-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتفاضة في 23 جامعة أمريكية!

حسين لقرع
  • 637
  • 0
انتفاضة في 23 جامعة أمريكية!

ما يجري منذ أيام في 23 جامعة أمريكية من انتفاضة طلابية متصاعدة احتجاجا على حرب غزة والدّعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني، هو حدث استثنائي قلّ نظيره في هذا البلد؛ فقد ضاق آلاف الطلبة والأساتذة ذرعا بالدعم العسكري والمالي والديبلوماسي والإعلامي غير المحدود الذي تقدّمه الإدارة الأمريكية للكيان المجرم الفاشي، وطفح كيلهم، فقرّروا الاعتصام داخل حرم الجامعات إلى أن تغيّر حكومتهم المنحازة موقفها المخزي وتكفّ عن مساندة جرائم الاحتلال.

بدأت الأحداث الطلابية في جامعة كولومبيا بنيويورك، التي توصف بمركز اللوبي الصهيوني العالمي، يوم 18 أفريل الجاري، وكان انتشارها محدودا في البداية، لكنّ إدارة الجامعة المتصهينة أجّجتها من دون قصد حينما استدعت رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، وهي مصرية الأصل، الأمن الوطني لقمع الاحتجاجات السّلمية، فتوسّع لهيبها، ثم انتشرت إلى 22 جامعة أخرى بشتّى أنحاء أمريكا، وهي مرشّحة لأن تتوسّع وتشمل باقي الجامعات بعد أن صعّد الأمن الأمريكي قمع الطلاب ولجأ إلى استعمال الصواعق الكهربائية والمهيّجات الكيميائية والضرب والاعتقالات والتهديدات وحملات التشويه.

أهمية هذه الحركة الطلابية أنّها انطلقت من أكبر بلد داعم للاحتلال، ومن جامعات ذات وزن عالمي كبير، وتدرس بها نخب العالم، وأنّها هدّمت كل ما بنته الحركة الصهيونية العالمية طيلة 76 سنة من قيام كيان الاحتلال؛ إذ سيطرت هذه الحركة بوسائل إعلامها الجبّارة على الرأي العام الأمريكي وغسلت دماغه تماما وأقنعته بسرديته المزيّفة، فأصبح لا يختلف عن حكومته في انحيازها الصارخ للاحتلال ومعاداة القضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين عموما، وقد استمر الانحياز الشعبي الأمريكي للكيان خلال الحرب الحالية في غزة، لكن الصمود الأسطوري للفلسطينيين طيلة 7 أشهر من حرب الإبادة، وما حدث خلالها من دمار واسع، وهدم للبيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات والبنية التحتية عموما، وتجويع ممنهج للفلسطينيين قصد تهجيرهم من أرضهم، وارتكاب مجازر وحشية، وقتل نحو 14 ألف طفل و9 آلاف امرأة، وإعدام أسرى، ودفن بعضهم أحياء، وما اكتشف من مقابر جماعية داخل المستشفيات، وغيرها من المناكر والجرائم التي فاقت النازية في وحشيتها، أيقظ ضمائر الكثير من الأمريكيين، وفي مقدّمتهم آلاف الطلاب الجامعيين الذين انتبهوا إلى زيف السردية الصهيونية والأمريكية، فاعتصموا لمطالبة حكومتهم بإنهاء انحيازها السافر لهذا الاحتلال الفاشي العنصري الذي يقتل الأبرياء بأسلحة وذخائر أمريكية فاقت الـ35 ألف طن في 7 أشهر.

وما زاد أمريكا والكيان حرجا أنّ الكثير من الطلاب اليهود الأمريكيين شاركوا في هذه الحركة الاحتجاجية الواسعة، لينسفوا بذلك تهمة “معاداة السامية” المزعومة، ويوقعوا “الحليفين” في حرج شديد، فلم تجد حكومة بايدن المتصهينة سوى تصعيد القمع ضد الطلاب المحتجّين، وهو ما يكشف زيف قيم الديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان واحترام حق الاعتصام والتظاهر السلميين، وغيرها من المواعظ المجانية التي كانت أمريكا تلقيها على بلدان العالم الثالث التي تلجأ إلى قمع مظاهرات شعوبها، ففيما تختلف حكومة بايدن عن تلك البلدان التي طالما انتقدتها الخارجية الأمريكية في تقاريرها السنوية عن “حقوق الإنسان”؟

ثورة الطلبة الأمريكيين في سنة 1968 على حرب فيتنام أدّت إلى تغيير نظرة شعبهم إلى الحرب تدريجيّا، وكانت أحد عوامل إنهاء هذه الحرب وانسحاب الاحتلال الأمريكي منها سنة 1975، وإذا لم تستطع الثورة الطلابية الجديدة التأثير في موقف الإدارة الأمريكية المنحاز للاحتلال في جرائمه، فإنها ستؤدّي، على الأقل، إلى تشكّل رأي عام أمريكي جديد معاد للكيان الصهيوني. لقد قام هؤلاء الطلبة الأبطال بواجبهم كاملا وعرّوا الفاشية الصهيونية وأبدوا تعاطفا علنيا واضحا مع الفلسطينيين، وهو مكسب مهم لـ”طوفان الأقصى”؛ فقد اخترق الوعي الغربي بعد 76 سنة كاملة من هيمنة السردية الصهيونية، وأسقط زيفها في عقول الأجيال الجديدة، وهذا مكسب سياسي هام للفلسطينيين وخسارة إستراتيجية مدوّية للاحتلال لا تقل عن خسارة 7 أكتوبر وما تبعه من خسارات متتالية بعدها في غزة.

السؤال الكبير الذي يطرح بعد هذا كلّه: أين الطلبة الجامعيون العرب والمسلمون وهم أصحاب القضية قبل غيرهم؟ كيف يتحرّك طلبة 23 جامعة أمريكية وطلبة السوربون بفرنسا وطلبة بجامعات أسترالية وبريطانية احتجاجا على الحرب ودعما للفلسطينيين، ولا يتحرّك طلبة الجامعات العربية والإسلامية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!