،5، من أفريل»، حضر المؤتمر الثاني للحزب في مقر هذا الأخير حوالي مائة من المناضلين، ولقد شارك في المناقشات بالقاعدة عدد من أعضاء

المنظمة الخاصة، وقد تكلم باسمهم رمضان بن عبد الملك في المؤتمر، والشيء الجديد في المؤتمر هو توضيح التوجهات المستقبلية للجزائر المستقلة، ستكون الجزائر جمهورية مستقلة، وسيدة ومحايدة تجاه الكتلتين «كتلة الشرق وكتلة الغرب»، ومؤسسة لمجموعة مغاربية، ومؤيدة لحركات التحرير، ومؤسسة لاقتصاد وطني يقوم بإصلاح زراعي وبتأميم وسائل الإنتاج، ومصممة لثقافة عربية إسلامية، ومانحة الأقلية الفرنسية حق الاختيار بين الجنسية الجزائرية والجنسية الفرنسية. وقرر المؤتمر الثاني للحزب تقوية المنظمة الخاصة، وعيّن لجنة مكونة من خمسة أعضاء لاختيار تشكيلة اللجنة المركزية بالتراضي.

وتكونت اللجنة المركزية في الجزائر العاصمة يومي 4 و5 جويلية 1953م، وانتخب بالاقتراع السري بن يوسف بن خدّة كأمين عام، فعينت في هذا الاجتماع لجنة لإعادة تنشيط المنظمة الخاصة، وهي متألفة من: مصالي الحاج، وحسين لَحَول، ومصطفى بن بولعيد، وبن يوسف بن خدّة، ومحمد دخلي.

وفي الحقيقة كان مصالي الحاج يلوم قيادة الحزب على شيء واحد، وهو رفضها لمنحه السلطات المطلقة. انتهت المذكرة بسحب الثقة من بن يوسف بن خدّة كأمين عام بهذه العبارات: أسحب الثقة من الأمين العام، وأطلب السلطات المطلقة لتقويم الحزب.

وذهب مصالي الحاج إلى أبعد من ذلك، إذ أرسل تعليمات إلى القاعدة لتؤسس لجاناً للخلاص العمومي، ولتقطع علاقتها مع القيادة الحزبية الحالية، وتعترف بمرباح مولاي وبأحمد مزغنا كممثلين له حصرياً لتجنب انفجار الحزب.

نعود الان إلى المؤتمرين اللذين جسّدا الانفصال داخل حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية».

وانعقد مؤتمر «هورنو» ببلجيكا من 13 إلى 15 جويلية 1954م بحضور الأوفياء لمصالي الحاج. في التقرير الذي أرسله مصالي الحاج إلى المؤتمر، يركز انتقاداته على قيادة الحزب ويوجه إليها التهم التالية: لم تقم قيادة الحزب بتحضير تقرير موضوعي عن أحداث 1945م، وتركت الكُتل تتكون وتهاونت بالنسبة إلى فرض الانضباط، وتميزت بالجمود والبيروقراطية، وأساءت تسيير المؤامرة ضد المنظمة الخاصة، وابتعدت عن تجديد صفوف الحزب، وعن التنسيق مع الأحزاب السياسية الأجنبية، واتهمها أيضاً بإبعاده عن كل ما يهم الحزب، وبعدم تقديم حساب عن نشاطها أمامه.

وقد عمق مؤتمر «هورنو» الأزمة، إذ وافق على منح مصالي الحاج رئاسة الحزب مدى الحياة، وعلى حل اللجنة المركزية القائمة، وعلى إقصاء حسين لَحَول وبن يوسف بن خدّة وسيد علي عبد الحميد وأحمد بودة ومصطفى فروخي ومحمد يزيد ومحمد الصالح لوانشي من الحزب.

وأتى جواب اللجنة المركزية القائمة شهراً من بعد، فاجتمع مؤتمر الأوفياء للجنة المركزية بالجزائر العاصمة سراً من 13 إلى أوت 1954م، فأدانوا عمل التفرقة الذي قام به مصالي الحاج في بلجيكا، وقرروا إسقاط عضويته وعضوية أحمد مزغنا ومرباح مولاي في اللجنة المركزية، وإلغاء منصب رئيس الحزب، وعينوا لجنة مركزية فيها 28 عضواً: هذه اللجنة عينت بدورها هيئة مديرة انبثق منها أمانة عامة فيها ثلاثة أو خمسة أعضاء من بينهم أمين عام.

إن المادة الأولى من القانون الأساسي تحدد أهداف الحزب وهي: إنهاء النظام الاستعماري، وانتخاب مجلس تأسيس من طرف هيئة ناخبة واحدة، وتأسيس دولة مستقلة على شكل جمهورية ديمقراطية اجتماعية.

إن الذين يسميهم المؤرخون «مركزيين» هم مناضلون مؤيدون لمواقف اللجنة المركزية، فلا ينبغي الخلط مع أعضاء من اللجنة المركزية القديمة الذين قد انضموا إلى مصالي الحاج أو إلى اللجنة الثورية للوحدة والعمل.

في الحقيقة لم تعش نزعة المركزيين طويلاً: إنها أنشأت جريدة جديدة عنوانها «الأمة»، ثم عقدت دورة واحدة في أكتوبر 1954م، فقررت إرسال أمينها العام حسين لحول ومحمد يزيد إلى القاهرة، بحثاً عن المساعدة التي قد تدفعها مصر للكفاح التحرري الجزائري.

إن اندلاع ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954م سيحث المناضلين على الاختيار الحاسم مع الثورة أو ضد الثورة، فهكذا التحق أغلبية أعضاء اللجنة المركزية بالثورة بصفة فردية، وعلى حسب ظروف وكيفيات كل شخص.

5 ـ ظروف دولية ملائمة:

إن العمل الجماعي والملتزم شكّل الوسيلة الوحيدة لتجاوز الخلافات بين الوطنيين، والشعب الجزائري من جهته وجّه لوماً للأحزاب على عجزها عن تقليد الأسلوب التحرري في تونس والمغرب، وفي الوقت نفسه كان الشعب الجزائري مطلعاً على ما جرى في ثورة الريف بالمغرب «من سنة 1921م إلى سنة 1926م».

وفي «ديان بيان فو» بالهند الصينية، حيث هُزم الجيش الفرنسي بين 13 مارس و7 ماي 1954م.

وبالفعل لقد ثار الأمير عبد الكريم الخطابي سنة 1921م على المحتلين الإسبان في الريف، وألحق هزيمة بالجيش الإسباني المتألف من 18.000 جندي، وقد انتحر العميد سيلفيسر بعد هذه الهزيمة، إلا أنه ألقي القبض على الأمير في ماي 1926م، ثم نُفي من طرف فرنسا، التي تدخلت خوفاً من تزعزع وجودها في المغرب، واستطاع الأمير عبد الكريم الخطابي أن يفر عندما كان منقولاً من منفاه عبر قناة السويس سنة 1948م في مصر. وترأس حتى سنة 1963م لجنة تحرير المغرب العربي، المكلفة بتنسيق أعمال البلدان المغاربية بالتحرير، وفي المغرب رفض الملك محمد الخامس الانصياع لسياسة فرنسا الاستعمارية، فنفي إلى «مدغشقر» يوم 20 أوت 1953م، إثر أحداث الدار البيضاء العنيفة. وبدأت المقاومة المغربية تنتظم، فأرغمت الحكومة الفرنسية على إرجاع محمد الخامس إلى بلده وإلى عرشه 16 نوفمبر 1955م.

وبعد محادثات شمال فرساي أعلن استقلال المغرب يوم 2 مارس 1956م أي 16 شهراً بعد اندلاع الثورة الجزائرية التحريرية.

وفي تونس أنشئت لجنة وطنية للمقاومة بقيادة أحمد تليلي، بعد اعتقال عدد من الوطنيين المنتمين إلى حزب الدستور الجديد، «منهم الحبيب بورقيبة مؤسس هذا الحزب سنة 1934»، وشرعت المقاومة التونسية في القيام بأعمال تخريبية

وهجومات تستهدف تدمير المزارع التابعة للمعمرين ومنشات اقتصادية أخرى، كما تستهدف بعض الخونة وبعض المعمرين «يناير 1956م».

أجابت السلطات الفرنسية هذه الحركة بعنف أعمى، ونشأت حركة إجرامية اسمها «اليد الحمراء» لتغتال المناضلين. ففي 5 ديسمبر 1952م اغتالت زعيم النقابة التونسية فرحات حاشد فتضاعفت أعمال التخريب، كما تقوى الضغط السياسي من طرف حزب الدستور الجديد سنتي 1953م، 1954م، وتدخلت القوات الفرنسية بقوة وصل عددها إلى 70.000 جندي، لكن العمليات الفدائية والضغط السياسي المستمر أرغما فرنسا على التفاوض، فأمضيا اتفاقيات الحكم الذاتي يوم 3 جوان 1955م بين الوزير الأول الطاهر بن عمر ورئيس مجلس الوزراء «ايدوقار فور».

واستُؤنفت المفاوضات بين ذلك، فتوصلت إلى إعلان استقلال تونس يوم 20 مارس 1956م، مع بقاء قاعدة (بنزرت) بين أيدي فرنسا لمدة. إن تاريخ استقلال المغرب «2 مارس 1956م»، وتاريخ استقلال تونس «20 مارس 1956م»؛ يدلان على أن الثورة الجزائرية سرّعت مجرى التنازل لدى الفرنسيين، ليتسنى لهم تركيز قواتهم على منع الجزائر من حصولها على الاستقلال.

لقد كان الجزائريون على علم بكل هذه الأحداث، وكانوا يسجلون تأسفهم حين كانت فرنسا تجند جزائريين للمشاركة في حرب الهند الصينية، مستغلة ظروفهم الاجتماعية. بكلمة واحدة شعر الشعب الجزائري بأنه حان الوقت لجعل حد نهائي للاستعمار المصحوب بالظلم والعنصرية والاستغلال والأعمال الإجرامية.

مراجع البحث:

محمد علي الصلابي، كفاح الشعب الجزائري ضد الإحتلال الفرنسي ج3، ص 216-225

محمد الأمين بلغيث، تاريخ الجزائر المعاصر، ص 179.

بو علاّم بن حمودة ، الثورة الجزائرية، ص 140

مريم صغير مواقف الدول العربية من القضبة الجزائرية ،ص 149.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!