-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قوة الحكمة.. وضعف التهريج

قوة الحكمة.. وضعف التهريج

وقوف أغلبية الجزائريين اليوم، مع الخطاب الهادئ واستهجانهم بل ورفضهم لكل خُطب الإثارة والتهريج، دليل قاطع على أن مستوى الوعي لدى الناس تعدى بكثير مستوى ما نُسمّيه جدلا الطبقة السياسية، إن في مستوى الفكر السياسي أو مستوى التماسك القيمي والأبعاد الأخلاقية، إذ يلاحظ أنه كلما سقط خطاب سياسي لأي كان، في اللغة الهابطة وغيّر مساره باتجاه السب وشتم، وتمادى في نقد هذا وقدح ذاك وذم الآخر، كلما فقد جزء كبيرا من شعبيته وسقط في عيون الناس، أي كلما لم يعد الخطاب يحمل فكرا سياسيا وعمقا قيميا، ولم يعد يعرف تماسكا أخلاقيا، كلما فقد قدرته على التأثير وحقق عكس المبتغى منه…

لقد أصبح واضحا أن حقبة ذلك الخطاب الحاد الذي كان يستميل الجماهير من خلال تحريك العواطف، وتجييش المشاعر قد ولّت، وأننا دخلنا بداية حقبة البحث عن خطاب الحكمة والحل الأمثل والعقلاني، بدل بيع الأوهام أو البناء فوق الركام، أي دخلنا مرحلة أولوية فحوى الخطاب على شكله ورسمه.

لم يعد الناس في حاجة إلى من يُحدِّثهم عن من مرّضهم، ولا لمن يُبكيهم أو من يُلهيهم، بل هم في حاجة إلى من يداوي جراحهم ويدفع فيهم روح الأمل.

لم يعد الناس اليوم، في حاجة إلى من يذكّرهم بمآسي الماضي، وبمن حطَّم اقتصادهم، أو نهب خيرات بلادهم، أو منعهم من الانطلاق الحقيقي في كافة المجالات، إنما إلى من يفتح أمامهم آفاق المستقبل، وكيف يُعيدوا تصحيح الاقتصاد، ويستعيدوا الثروة وينطلقوا مرة أخرى نحو أفق أرحب..

إن العبقرية اليوم، ليست في التحطيم أو التذكير بالتحطيم مهما كان الهدف، أو المستهدف شخصا أو مؤسسة أو قطاعا أو حزبا سياسيا أو قانونا أو دستورا أو أي شيء شئتم، إنما في مدى القدرة على صوغ رؤية حقيقية للمستقبل تتضمن جميع عناصر البناء، وتضمن التحكم في جميع مكونات التطور القادم…

القوة تكمن هنا والعجز يبدو أيضا.

إن الذين لم ينفكوا إلى اليوم، لا يعرضون في السوق السياسة سوى تلك البضاعة الرديئة التي تفوح منها رائحة الفساد والتنابز بالألقاب، إنما يعبّرون في واقع الأمر عن نهايتهم الأكيدة، ولن يجنون من مواقفهم هذه سوى احتقار أغلبية الناس لهم، أما أولئك الذين استطاعوا أن يتجنّبوا هذا فقد وضعوا الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، وحتى وإن كانوا قلّة اليوم فسيصبحون كثرة غدا وتلك مساحة الأمل..  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • عجب اولم يعجب

    الامل في النخب التي تزرع الامل في عقول الناس وتنهي عن الخناس الوساس.نعم لقدسئم الناس من نخب التشخيص للمرض لكن اين هم الذين يعطون فسحات للامل بتقديم بعض الحلول لما نحن فيه وزرع بعض الامل للخروج من المحن التي وضعنا فيها خبراء النظام لتشخيص المرض و الذين لايعرفون اعطاء ولو حبة تساعد في الحل للقضاء على العلل؟يجب على النخب الصادقة والصادحةبالحق والتي تقول للمسيءاسئت وللمحسن احسنت بان تكثر التواجد في ميدان النضال من اجل نشرفسحات الامل من اجل ارجاع حب العمل وطلب المعارف والعلوم والنضال بصدق لبناء الوطن

  • مصطفى

    السلام و بعد :أمامنا ستة مترشحين فقط و لم و لن تتغير لغتهم ولا مستوى خطاباتهم فما الحل ؟استمعت تقريبا لهم أو لممثليهم و الغريب أن ما ينقل عنهم أقل بقليل مما هو موجود داخل القاعات لا مستوى و لا هم يحزنون ربما لهم حسن النية فقط أما غير ذلك فلا شيئ أفضل منهم و لتحيا الجزائر

  • بدون اسم

    شكرا أستاذ، لقد وضعت اليد على الجرح و كإضافة لما ذكرته أقول على لسان مالك بن نبي رحمه الله:"أن السياسة التي تجهل قواعد الاجتماع و أسسه لا تستطيع إلا أن تكون دولة تقوم على العاطفة في تدبير شؤونها، و تستعين بالكلمات الجوفاء في تأسيس سلطانها.." (انظر ش النهضة: دور الوثنية، ص 31).

  • هشام

    كلام جميل، و لكني أعتقد يا أستاذ أن من يملك هذا الخطاب الذي تتحدث عنه لا يزال يغط في نوم عميق، أقصد الأساتذة الجامعيين، أقصدكم أنتم، أنتم الذين علمتمونا الفكر السياسي و الفلسفة السياسية و الهندسة السياسية، و لكنكم لم تستطيعوا أن تقدموا للشعب بديلا عن النظام البائد الفاسد، أنتم الذين لم تقدروا الجامعة حق قدرها و لم تمكنوها من لعب الدور المناط بها، أما نحن، تلاميذكم فقد عانينا الأمرين بحثا عن منفذ نوصل من خلاله أفكارنا و أطروحاتنا بعد أن جعلتم بيننا و بين الجامعة حجابا لأننا أجرأ منكم و أقدر.

  • الجزائر العميقة

    الناس تعرف الناس والناس تميز وتقيس وتوزن و تبحث.فبعض وسائل الإعلام تبعد عن نفسها الشبهات والتعفن الإعلامي بالتحريض ضد الآخر .وتاريخها هاهو غير البعيد مع فلان وعلان بطريقة مقززة وكتابات مفضوحة وتعتقد أنها اليوم قد ملكت قنوات و ستؤثر اكثر لكنها نسيت أن ما فعلته الجزيرة مثلا عندما انحدرت قيمها الأخلاقية وخانت الأمة و هذا بطبيعة الحال جرم وجرح في حقنا كأمة لكن الوجه الإيجابي لذلك الإستهتار كان زيادة وعي الناس وبالتالي عدم تصديقهم لكل ما يقرؤون و يشاهدون فنمت روح التحليل والنقد لديهم فانقلب السحر على