-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قراءة في مستقبل قطاع التربية(3)

محمد سليم قلالة
  • 2859
  • 10
قراءة في مستقبل قطاع التربية(3)

3- تربية لأي زمن؟حاولنا في الأسبوعين الماضيين الإجابة عن مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بمستقبل التربية في بلادنا. وقد تم إثراء إجابتنا بعدد من الأفكار لا يسعنا إلا التنويه بجديتها وأهميتها خاصة فيما يتعلق بتشخيص الوضع. ويتعلق الأمر بأكثر من 16 اقتراحا وجيها سجلناه، نرى إمكانية الاستفادة منه لمن أراد أن يقرأ (تابع التعاليق الإلكترونية). ولعل هذا هو بيت القصيد. يبقى اليوم أمامنا أن نُقدم محاولة للإجابة عن السؤال الأخير الذي طرحناه معا في الأسبوع الماضي: متى ينبغي علينا أن نحقق ما نريد من التعليم وما موقع التلميذ منه؟

يرتبط هذا السؤال بالمدى الزمني الذي ينبغي أن تتحرك ضمنه أي إستراتيجية  موجهة للتعليم في بلادنا، ذلك أنه لا يمكننا أن نتحدث عن إصلاح خارج الزمن أو قبل الزمن أو بعده، بل ينبغي أن يكون ضمن الزمن الحقيقي الذي نعيشه أو سنعيشه في المستقبل من جانب أولى، باعتبار أن مهمة التعليم هي في حد ذاتها مهمة مستقبلية وليست مرتبطة بالحاضر أو الماضي فقط ،إلا إذا أردنا عمدا تشويهها. إذ ما الفائدة من تعليم لا يهدف إلى التأثير في المستقبل أو لا يكون من بين مهامه تكوين جيل يستطيع أن يتحكم في مستقبله دون تنكر لماضيه وفي إدراك واقعي وموضوعي لحاضره؟

لذا يصبح لزاما علينا اليوم أن نكون مُدركين للمرحلة التاريخية التي تعيشها أمتنا ويعيشها العالم، وتكون واضحة أمامنا وبشكل جلي التصورات المستقبلية لقطاع التربية والتعليم كما يخطط لها الآخرون باعتبار أن أي سياسة تعليمية ستكون بدون فعالية وستُسفر عن تكوين جيلٍ يعيش على الهامش إذا لم تأخذ بعين الاعتبار البدائل التي تطرحها الأمم الصناعية اليوم لهذا القطاع وتسعى لأن تجد الآليات التي تمكنها من أن تكوِّن، في ذات الوقت، الجيل الذي تريد والجيل القادر على الصمود والفعل مع الأجيال التي ستتقاسم معه الحياة في المستقبل، سواء أكان ذلك داخل النطاق الحضاري الذي ينتمي إليه أو خارج هذا النطاق. وهو الذي نُسمِّيه بالتكيف الفعال مع الزمن القادم الذي سيعيش فيه أبناؤنا.

ومما لا شك فيه أن الأمم الصناعية اليوم لديها تصورات تصل إلى قرن قادم من الزمن لما سيكون عليه التعليم عندها، ذلك أنها تدرك أنها لن تستطيع البقاء إذا لم تستبق هذا الأمر بالذات. ولعل هذا ما جعلها تهتم بمستقل التعليم خلال القرن الحادي والعشرين وأبعد من ذلك في دراسات وأبحاث يكاد الاتفاق بشأن جديتها وجدواها يكون شاملا. ولعل مجال الاهتمام هذا يعد من أبرز المحاور التي تناولتها الدراسات الاستشرافية في الغرب، ويفترض أن تكون لدى وزارتنا على الأقل هيئة لمتابعتها لأجل معرفة البدائل التي يتصورها الآخرون  لهذا القطاع في المستقبل المباشر والمتوسط والبعيد، لأن التعليم عندنا ينبغي أن يُكوِّن أجيالا لأزمنة غير زماننا نحن، وعلينا أن لا نكون سببا في حرمان هذا الجيل أو ذاك من أن يكون ابن عصره بل ومتفوقا  بين أبناء عصره، وإلا نكون قد أعددناه للفشل أكثر من النجاح.

وعليه يكون من المناسب أن أذكر في هذا المستوى بأن تتبع مسار التربية والتعليم في الغرب يوصلنا إلى نتائج مرتبطة بالزمن. ومن بين أكثر المسارات المثيرة للانتباه  ما تم تلخيصه في أحد أهم مؤلفات الاستشراف حول سنة 2100 في الغرب تحت إشراف تيري غودان، الذي قاد فريق بحث استشرافي لمدة 10 سنوات حول مستقبل القرن الحادي والعشرين بأكمله ووصل إلى تقديم مشاهد مستقبلية أثبتت الأيام، لحد الآن، أنها كانت قريبة جدا مما تحقق في الواقع باعتبار أن الدراسة تمت بداية التسعينيات عن الـ 100 سنة القادمة ولدينا الآن نحو ربع قرن لنحكم عليها.

إذا أخذنا هذه الدراسة كعينة ـ من بين ما هو متوفر لديناـ فإننا نجدها قد تصورت مستقبل قطاع التربية في الـ 100 سنة القادمة كالتالي:

ـ 1900ـ 1940: التعليم كان لائكيا قاعديا في الولايات المتحدة وأوربا واليابان (مجتمع الإنتاج) 1 .5 مليار نسمة في العالم

ـ 1940ـ 1980: صعود قوي للجامعات ومأسسة البحث (مجتمع الاستهلاك).

 ـ 1980: 2020: فوضى وتنافس للوسائط المتعددة وعجز في المعرفة التطبيقية (مجتمع الاستعراض أو المشهد) Société du spectacle

2020 ـ 2060: تحكم جديد في التعليم وسيادة العولمة الافتراضية (مجتمع التعليم)

2060 ـ 2100: ظهور التعليم الممتع لتطوير الشخصية وعودة للأخلاق والتحكم في قواعد السلوك المجتمعي والتحكم في تقنيات البقاء (مجتمع الإبداع).12.5 مليار نسمة في العالم.

انطلاقا من هذا التصور، الذي قد نتفق معه أو نختلف، ومن غيره ينبغي أن ننطلق لربط سياسة التعليم ببلادنا مع الزمن القادم. وهو ما دعانا إلى طرح أهمية متابعة استشراف الغرب لمختلف قطاعاته ومن بينها التعليم لأجل المقارنة والتكيف والخروج بخلاصات تمنعنا من التلاعب بمصير الأجيال القادمة أو تركها عرضة لأن تكون فئران تجارب كما حدث أكثر من مرة.

يكفي أن يوافق فريق من باحثينا وكفاءاتنا الوطنية المهمشة في معظمها لهذا السبب أو ذاك على أنه يجري تشكيل العالم بهذه الصفة  أو تلك خلال الخمسين سنة القادمة لكي نصوغ سياستنا في قطاع التربية بما يحصن الأجيال المستقبلية ويمكنها من أن تكون فاعلة حقيقة في عالم القرن الحادي والعشرين. أما إذا لم نفعل وبقيت سياسة التعليم محكومة عندنا بالظرفي والمؤقت والاستجابة لنزوات الأفراد أو لمجموعات ذات أفق ضيق أو محصورة في الزمان والمكان فإننا سنهدر إمكانيات ضخمة بشرية قبل أن تكون مادية وسنحرم ابن السنة اليوم من أن يكون فاعلا حقيقة في مجتمع سنة2040 أي سيكون جامعيا، في غالب الأمر، ولكنه يعيش على هامش التطورات في العالم بل عبئا لا يمكن تحمله مهما كانت لدينا من إمكانيات.

أما إذا كان العكس وقمنا ببناء إستراتيجية تعليمية تأخذ بعين الاعتبار متغير الزمن من خلال السيناريوهات الأكثر ترجيحا في هذا الميدان ـ وليكن السالف الذكر الذي اعتمده فريق بحث تيري غودان بعد مقارنته بنتائج فرق بحث أخرى في آسيا وأمريكا الشماليةـ  فإننا سننطلق من قاعدة أساسية تقول: أننا سندخل في الـ 20 سنة المقبلة إلى مجتمع التعليم ومن ثم فإنه سيكون القطاع الأول عند رسم إستراتيجيتنا المستقبلية، ثانيا أن التعليم في المستقبل سيركز على وسائل الإمتاع  وسيهدف إلى تهذيب السلوك ويمكن صاحبه من التحكم في تكنولوجيات البقاء في إطار مجتمع الإبداع. وهي عناصر بلا شك كافية لتُحيلنا إلى موروثنا التاريخي والحضاري وتجعلنا في وضع أفضل لاستثمار قدراتنا المادية اليوم للالتحاق بمجتمع الإبداع بعد 40 سنة من الآن، وذلك ليس بالبعيد بالنسبة لتاريخ شعب أو دولة.

وهكذا نصل إلى الخلاصة التي يُفترض أن نصل إليها: أننا إذا كنا قد وضعنا المعلم في قلب الإصلاح الحالي قبل الوسائل والإمكانيات، يبقى التلميذ هو غاية الإصلاح عندما يتعلق الأمر بالمستقبل، ذلك أنه هو المعني به أكثر منا نحن، بحكم سنة الحياة والخلق والوجود… وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • yahia

    على السيدة الوزيرة بن غبريط أن تحل مشاكل القطاع كفانا من تضييع الوقت و إلا ستتعقد الأمور ....أكثر فأكثر ..هذا رأي الشخصي طبعا .وشكرا

  • إداري

    خير مقولة قيلت في قيمة العلم:
    "شعب يقرأ: شعب لا يجوع ولا يستعبد"

  • جزائري

    كل الشكر للاستاذ قلالة على هذ التحليل الهام في ميدان التربية.

    اول ملاحظة أساسية أشرت اليها ان تربية الفرد وتكوينه الذي يمتد على اكثر من20 سنة (من التحضيري الى الجامعة) فعل مستقبلي بامتياز ومن هذا المنظور فهو من صميم مهام السياسيين بالدرجة الاولى.

    اهمال ميدان التربية وطغيان المادة واختلال سُلَّم الرقي الاجتماعي يعبر عن عدم نضج ومراهقة لدى الطبقة السياسية
    التي تعبر عن الارادة الجماعية للامة.

    اذن الحل (كما اشار صاحب التعليق 2) في فك الحصار عن ارادة الامة وتحريرها ممن ليسوا اهلا لها !

  • بلقاسم

    تتمة:
    الفعل الثاني في هذه العبارة هو "يعتبر من أعتبر"
    لكي يعتبر اي منا او اي تجمع انساني او اي مؤسسة فلابد ان يكون اولا تقييما موضوعيا لوضعية او لحالة ما ليستخلص الاخفاقات لتفاديه والانجازات ليدعمها و هنا تكمن العبرة.
    اعود الى حالنا و اسأل: هل هناك ارادة للاصلاح المنضومةالتربوية او غيرها؟
    اذا كانت هناك إرادة هل جسدت هذه الارادة ؟(ادوات طرح المشكلة)
    لتكن هناك عبرة هل تم تقييم الوضعية ؟ هل حاصرنا الاخفاقات؟ هل حددنا الايجابيات و دعمناها باهداف اخرى نريد ان نصلها في افق 2100 كما تفضلتم؟

  • بلقاسم

    السلام عيكم
    بارك الله فيك في هذا المجهود.
    ثم ابدا من حيث انهيت "وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر".
    الفعل الاول في هذه العبارة هو "أراد"
    يؤسفني ان اقول كل المشاكل و الاشكاليات المطروحة في الجزائر هي لا تخرج عن شيئ واحد هو عدم وجود الارادة بشكل عام و الارادة السياسية بشكل خاص و إن وجدت تاتي بتعليمة فوقية مفرغة من الهدف و الغاية منها في غالب الاحيان الاستعلاء وفرض وجهة نظر و هذا التصرف في غالب الاحيان تكون له نتائج عكسية بمقاومته او تجميده لانه لم ياتي بطريقة تشاور كما يقال الان بطريقة ديمقراطية..

  • امير

    يا جماعة صدقوني أنا أستاذ في التعليم الابتدائي 10سنوات عمل متزوج لي طفلة واحدة ليس لي سكن استأجرت بيت متواضع هل تصدقون اذا قلت لكم لم أدخر ولا دينار منذ سنة للعلم ان الراتب الشهري لهذه السنة كله انفقته في مصروف البيت دون شراء اي شئ اي أثاث للبيت اي ان مصروفي كله انفقه في اكل بسيط واجرة البيت 7000 دج
    فاي انجاز تنتظرون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

  • إداري

    أعجبتني الخلاصة، ولكن:
    من ذا الذي يضع المعلم في قلب الإصلاح ، إنه المسؤول الذي عليه أن يكون واعيا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وقادرا على أن يفهم أن منصبه كمسؤول في هذا القطاع يختلف عنه في أي قطاع آخر، عليه أن يفهم أنه في مجال صنع الموارد والكفاءات البشرية وتحضيرها لمستقبل واعد. فالمشكل في الجزائر أننا لا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حتى وإن وجد هذا الشخص فإنه يحاط ببطانة فاسدة تقلب له المفاهيم رأسا على عقب، وتصرفه عن غاياته من المسؤولية، إننا بحاجة إلى ثورة في المناصب الحساسة.

  • بنت الصحراء

    احتراماتي لك استاذ مقال جيد
    و غني بالمعلومات

    و لكن اعذرني سابتعد عن مقالك و اقول
    متى يكون الدخول المدرسي في ؟الوقت المناسب و المكان المناسب"

    اتمنى من بن غبريط يوم 7 سبتمبر
    "لا اقول تروح لتمنغاست او ايليزي" لتعاين و لكن فلتذهب لبوابة الصحراء فقط
    و تعاين درجة الحرارة و ثقل المحفظة هل يناسب تلميذ في عمره 6 سنوات

    في الحقيقة ان ناسبها هي و لم تجري لمكيفات الهواء و جاوبت بضمير
    راح تلغي الدخول في 7

    لاحول ولا قوة الا بالله
    يا ناس حسو
    تلاميذ الصحراء راهم مغبونين

  • ولد نوفمبر

    لا خلاف ولا شك فيما طرحته بضرورة مواكبة التطورات ، ولكن هذا الكلام لمن هو موجه ؟ أهو للإرادة الكلية(صانعة الحضارة) التي لا زالت مكبلة ؟
    أم هو للقياد(gu) الجدد أذناب الغرب المتسلطين على الرقاب الحائلون
    بين إرادة الأمة وقيمها في اختيار الأفضل ! فالأفضل المنشود أيها الأخ الفاضل مرتبط بالإرادة الكلية والإرادة الكلية مرتبطة بالحرية (حرية الإختيار وفقا لقيم الأمة) والحرية لا زالت مسلوبة ... فالمسألة ليست مسألة استراتيجيات وبدائل بل هي مسألة وجود وعتق الرقاب....

  • عبد القادر

    من سيسمع لك يا دكتور ؟ المطلومة التربوية يراد لها الجمود ، والمسؤولية مشتركة من الوزارة الى المعلم الذي لا هم له إلا الراتب والزيادات ، لا حياة لمن تنادي........................"'(ç