الرأي

قوة الحكمة.. وضعف التهريج

محمد سليم قلالة
  • 2746
  • 5

وقوف أغلبية الجزائريين اليوم، مع الخطاب الهادئ واستهجانهم بل ورفضهم لكل خُطب الإثارة والتهريج، دليل قاطع على أن مستوى الوعي لدى الناس تعدى بكثير مستوى ما نُسمّيه جدلا الطبقة السياسية، إن في مستوى الفكر السياسي أو مستوى التماسك القيمي والأبعاد الأخلاقية، إذ يلاحظ أنه كلما سقط خطاب سياسي لأي كان، في اللغة الهابطة وغيّر مساره باتجاه السب وشتم، وتمادى في نقد هذا وقدح ذاك وذم الآخر، كلما فقد جزء كبيرا من شعبيته وسقط في عيون الناس، أي كلما لم يعد الخطاب يحمل فكرا سياسيا وعمقا قيميا، ولم يعد يعرف تماسكا أخلاقيا، كلما فقد قدرته على التأثير وحقق عكس المبتغى منه…

لقد أصبح واضحا أن حقبة ذلك الخطاب الحاد الذي كان يستميل الجماهير من خلال تحريك العواطف، وتجييش المشاعر قد ولّت، وأننا دخلنا بداية حقبة البحث عن خطاب الحكمة والحل الأمثل والعقلاني، بدل بيع الأوهام أو البناء فوق الركام، أي دخلنا مرحلة أولوية فحوى الخطاب على شكله ورسمه.

لم يعد الناس في حاجة إلى من يُحدِّثهم عن من مرّضهم، ولا لمن يُبكيهم أو من يُلهيهم، بل هم في حاجة إلى من يداوي جراحهم ويدفع فيهم روح الأمل.

لم يعد الناس اليوم، في حاجة إلى من يذكّرهم بمآسي الماضي، وبمن حطَّم اقتصادهم، أو نهب خيرات بلادهم، أو منعهم من الانطلاق الحقيقي في كافة المجالات، إنما إلى من يفتح أمامهم آفاق المستقبل، وكيف يُعيدوا تصحيح الاقتصاد، ويستعيدوا الثروة وينطلقوا مرة أخرى نحو أفق أرحب..

إن العبقرية اليوم، ليست في التحطيم أو التذكير بالتحطيم مهما كان الهدف، أو المستهدف شخصا أو مؤسسة أو قطاعا أو حزبا سياسيا أو قانونا أو دستورا أو أي شيء شئتم، إنما في مدى القدرة على صوغ رؤية حقيقية للمستقبل تتضمن جميع عناصر البناء، وتضمن التحكم في جميع مكونات التطور القادم…

القوة تكمن هنا والعجز يبدو أيضا.

إن الذين لم ينفكوا إلى اليوم، لا يعرضون في السوق السياسة سوى تلك البضاعة الرديئة التي تفوح منها رائحة الفساد والتنابز بالألقاب، إنما يعبّرون في واقع الأمر عن نهايتهم الأكيدة، ولن يجنون من مواقفهم هذه سوى احتقار أغلبية الناس لهم، أما أولئك الذين استطاعوا أن يتجنّبوا هذا فقد وضعوا الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، وحتى وإن كانوا قلّة اليوم فسيصبحون كثرة غدا وتلك مساحة الأمل..  

مقالات ذات صلة