قطيعة مع الطائفية؟
تؤشّر التضحية بالمالكي وتعيين رئيس وزراء جديد للعراق إلى إمكانية تجاوز الأزمة الحالية، التي باتت تهدّد وحدة البلد وتنذر بتقسيمه إلى ثلاث دول على أسس طائفية وعرقية.
المالكي لم يُحسن التصرّف منذ انتخابه رئيسا للحكومة في عام 2006 ، وأبدى تشبّعاً كبيراً بالفكر الطائفي، وشرع في تهميش السنة عوض أن يكون رئيس حكومة كل العراقيين ويعامل الجميع على قدم المساواة. ويُتهم المالكي بالانحياز إلى الشيعة والسكوت عن جرائم “فرق الموت” التي كانت تنكّل بالسنة وتقتلهم على الهوية خلال الحرب الطائفية الخطيرة التي اندلعت سنة 2006 وأفضت إلى مقتل ما لا يقل عن 180 ألف عراقي من الطائفتين، قبل أن يتدخل الاحتلال الأمريكي لوضع حدّ لها عام 2007.
وخلال 8 سنوات كاملة من حكمه، أظهر المالكي أنه رئيس طائفة واحدة فقط في العراق، فاتسعت الهوة بينه وبين الأكراد والسنة، وأصبح الأكراد يشعرون أكثر بضعف ارتباطهم بالدولة المركزية ويفكِّرون في الانفصال وإقامة دولتهم المستقلة في شمال البلاد، وقد أصبحوا في الأشهر الأخيرة يحضّرون لترتيبات الانفصال. أما السُّنة فقد تفاقم شعورهم بالتهميش والإقصاء والنبذ، وتعرّضوا إلى اضطهاد كبير، فملأ المالكي السجون بالآلاف من المعارضين لسياسته الطائفية وأبقى الكثيرَ منهم دون محاكمة، ولم يكترث بمظاهراتهم واعتصاماتهم الاحتجاجية، وهمّش مناطقهم من الناحية التنموية، فكانت النتيجة خروج الكثير من أبناء السنة عليه وحمل السلاح وتشكيل ما يُسمى “مقاتلي العشائر” لمحاربته، والأخطر من ذلك انضواء بعضهم تحت لواء “الدولة الإسلامية” التي وجدت في المناطق السنية حاضنة شعبية قوية لنشاطاتها ومنطلقاً للزحف على الموصل وعدد من المدن الكردية.
من ثمة، فإن المالكي يتحمل مسؤولية كبيرة في بروز خطر “الدولة الإسلامية” وتوسّعها بشكل كبير ومتسارع وبسْط سيطرتها على مدن كبرى وأراض شاسعة في أوقات قياسية، حتى أضحت تهدّد بغداد نفسها، ولكن عوض أن يعترف المالكي بمسؤوليته ويتنحى بإرادته عن الحكم، فضل مصلحته الشخصية وأبدى تمسّكاً مَرَضياً بالسلطة وأصرّ على نيل عهدة ثالثة دون الاكتراث بمعارضة فئات واسعة من الشعب له، وهنا تأكدت إيران والولايات المتحدة وكل حلفاء المالكي أن حصوله على عهدة ثالثة سيعني تفكّك وحدة البلد نهائياً، والتفافاً أكبر من السّنة حول “الدولة الإسلامية” وتجذير وجودها في المناطق السنية، ما يجعل التصدي لها وهزمها أمراً عسيراً، فكان لا بدّ أن يضحي به حلفاؤه لإنقاذ وحدة العراق قبل فوات الأوان، لأن تمزّق البلد سينعكس سلباً على أمن إيران ويهدّد مصالح الولايات المتحدة والغرب، في حين أن هذه الأطراف تريد عراقاً موحّداً وقويا يشارك بفعالية في التصدّي لـ“الدولة الإسلامية” ضمن تحالفٍ إقليمي بدأ يتبلور في الأفق عماده، إيران وأمريكا والسعودية ومصر ودول إقليمية أخرى، دفعها هذا الخطر إلى تجاوز خلافاتها والتفكير في تشكيل “جبهة” ضده قبل أن يهدّد عروشها.
نتمنى فقط أن تكون تنحية المالكي مقدّمة للقطيعة مع الطائفية التي ضربت النسيج الاجتماعي العراقي في العمق.. المطلوب من حيدر عبادي أن يحدث القطيعة مع سياسة المالكي الطائفية ويعيد الاعتبار للسُّنة ويبرهن، كما برهن أياد علاوي قبله، على أنه رئيس حكومة كل العراقيين دون استثناء. تجسير الهوّة بين مكوّنات الشعب العراقي يجب أن يكون أولوية المرحلة، وباقي الملفات تُعالج بمرور الوقت.