-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دروس الغباء الاستعماري

عمار يزلي
  • 718
  • 0
دروس الغباء الاستعماري

خلال 132 سنة من احتلالها للجزائر، كرست فرنسا وهي تخرج صاغرة من هذا البلد الذي لم يكلّ يوما ولم يملّ من المقاومة، كرست مقاومتها حتى بأبسط الوسائل في حالات الضغط والاستقواء بالقوة النارية والتقتيل والتهجير والتفقير. لم يهدأ لها بال حتى أخرج المحتلّون عن يدٍ وهم صاغرون.

والعالم هذه الأيام يحتفي بنهاية الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها الملايين: أكثر من 25 مليون جندي قتيل فقط في صفوف القوات السوفييتية. فيما راح ضحيتها، وفقط عشية احتفال الجزائريين بانتصار الحلفاء على ألمانيا الهتليرية، نحو 45 ألف شهيد مدني، لا ذنب لهم إلا لأنهم خرجوا مبتهجين فرحين بأن فرنسا ستمنحهم أخيرا الاستقلال بعد ما وعدتهم بذلك قبل الحرب، لقاء تجنُّدهم خلفلها لدحر “المستعمِر للمستعمِر”. لكن فرنسا كانت “أخلف من عرقوب”، ونقلت الحرب إلى الداخل الجزائري ورفعت وتيرة وتكلفة إخضاع الشعب والمقاومة، ليصرح أحد جنرالاتها العسكريين لقادتهم السياسيين وقتها: “لقد ضمنا لكم عشر سنوات من الهدوء” بما يعني أنه قتل كل من كان يفوق عشر سنوات. وبعد أقل من ذلك، انفجر لغم الثورة التي كان يُحضَّر لها، وبهدوء، على نار مستعرة.

خلال قرن وثلث قرن من الاستعمار، خاضت فرنسا عدة حروب من أجل الإبقاء على الجزائر تحت وصاية عساكرها، ثم مستعمريها: بدأت بحربها مع بروسيا، التي اضطرت أن تنهيها لكي تتفرغ لجبهة واحدة: جبهة الجزائر وثورة المقراني. أنهت الحرب مع بروسيا بشروط مذلة، فقط لكي تنقل قواتها المدرَّبة والمسلحة أحسن تسليح وقتها لتطفئ لهب انتفاضة المقراني/ الحداد.

خاضت فرنسا بعد ذلك، وبعد جيل كامل، الحرب العالمية الثانية بالاعتماد على تجنيد الجزائريين لمحاربة تركيا المسلمة في “الدردنيل”. قاوم الجزائريون التجنيد الإجباري بكل السبل، وأغرتهم فرنسا بكل السبل أيضا ووعدتهم بالمنّ والسلوى بعد نهاية الحرب، وبحريات أكبر وبحقوق أكثر، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وكان الجزائريون قد سئموا وعود فرنسا الكاذبة، ومع ذلك تجند الكثير منهم في صفوف الاحتلال، فيما فضل بعضهم المنفى باختيارهم الصمت، كما حصل مع جمعية العلماء والشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي فضل المنفى في آفلو على أن تُصدر الجمعية بيان مساندة لفرنسا في حربها ضد الألمان.

ثم، تخوض فرنسا حربا في الهند الصينية، وترغم الجزائريين على التجنيد خلفها وضمن صفوفها، وهذا قبل أن تصاب بهزيمة نكراء في معركة “ديان بيان فو” الشهيرة بقيادة “الجنرال جياب”. عندها، ومرة أخرى، ستضطر فرنسا للتخلي عن هذا الجزء من مشروع التوسع الامبريالي شرقا، فتقدم فيتنام للأمريكان، لكي تتفرغ هي لحرب التحرير الجزائرية الكبرى التي كانت قد انفجرت غربا: كثير من هؤلاء الجزائريين الذي جنّدتهم فرنسا ضد ألمانيا ثم في الحرب الهند الصينية، سيكونون وقود الثورات، وسيشاركون في الحركة والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي.

في كل هذا، كانت فرنسا الاستعمارية، كما صرح ذلك زعيم الثورة الفيتنامية عندما زار الجزائر في السبعينيات، مثل “التلميذ الفاشل، يرسب مرة تلو المرة إلى أن يُطرد من المدرسة”. وتُطرد فرنسا في مدرسة الثورة، مدرسة تعلمت منها عدة دول وثورات وحركات تحررية، وأخذت منها الدروس والعبر، لمحاربة الاستعمار أينما كان وأنَّى كان وكيفما كان: في إفريقيا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية.. واليوم، في فلسطين المحتلة الجريحة المكافحة المقاتلة، في غزة الأبية وفي الضفة المستعصية، وفي الصحراء الغربية: بلدان اثنان، لا يزالان يرزحان تحت نير الاستعمار في القرن الـ21، وينسِّقان على أعلى مستويات اليوم لتطبيع غير طبيعي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!