-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قصة صورة

قصة صورة

الصورة النادرة المنشورة أسفل هذا المقال التقطت بوادي بغلة في أقصى الحدود الجزائرية التونسية نهاية ديسمبر1961، وهي تظهر الرئيس الأسبق المرحوم الشاذلي بن جديد محاطا بممثّلة الصليب الأحمر الدولي، ومحمد الصغير نقّاش مسؤول الصحة في جيش التحرير الوطني، والطبيبين يعقوبي وبونفة، والصحفي اليوغسلافي بيتشار الذي كتب فيما بعد رسالة دكتوراه بعنوان “تاريخ الثورة الجزائرية”، وصديق الرئيس أحمد ترخوش مع جماعة من مسؤولي منطقة العمليات الشمالية، وإلى الخلف تماما خالد نزار. الصورة التقطها المصوّر اليوغسلافي تسفيتان لابيدوفيتش، الذي خلّد في مئات الكيلومترات من الصوّر والأشرطة حياة المجاهدين ومآثرهم ومحاولاتهم عبور خطي موريس وشال.

وحكاية الصورة تروي دفن الشاذلي بن جديد للمفكر والمناضل المارتينيكي فرانتز فانون. لم يكن الشاذلي يعرف فرانتز فانون إلا سماعا، كان يعلم أنه يعمل مع عبان رمضان في تونس في مصلحة الإعلام لجبهة التحرير الوطني إلى جانب أمحمد يزيد ومصطفى الأشرف ومحمد الميلي وبيير شولي وآخرين، وأنه مثّل الجزائر في المحافل الإفريقية، مدافعا عن عدالة قضيتها.

لما توفي فرانتز فانون في 6 ديسمبر 1961 بحثت هيئة أركان الشرق عن مقبرة للشهداء داخل التراب الجزائري لدفن رفاته بها، كما كانت رغبته، واتصلت بالشاذلي الذي أخبرها أن هناك في منطقة سيدي طراد، وبالتحديد في سيفانة، مقبرة دفن بها مجموعة من الشهداء بعد قصفهم بالنابالم.

كان فرانتز فانون قد ترك بعد عودته من ميريلاند بالولايات المتحدة، حيث كان يعالج من سرطان فقر الدم، رسالة يطلب فيها أن يدفن، هو وكتبه، في مقبرة للشهداء. وصل جثمان الفقيد إلى تونس، ونقله الفيلق الخامس عشر إلى الحدود، حيث تسلّمه الشاذلي بن جديد. أعلنت الحكومة المؤقتة رسميا عن وفاة فرانتز فانون، وعن دفنه داخل التراب الوطني في مقبرة للشهداء. وهو ما سبّب للشاذلي بن جديد مشاكل كبيرة. فبمجرد الإعلان عن دفن فرانتز فانون في التراب الجزائري شرعت طائرات من نوع ب 26 تحلّق فوق المنطقة لقصف أيّ شيء يتحرك. وما أثار غضب الشاذلي أن الكثيرين ممن رافقوا رفات فانون، أصروا على التقاط صوّر مع نعش الفقيد، وكأنهم في عرض مسرحي، وأراد البعض منهم مرافقة الرفات إلى حيث سيدفن. لكن الشاذلي رفض ذلك رفضا باتا، حرصا منه على عدم تعريضهم إلى مخاطر منطقة يجهلونها.

تمّ حفر القبر ليلا، ورافق الشاذلي، مع كتيبته، الرفات والطائرات الفرنسية تحلّق في السماء. وحين وصلوا إلى سيفانة أدّوا لفرانتز فانون التحية العسكرية ودفنوه، وقبل أن يهيلوا عليه التراب وضعوا إلى جنبه كتبه “بشرة سوداء وأقنعة بيضاء” و”العام الخامس للثورة الجزائرية” و”معذبو الأرض”. في 25 جوان 1965 قرّر مجاهدو المنطقة إعادة دفن فرانتز فانون في مقبرة الشهداء في عين الكرمة، وكان منهم من رأى أنه يجب أن يعاد دفنه في مقبرة العالية. بعد أن عرف الشاذلي هذه الحقائق مني قال غاضبا:”سبحان الله لماذا لم يتركوه في سكينته حيث هو؟”

هكذا دفن الشاذلي بن جديد المفكر والمناضل فرانتز فانون. وكان لي مع الشاذلي جلسات مطوّلة نتحدث فيها عن فانون وفضل الثورة الجزائرية عليه، وفضله عليها، وحدّثت الشاذلي عن صداقاته لكل حركات التحرر في العالم، وعن إنسانيته، وعن سعيه إلى إنشاء فكر متجدد وإلى طموحه نحو خلق إنسان جديد، وعن محاولات فانون تجاوز القطيعة بين المثقف وشعبه المحتل، وتجاوز الحاجز بين القول النظري والفعل الثوري.

ولما قلت للشاذلي أن جوزي زوجة فانون، التي كانت تشتغل في مجلة “الثورة الإفريقية”، انتحرت في التسعينيات هنا في الجزائر بعد أن قضت أيامها الأخيرة في عزلة كئيبة، وأحست أن الجميع تخلى عنها، وأن الجزائر تتأرجح بين المجهول وأحضان الأصولية، وأنها عاشت الزمن الأسود بين العنف والهمجية، وذهبت كما ذهب زوجها دون رجعة ودون اعتراف. قال لي:”يا إلهي هل حدث كلّ هذا في الجزائر؟” قلت له:”نعم سيادة الرئيس، هذه هي الحقيقة”، فرد عليّ :”إن كانت هذه هي الحقيقة، فهي مرّة ومؤلمة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • سمير

    الدي هو في خلف الصورة وراء الرءيس الشادلي هو ناءبه عبدالاوي عبد القادر

  • MOHAMED

    la photo qui dans le journalle prisident chadeli et abdellaoui abdelkader encore en vie il ne trouve pas ahmed tarkouch parceque il tombe au champ de honneur

  • ابن الريف

    و مات فانون و مات الشاذلي و لم تبق سوى الذكريات

  • حسام

    كلام فارغ بل ربما هو من نسيج الخيال

  • بدون اسم

    الصورة في النسخة الوراقية

  • Baki

    لمن تقراء زابورك يا داوووود

  • صالح

    واين الصورة ؟