-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“وللآراء اقتتال”

“وللآراء اقتتال”

نظّم مخبرُ التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية لجامعة الوادي ووزارةُ الاتصال ملتقى وطنيًّا تحت عنوان “الصِّحافة والصِّحافيون خلال الحقبة الاستعمارية 1830- 1960”. ولستُ أدري لماذا اختار المنظّمون سنة 1960 نهايةً للفترة المدروسة، وكأنّ السنتين الأخيرتين من الوجود الفرنسي في الجزائر خاليتان من الجهاد الصِّحافي للجزائريين، أو كأنّ فرنسا كانت فيهما “مَلَكًا” لم ترتكب جرائمَ مادية ومعنوية؟

إنّ الحقيقة التي يعرفها ويستيقنها أولو الأبصار والبصائر هي أنّ فرنسا ما تزال إلى اليوم تشنّ حروبا قذرة على الجزائر، وقد أكّدت ذلك على لسان مجرمها الأكبر الجنرال دوغول؛ إذ أكّد في مذكراته “الأمل” أن فرنسا لن تترك الجزائريين بعد إخراجها من الجزائر يبتعدون ويغيبون عن عينيها، معتمدة في ذلك على من سمّاهم أحدُ الوطنيين “الحركى المثقفين” الذين أشرِبوا في قلوبهم حبَّ فرنسا، ويعملون آناء الليل وأطراف النهار لإبقاء هيمنتها على الجزائر ثقافيا، ولغويا، واقتصاديا وسياسيا، ويعرقلون كلّ مسعى -كبيرا أو صغيرا- للتحرّر من كل ما يقيّد الجزائر إلى “العجلة الفرنسية”، ومن كان في هذا القول من الممتَرين فلينظر إلى ما أنشأته فرنسا من منظمات لهؤلاء الحركى، وعلى رأس هذه المنظمات “الأكاديمية البربرية”، وتنظيم “الماك”، وما خفي أعظم مما يندرج تحت قوله تعالى: “وفيكم سمّاعون لهم”. ولهذه الجملة القرآنية معنيان هما الذين يلقون السمع للأعداء ثم ينشرون ذلك في أوساطكم، أو الذين يعيشون معكم من بني جلدتكم ولكنّهم يعملون جهدهم لإخبال أمركم وعرقلة انعتاقكم من هذه الهيمنة.

من أهمّ الوسائل التي استخدمها آباؤنا وأجدادنا وسيلة الصِّحافة، سواء لرفع معنويات الشعب الجزائري، أو لردِّ الهجمات الفرنسية لتلويث العقل الجزائري بما سمّاه الأستاذ مالك بن نبي “الأفكار القاتلة”. ومن الذين تصدّوا لهذه الأفكار القاتلة الإمامُ عبد الحميد ابن باديس الذي تصدّى بقلمه وعقله لشيطان فرنسيّ يسمّى “آشيل” فألقمه حجرا، ما جعل الشاعر محمد العيد آل خليفة يسجّل ذلك الصراع بقوله:

عبد الحميد رعاك الله من بطل    ماضي الشكيمة لا يلويك تهويلُ

دمغتَ أقوال “آشيل” كما دمغتْ    أبطالَ أبرهة الطيرُ الأبابيل

لقد كانت فرنسا المجرمة تدرك أهمية الصِّحافة في دمغ أباطيلها فسلّطت مكرَها الكُبّارَ وكلَّ ما تحت يديها من وسائل مادية وبشرية لإسكات صوت الأحرار الجزائريين، فأوقفت الصحف واعتقلت الصِّحافيين، ونفتهم، وغرّمتهم، وقد شبّه الإمامُ الإبراهيمي “حرب الكلمة” بالحرب المادية، فكتب قائلا: “وللآراء اقتتال” (آثار الإمام الإبراهيمي ج4. ص112)، وهذا ما ردّده المستشرق الفرنسي جاك بيرل في مقال له بعنوان “القتال الثقافي” نشره في جريدة “القبس” الكويتية قبيل وفاته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!